عمر أطول وسعادة أشمل، ماذا يقول العلم؟
روزيت الفار-عمّان
إذا كان معظمنا يفضّل الصّحة الجيّدة على العيش لسنوات أطول، فكيف لو تمكّنّا من تحقيق الغايتين معاً؟ بمعنى أن نعيش طويلاً وبصحّة جيّدة.
أصبح التّركيز مؤخّراً؛ منصبّاً على تسخير التّكنولوجيا وكيفيّة الاستفادة من البيانات؛ لخدمة علم إطالة العمر Longevity، فنشطت من أجل ذلك الدّراسات والتّجارب والأبحاث العلميّة وها هي النّتائج تأتي مبشّرة.
ففي كتابين مُهمّين حول هذه المسألة الحيويّة لكل البشر ، يحملان العنوانين التاليّين: “عش أطول” و ” شباب دائم”، يؤكد الطّبيبان بيتر عطيّة الأمريكي/الكندي، ومارك هايمن الأمريكي؛ إمكانيّة تحقيق العيش لسنوات طويلة وبصحّة جيّدة؛من خلال فهم آليّة تجديد خلايا الجسم أو إصلاحها. ووضعا من أجل ذلك؛ استراتيجيّات مبنيّة على أسس علميّة ونهج فنّي وتقني وتكتيكي، تناولت التّركيز على الصّحّة الجسديّة بالتّوازي مع الصّحّة الذّهنيّة والنّفسيّة والمعرفيّة والعاطفيّة.
لتقدّم العلوم الطّبيّة وهندسة الجينات مساهمات هامّة في تطوير وتحسين ومعالجة الكائنات الحيّة ومنها الإنسان، غير أنَّه غير كاف إن لم تدعمه تلك الاستراتيجيّات. فهي، كما وصفاها، استراتيجيّات استباقيّة أكثر منها علاجيّة. “فخير العلاج حسب رأيهم، عدم حدوث المرض”
يشيخ الشّخص عادة لسببين: إمّا لتوقّف إنتاج خلايا بناء جديدة لتعويض الخلايا التّالفة؛ أو عجز برامج إصلاح الخلايا عن القيام بوظيفتها، ممّا يؤدّي لتدهور تدريجي في صحّته. ولسوء التّغذية وأنماط الحياة غير الصّحيّة تأثير كبير في عمليّة التّدهور تلك.
يعطي د.عطيّة مثلاً على سكّان سردينيا الجبليّة؛ فهم الأطول عمراً والأكثر صحّة ولياقة حين يُقاسون بغيرهم. فهم بعمر الثّمانين؛ لا يزالون يعملون في مزارعهم وحدائقهم بكامل حيويّتهم ونشاطهم ويموتون بعدها بسنوات؛ بسلام. وعلى النّقيض نرى الشّخص العادي يعيش آخر 16 سنة أي 1/5 من عمره تقريباً وهو يعاني من الأمراض ويواجه صعوبة في الحركة والتّنقّل.
تركّز تلك الاستراتيجيّات على خمسة جوانب، تعمل في جوهرها على "إبطاء عمليّة الشّيخوخة" والّتي كما أسلفنا، تتعطّل خلالها آليّات تجديد الخلايا وتتدهور جودة الحمض النّووي المسؤول بشكل خاص عن التّكاثر والنّمو بالجسم، ممّا ينتهي بحدوث طفرات وتلف بالخلايا المسؤولة عن إنتاج الطّاقة؛ بمعنى صعوبة تجديد الشّباب. وهي:
1. التّغذية السّليمة. “أنت ما تأكله”، “التّغذية الجيّدة أساس الحياة الجيّدة”.
وبالاستفادة من التّكنولوجيا الحديثة، أشار د.عطيّة لأهميّة تطبيق “نظام الكيمياء الحيويّة التّغذويّة”المختصّة بعمليّات التّمثيل الغذائي بالجسم، وتحديداً الخليّة، في تقرير نوع ونمط الغذاء المناسب للشّخص تبعاً لوضعه الصّحّي. ويُعد السّكّر أسوأ أنواع الأغذية ويشكّل أهم أسباب مجموعة أمراض الشّيخوخة وبمقدمتها الزّهايمر والسّكّري النّوع 2 وأنواع متعدّدة من السّرطان وأمراض القلب والشّرايين، وإنَّ التّحكّم بكميّاته يساهم لحدٍّ كبير في تحفيز عمليّة تطهير الجسم من السّموم مما يساعد في المحافظة على صحّته وشبابه.
2. التّدريبات الرّياضيّة المرتبطة بطول العمر. وهي الّتي تركّز على التّدريب المركّب الشّامل، أي الّذي يعمل على تشغيل عدّة عضلات و يطوّر أكثر من مهارة بوقت واحد، وكيفيّة التّدريب على Centenarian Decathlon (العيش لمئة سنة وبصحةّجيّدة) من خلال سباقات تشمل 10 أنواع من الرّياضات تجرى بأوقات متباعدة. ويعتبر التّدريب المُنتظم الّذي يبدأ بعمر مبكّر؛ من أهمّ العوامل المساعدة في تجنّب حدوث أمراض الشّيخوخة. فهو يعمل على حفظ الماء داخل العضلات ويحمي كتلتها من الضّمور من خلال تحفيزه لإنتاج الكرياتين -الموجود فيها بالأصل- والضّروري لإنتاج الطّاقة وحماية العظام. وللرّياضة دور هام في تخليص الجسم من السّموم عبر زيادة تأثير مضاد إدمان السّكّر وتدريب الجسم على عدم الاعتماد عليه والتّخلّص من الفائض منه. وقد أثبتت نتائج التّجارب العلميّة بأنّ صحّة عضلات كبار السِّن المواظبين على التّمارين، توازي صحّة عضلات الشّباب بعمر ال25. وللتّدريب الرّياضي دور مهم في رفع مناعة الجسم ومقاومته للعديد من الالتهابات وتحسين القدرات الذّهنيّة والإدراكيّة.
3. إدارة التّوتّر. القليل من الإجهاد والتّوتّر يفيد في ترويض الشّخص وخلق مرونة لديه ومساعدته على التّعافي عند مواجهة المشاكل. غير أن تعرّضه المستمر لتلك الحالات؛ له مردود عكسي، فهو يقلّل من مناعة الجسم ويؤثّر على مستوى انتاج خلايا طبيعيّة جديدة ممّا يجعل الجسم عرضة لأمراض كثيرة.
4. النّوم الجيّد ولمدّة لا تقل عن 7 ساعات يعني صحّة أفضل وعمراً أطول؛ فأثناء النّوم يتم تفريغ الجسم والدّماغ من السّموم. للأسف، ومنذ العقود الماضية وبتأثير المبالغة باستخدام أجهزة وأدوات التّكنولوجيا والهواتف الذّكيّة والشّاشات الإلكترونيّة والمصابيح الحديثة، أصبحنا عرضة للضّوء الأزرق والّذي أُثبتت أضراره على نوعيّة النّوم وعدد ساعاته، إذ انخفض بالعقود الأخيرة الماضية
معدّل النّوم لدى الأشخاص بمقدار ساعة إلى ساعتين ممّا أدّى لانخفاض القدرة على التّركيز وعلى التّعلّم والقيادة بأمان. إضافة لأمراض الجهاز العصبي والدّورة الدّمويّة ولضعف الجهاز المناعي.
5. الاهتمام بالصّحّة العاطفيّة والتّفاعلات الاجتماعيّة وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء بالتّوازي مع الصّحّة الجسديّة والذّهنيّة، فقد يكون إهمال هذا الجانب بمثابة اللّعنة المطلقة لجميع الجوانب السّابقة وتعزيزه تأييداً لهم.
بالنّهاية يقول العلم بأنّ طول العمر والصّحّة الجيّدة، أمران أكثر مرونة ممّا نعتقد، تحدّدهما خريطة طريق صحيّة وصحيحة واتّباع نمط حياة مختلف يصنعه المرء لنفسه يستطيع بواسطته تجاوز جيناته. نعم فأنت تقرّر لجيناتك كيف تتصرّف؛ من خلال النّمط الّذي تختاره لنفسك. وبيدك أمر جعل كل عقد من حياتك أفضل من العقد الّذي سبقه.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…