مقال اليوم

الله …. الخبز………والكرامة

الله . الخبز..والكرامة

د.نسيمة عمّوري-الجزائر 

كتب كارل ماركس قائلا: “إذا لم تستغل الثورة مظالم الشعب بعين الاعتبار وتسخرها لخدمة مبدأ قوة الثورة فإنه من السهل إلحاق الهزيمة بها ولن يمكنها الصمود في وجه الثورة المضادة”.

لقد قُدر للدول العربية أن تكون أرضاً مفتوحة لورش الربيع العربي، فكان لكل دولة تمردها الذي تستحقه ومعركتها السياسية التي اتسمت في الغالب بإنتاج العنف السياسي والمجتمعي بدل خلق بيئة حاضنة للمجتمع المدني الولاد للنخب الفاعلة تحديثياً.

و تكشف قضية الخبز إحدى الاشكاليات العويصة للسياسات الاقتصادية  و التنموية في الدول العربية التي هادنت لسنوات صندوق النقد الدولي وأسواق السندات المالية وتخلت عن إنتاج القمح محليّاً ، فمع نهاية 2010 حلّقت أسعار الحبوب في الفضاء بنسبة 60% بسبب الجفاف مما أدى الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ب 30% ، وبما أن الدول العربية تعتبر من أكبر مستوردي القمح انفجرت انتفاضات الخبز بداية من تونس أين حمل المحتجون خبزاً بين أيديهم ، و في مصر توفى 12 مواطنا نتيجة للاختناق الناجم عن الانتظار الدور للحصول على رغيف العيش ، و في ليبيا تعالت الأصوات مرددة :”محرومون  ، محرومون يا بلادي قانونك وين “، و بهذا يتكرر بأذهاننا سؤال : لماذا لا تكون اقتصاديات في المنطقة العربية قادرة على تخديم سكانها ، و لماذا لم تستفد هذه الحكومات من درس “حرب الطحين” في فرنسا 1775 أين كسر الجوع حاجز الخوف و أطاحت الثورة بالملكية بعد أن اقترحت ماري أنطوانيت أن يأكل الفقراء القاتو بدل الخبز .

إنَّ 60 % من سكان العالم العربي هم شباب من دون ثلاثين سنة يعيش معظمُهم تحت خط الفقر فكيف يمكن أن يكسب هؤلاء الشباب لقمة العيش و يحفظون كرامتهم  بعد معاناة دامت لأكثر من سنتين كاملتين من تفشي وانتشار فيروس “كوفيد-19، و في ظل امتداد تأثيرات الأزمة الأوكرانية ، خاصة بعد صدمات أسعار الغذاء وخاصة القمح مما سيسبب الكثير من المشكلات للدول المستوردة للغذاء مثل: لبنان وتونس و مصر التي إذا واجهت ارتفاعا في أسعار الواردات الغذائية يمكن أن يضر ذلك بسكانها، و حتى الدول المنتجة للنفط التي لديها كثافة سكانية كبيرة مثل العراق والجزائر لن تسلم من ارتفاع أسعار الواردات الضخمة من المواد الغذائية. ، وذلك على العكس من الدول منخفضة السكان مثل دول الخليج العربية.

أما سلطة رجال الدين فقد تم التعامل معها في المنطقة العربية على أنهم وضع طبيعي بالقدر فالشيخ الداعية يوسف قرضاوي الذي قصد ساحة التحرير في شباط 2011 صرح على أن العلمانية قد ماتت!! و بهذا تُرك الأمر في مصر و تونس و ليبيا للإخوان المسلمين ليرسخوا مطالبهم الانتخابية بدعم تركي كبير وعربي قليل  لينهزم بها اليسار المستضعف ، لكن المفارقة أن يعلن آية الله السيد علي خامنئي من طهران في شباط 2011 بأن الانتفاضات ستحدث “يقظة إسلامية!!” ، و في الوقت نفسه ناهض حزب الله اللبناني اندلاع انتفاضة في 17 تشرين 2019 فاتُهم بأنه يساهم في تغطية الفساد والحفاظ على نظام تقاسم السلطة الطائفي الذي قضى بدوره على الطابع المؤسسي للبلاد ، و بعد إبرام إدارة ترامب الاتفاقيات الابراهيمية سارعت دول الخليج لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني  و في المغرب أيضاً بارك الإخوان هذا التطبيع .

خلاصة الأمر، أنّه من المهم توجيه نقد أخلاقي لسلبيات تيارات الإسلام السياسي بسبب تركها بصمات في غاية المرارة و عجزها عن معالجة حاجيات و مظالم الشعوب العربية فأغلب قوى الإسلام السياسي مؤيدة لسياسات الليبراليين الجدد من خلال استنادهم على وساطات العواصم الخليجية و القوى الإقليمية المهيمنة على المنطقة العربية ، لذلك فمواجهة ظواهر الإخفاق و آثار الأزمة الأوكرانية بحاجة إلى ميكانزيمات  تعمل على تنمية الإنسان العربي و ذلك لن يتحقق إلا في ظل قيام دولة مدنية غير مصادمة للإسلام و غير مستفزة لمشاعر المعتقدات الأخرى و ضامنة للمواطنة و الحقوق العامة و المساواة الاجتماعية و تحسن توزيع الثروات الوطنية من خلال إقتصاد تضامني يخلق فرص العيش الكريم .     

 د.نسيمة عمّوري : متخصّصة بإدارة النزاعات و بناء السلم.  

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button