هل الصداقة أهمّ من الحب والزواج فعلاً؟
منعم بن دائخة-كاتب ليبي.
ما هي الصداقة؟ وهل يمكن استثمار الصداقة في المجال الثقافي؟ كيف يمكن أن تعدّ الصداقة بديلاً جيدا ومفيدا للزواج والأسرة في مجتمع؟ ما فوائد الصداقة في عالم ينضح بالعنف والهمجيّة والكراهية؟ هل تعدّ الصداقة وسيلة وطريقة وأسلوب حياة وممهدا لتنوير وتثقيف الإنسان؟
زعم فيلسوف فرنسي شابّ أنّ بناء حياة الإنسان حول الصداقات الوثيقة بدلاً من الأسرة أو الرومانسيّة هو عمل تمرد سعيد وضروري، وينبغي على الحكومات أن تضع “وزارات الصداقة” لإعادة التفكير جذريًا في الطريقة التي ينظم بها المجتمع. فمن هذا الفيلسوف؟ وما فكرته؟
هو الفيلسوف الفرنسي الشاب جوفروا دو لاجانري صاحب ٤٢ عاما، والذي اهتم بفلسفة بيير بورديو وميشال فوكو، وألف كتابين، أحدهما بعنوان: فنّ الثورة: سنودن، أسانج، مانينغ، والآخر: القاضي والعقاب: الدولة الجزائية في المحاكمة. وقد نشر دو لاجانري في بداية مارس من هذا العام، كتابا وضع فيه فلسفته في الصداقة، وجاء الكتاب بعنوان: “3 شوقٌ للخارج”. جاء الكتاب في ٢٠٤ صفحة، يوضّح فيه الفيلسوف -الذي يعترف صراحة بأنّه مثلي الجنس، واتخذ قرارا بعدم إنجاب الأطفال- بالتفصيل صداقته الوثيقة مع اثنين من الكُتّاب الآخرين، وهما: ديدييه إريبون فيلسوف وكاتب فرنسي، و وإدوارد لويس كاتب فرنسي شاب.
يأكل الأصدقاء الثلاثة معًا في المساء، ويتحدثون عدة مرات يوميًا، ويتمنون لبعضهم البعض ليلة سعيدة وصباحًا سعيدًا كل يوم. وهذا الثلاثي الفكري، والفلسفي يعطي حيّزا ومساحة من جدوله اليوم للحظات الصداقة، وذلك بغية الالتقاء لإجراء محادثات طويلة. ووصف دولا جانري بأن الصداقة هي محور حياتهم، قائلا: “فيها نقاش طويل لا ينته قط. منذ الأشهر الأولى لهذه الصداقة تغير شيء ما في حياتنا، وشكل قطيعة عميقة فيها. صارت هذه العلاقة نمط حياة وعيش وأسلوب حياة، وإطارا للمشاعر والمعايشات المشتركة، بطقوسها وأماكنها ومواعيدها، وبالمجال الثقافي والعالم الاجتماعي ككلّ”.
جاء الكتاب كنوع من المخطط الجذري للاستثمار في صداقات مفيدة، حيث يتساءل جوفروا دو لاجانري عن إصرار المجتمع “الاستبدادي” على إعطاء الأولوية للهياكل الأسرية والعلاقات الرومانسية.
يصف دو لاجانري في الكتاب كيف يقضي الرجال الثلاثة دائمًا أعياد ميلادهم ومناسباتهم الخاصة معًا ، بما في ذلك ليلة عيد الميلاد. يقول جوفروا دو لاجانري: “حين نرسل صور عيد الميلاد الخاصة بنا لأناس نعرفهم أو ننشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا نتلقى عددًا كبيرًا من الرسائل ممن يقولون لنا بأنهم يحسدونناعلى فرصة قضاء موسم الأعياد مع الأصدقاء… وهذا ما يثير التساؤل: لماذا الصداقة كأسلوب حياة تبدو بعيدة المنال، حتى لمن يطمحون إليها؟”.
وأضاف: إن الصداقة الخالصة -لا التفاعلات مع الجيران أو زملاء العمل- يجب أن تتغذى باستمرار وتستثمر فيها، لكن لم يكن ثمةنموذج أو دعم مؤسسي لذلك من الحكومات. فالناس لا يميلون إلى البقاء في صداقات مع أشخاص لا يحبونهم، لكن الكثير من الناس يعيشون علاقة رومانسية بائسة لفترة طويلة بعد أن ماتت المشاعر. مضيفا: إن تركيز حياتك على الصداقة بدلاً من الأسرة أو العلاقة الرومانسية، يروق للكثيرين ، سواء كانوا مثليين أو غير مثليين.
تعدّ قراءة جوفروا دو لاجانري للصداقة والشكل العام للعلاقات بين بني البشر حفرا في الأنساق الثقافيّة وخلخلة تفكيكيّة لمفهوم المؤسسة والسلطة الأسريّة والعلاقات الرومانسيّة بين الرجال والنساء. وقد قال في مقابلة له مع راديو فرنسا حين استضيف على هامش صدور الكتاب: “جاءت فكرة الكتاب بعد أن سيطرت أشكال الحزن والكآبة حول كيفية تنظيم الحياة اجتماعيًا… فكرة أن الحياة يجب أن تحدث في دورات: الشباب، الدراسات، تكوين علاقة، التحرك معًا، النوم في نفس السرير إنجاب الأطفال.. هذه أدوار مؤسسية ولكن الكثير من الناس يشعرون على خلاف مع هذا النوع من الحياة ولديهم تطلعات أخرى. كانت فكرتي أن أكتب بدلاً من ذلك سردًا لحياة منظمة حول الصداقة. لجعل الصداقة مساحة للثقافة المضادة ضد الأعراف المؤسسية التي تهيمن على مجتمعنا”.
وبحسب جوفروا دو لاجانري إنه إذا منحت الأولوية للصداقة بشكل أفضل من قبل المجتمع والحكومات، فإنها ستنهي ما وصفه “بالرعب” و”الاستبداد” لثقافة الصباح الباكر. “لا يمكنني الاستيقاظ مبكرًا؛ لأنني كنت بالخارج مع الأصدقاء حتى الساعة 3 صباحًا” سيُنظر إليها على أنها مجرد وظيفة صالحة مثل “يجب أن أغادر مبكرًا لنقل الأطفال”.