افتتاحية

لماذا يتحفّظ بعضُ العرب على فرنجية؟

                                لماذا يتحفّظ بعضُ العرب على فرنجية؟

 سامي كليب:

يروي دبلوماسي عربيّ مكلّف بالملف اللُبنانيّ، أنّه في خلال آخر زيارة قام بها لعند رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، بعد أيامٍ قليلة على ترشيح الأخير لسليمان فرنجية رئيس تيّار المردة لرئاسة الجمهورية، دار الحديثُ كلّه تقريبًا حول الرئاسة، لكن برّي لم يذكر مرّة واحدة فرنجيّة.

يبتسم الدبلوماسي العريق ويقول:” الرئيس برّي ذكيّ ومحدّث لبق، لكنّه داهية سياسيّ، فهو حين سارع الى ترشيح فرنجيّة، كانت لديه حتمًا أسبابٌ كثيرة، لكن بينها طبعًا طرح الاسم للتفاوض على صفقة أكبر وأشمل تمتدّ من رئاسة الجمهوريّة إلى رئاسة الحكومة إلى وظائف أخرى من الدرجة الأولى في الدولة”.

سألتُ الدبلوماسيّ، عن تحفّظ بعض العرب على أسم سليمان فرنجيّة، وعن سعيّ البعض الآخر سابقًا للتسويق لقائد الجيش العماد جوزف عون، أو حاليًّا لجهاد أزعور، فساقَ الأسباب التاليّة:

  • أولاً: ليس لدى العرب في الواقع أسباب رافضة بالمطلق لسليمان فرنجيّة، فإذا كان الرجُل يُحسب على سوريّا او على حزب الله، فهذه السعوديّة تفاوض الآن دمشق وطهران، لكنّ السؤال هو عن القدرة الفعليّة والرغبة الفعليّة في احداث تغييّر حقيقيّ بات لُبنان يحتاجه أكثر من أي وقت مضى، ثم عن دور الرئيس في التخفيف من الوطأة الايرانيّة لاحقًا في لُبنان.
  • ثانيًّا: نحن نُدرك أن سليمان فرنجيّة ضيّق التمثيل في الجانب المسيحيّ، وأنّ التيارَين الآخرين الكبيرين، أي التيار الوطني الحُر والقوّات اللُبنانيّة ليسا موافقين عليه، ويشعُران بأنّهما الأجدر بهذا المنصب لأنهما الأكثر تمثيلاً وهذا واقع فعليّ،  فلو فُرض الرجل بالقهر وبلا تمثيل مسيحيّ حقيقي، هذا سيدفع الطرف المسيحي إلى خيارات متطرّفة لن تكون مُطلقًا في صالح مستقبل لُبنان واستقراره ولا في صالح الطوائف الأخرى بمن فيهم السُنّة.
  • ثالثًا: فلنفترض أنّ حزبَ الله وحركةَ أمل وعددَا من النوّاب من أحزابٍ وتيّاراتٍ أخرى، قد يؤمنوا النصاب وربما التصويت، وهذا ما يبدو على الأقل حتّى الآن صعبًا، فماذا سيكون عليه اليوم التالي للانتخاب؟ ماذا يفعل لُبنان بالاقتصاد والاستقرار وإطعام الشعب، بلا دعمٍ عربيّ ودوليّ واضح يستند إلى شروط ثابتة لا تراجُع عنها، تتعلق بالإصلاح ومكافحة الفساد وسلاح الحزب والعلاقات العربيّة ووقف عمليات التهريب عبر الحدود والاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ وغيرها.

أقول للدبلوماسيّ الذي غالبًا ما يزور لُبنان للبحث في كيفيّة التوصّل الى صيغة توافقيّة حقيقيّة: يبدو أن داعمي سليمان فرنجيّة قادرون على تأمين النصاب والتصويت، وثمة معلومات عن أطرافٍ قد تُغيّر رأيها، فتنتقلُ من الرفض إلى التصويت له وتجد المُبرّرات لذلك، وبالتالي هذا سيُصبح أمرًا واقعًا، ثم كيف يُمكن التفكير ولو للحظة بأنّ حزب الله وحركة أمل يقبلان بخسارة هذه المعركة؟

يسارع إلى الإجابة بالتاليّ:

  • دعني أقول لك يا أخي، أنّني زرتُ لُبنان عشرات إنْ لم أقل مئات المرّات، وهذا بلدٌ عزيزٌ جدًّا علينا وعلى كلّ عربيّ، وأعرف أنّ كلّ شيءٍ فيه ممُكن، وأنّ لا حدود للصفقات الداخليّة فيه، ونحن نعرف أن فرنسا تروّج لصفقة ، يكون فيها فرنجيّة رئيسًا ونوّاف سلام رئيسًا للحكومة، ولدينا معلوماتٌ دقيقة كيف سعت الدبلوماسيّة الفرنسيّة لإقناع السعوديّة بهذا الطرح، لكن الأمور ما زالت مُعقّدة، ذلك أنّ المطلوب هي الرؤية المُقبلة للُبنان، أو قلّ المشروع القابل للتنفيذ والذي يُشعر كلّ اللُبنانيّين أولاً بأنهم أمام مشروع انقاذي إصلاحيّ جدي، وأنّ ثمة بداية حقيقيّة لعودة الدولة، وأنّ بلدهم ليس مسرحًا لصراعات الاخرين الذين يفيدون جميعًا الاّ لُبنان.
  • لا يستطيع أحدٌّ تحمّل مسؤولية استمرار الانسداد لفترة طويلة، وإذا كان البعض يُروّج لفكرة أنّ حزب الله أشد قدرة على الاستمرار بلا رئيس للجمهوريّة وبلا قيام الدولة، فهذا لا يستند إلى أيّ واقع عمليّ، ونحن نُدرك من خلال التقارير الكثيرة التي لدينا، أنَّ بيئة الحزب مستاءةُ كما البيئات الأخرى وربما أكثر، وجميع الناس في لُبنان ينشدون طريقًا للخلاص. ولذلك نعتقد بضرورة عدم مكابرة الحزب والقبول بتسوية تُرضي الجميع وتضع الدولة مُجدّدا على سكة الإنقاذ، فكلّ شيء منهار في لُبنان، وهذا أمر خطير ولا يمكن أن يستمرّ.

وأسأله عن فكرة يجري الترويج لها وتقول: إن سليمان فرنجيّة سيكون نتاجًا منطقيًّا للتقارب الإيرانيّ السعوديّ، والسعوديّ السوريّ، وأنَّ التقارب بين الرياض ودمشق، يسمح بالتفكير بالعودة إلى منطق “السين-سين”، أيّ السعودية-سورية، بحيث يولي العرب مُجدّدا شؤون لُبنان لسورية، على أساس أنهّا الوحيدة التي يُمكن أن تقف يومًا ما في وجه حزب الله وتضبط الحدود، ورُبما تذهب في إطار عملية سلام شاملة في المنطقة برعاية الصين الى استئناف التفاوض مع إسرائيل؟

يبتسم الدبلوماسي العريق ويحاول التخفيف من غلواء هذا الطرح قائلاً : أولاً، إنَّ سوريا اليوم ليست سوريا الأمس لا بالقوة ولا بالدور ولا بالامتداد الإقليمي ، وهي بحاجة قبل كلّ شيء إلى الاهتمام ولسنوات طويلة بشؤونها، ثمّ إن التحالفَ العضوي الذي قام بين دمشق وطهران وحزب الله ليس من النوع الذي يترك هامشَ مناورةٍ واسعةٍ أمامَ الرئيس بشّار الأسد للتصرّف في لُبنان كما كان شأنُ والده الرئيس حافظ الأسد، ناهيك عن أنّ التجربّة العربيّة السابقة مع سوريا في لُبنان لم تكن مُشجّعة ليفكر العرب مُجدّدا بطرح كهذا.

ثم أقول للدبلوماسي العربيّ المنهمك حاليًّا بشؤون السودان والقمّة العربيّة المُرتقبة في السعوديّة، إنَّ سليمان فرنجيّة عروبيٌّ حتّى النخاع، وابنُ عائلة معروفة بهذا الانتماء، وهو حصل على بعض الغطاء المسيحيّ من خلال إعلان ترشّحه من الصرح البطريركي، وأجاب في كلمته على كل الأسئلة التي طرحها عليه الفرنسيّون.

يستوى الدبلوماسي العربيّ على مقعده، ويبدو كأنّه يبحث عن ورقة بين أكوام الأوراق المكدّسة على مكتبه، ويُجيب: ” لا اعتقد ولا معلومات تقول إنّه حصل على غطاء مسيحيّ حقيقيّ، وهذه ستبقى مُشكلة فعليّة، وعلى المسيحيّين أنفسهم أن يجدوا حلاً لها، أمّا اذا صوّت له بعض النواب المسيحيّين وحتّى لو كان بعضُهم من داخل التيّار الوطني الحُر،  أو بعض نوّاب وليد جنبلاط أو غيرهم من السُنة، فهذا لا يعني أبدًا غطاء مسيحيًّا ولا وطنيًّا، وإنما سيُعيدُنا الى ما كان عليه لُبنان سابقًا، أيّ انتاج رئيس من قِبَل فئةٍ لا تستطيع السيرَ به نحو مشروعٍ إنقاذي، وفئة أخرى تسعى لعرقلة كلّ خطواته، ناهيك عن الاحجام العربي الذي قد يستمر “.

ثم أحاول أن أعود إلى الجانب العروبيّ عند فرنجيّة، وأقول إنّ هذا من المُفترض أن يُطمئن العرب لأنّه ليس محسوبًا ايديولوجيًّا ولا دينيًّا ولا عقائديًّا على إيران، فيجيب بأنّ :” لدينا ما يكفي من التقارير التي تؤكد وثيقَ علاقته بحزب اللّه وبأنّه لا يخطو خطوة بلا التشاور معه، ونعرف حتّى أسماء الأشخاص المُكلّفين من قِبَله بهذا التنسيق اليوميّ، وأنتم تعرفونهم، وبعضُهم تعرّض لعقوبات أميركيّة لهذا السبب، ولا نعتقد أن الرجُلَ سيكون أوسعَ هامشًا للتحرّك حيال الحزب ممّا كان عليه الرئيس ميشال عون، وهذه مُشكلة حقيقيّة خصوصًا أنَّ شبكة الحزب داخل الدول ومؤسساتها والأجهزة الأمنيّة وقطاعات كثيرة، تفوق بأضعاف ما يتمتع به فرنجيّة الذي كان وما زال بعيدًا عن مراكز القرار ويقيم في صومعته في منطقته”.

واختمُ اللقاء مع الدبلوماسي العربيّ بسؤال عن المُرشّح المُقابل، بحيث لا يبدو حتّى الان أنَّ ثمَّة وجودًا لشخصيّة فاعلة وقادرةٍ على منافسة فرنجيّة وتأمينِ غطاءٍ أوسع من كلّ الطوائف، وتكون له امتدادات عربيّة ودوليّة، فيكتفي بطرح سؤال واحد:” وماذا ينقص جهاد أزعور؟».

هل هذا يعني أنّ العرب المتحفّظين على سليمان فرنجيّة، ثابتون على مواقفهم؟ لا شيء مؤكد، فالدبلوماسي العربيّ، تمامًا كبعض الشخصيّات الفاعلة في أروقة القرار العربي، تؤكد أنَّ السعيّ جادٌ وحثيثٌ لتسريع انتخاب رئيس للجمهوريّة، وأنَّ هذا الأمر سيتمّ حتمًا قبل أو في خلال الصيف المُقبل، لكن الأمور ما زالت تُطبخ، ولا حسمَ في أيّ أسمٍ بعد، ولعلّ تسريع خطوات الحلّ اليمني سينعكس لاحقًا على لُبنان. غير أنّ هذا أيضًا غيرُ مؤكد، فالملف اليمنيّ ما زالت عُرضة للاهتزاز، وما زال الإيرانيون يرفضون الحديث عن أي ملفاتٍ أخرى.

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

3 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago