افتتاحيةمقال اليوم

لبنان غيابُ التسويات يُنعش العنتريات والخطر

 لبنان: غياب التسويات يُنعش العنتريات والخطر

 سامي كليب:

يقول دبلوماسي عربي عريق وله باعٌ طويل في الملف اللُبناني، إنَّ لُبنان أمام تاريخَيْن مِفصَليّين، أولُهما الأشهر الستة الفاصلة عن رأس السنة، وثانيهُما الأشهر الستّة الأولى من العام المُقبل. سيشهدُ التاريخُ الأول كلَّ أنواع الخطابات الناريّة وارتفاعًا في لهجة التحدّي وربما مخاطرَ أمنيّة، وأما التاريخُ الثاني فسيشهد الدخولَ في التسويات، ومن المُرجّح بالتالي أن يُصار الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية قبل نهاية شهر حزيران/ يونيو المُقبل (وهو بالمناسبة تاريخ نهاية ولاية رياض سلامة على رأس مصرف لُبنان، هل صُدفة؟).  

      يتّفق توقّعُ الدبلوماسي العربي هذا مع المشهد المحلّيّ والإقليميّ والدوليّ المأزوم. ففي لُبنان يسعى كلُّ طرفٍ الى انتهاز فرصة الانسداد السياسي لتحصين مُستقبلِه، وفي الإقليم تبدو إسرائيل كما حزب الله غير راغبين أو قادرين على شنّ حروبٍ نظرًا لواقعيهما المحليّين المعقّدين من جهة، ولانشغال الولايات المتحدة الأميركية والأطلسي بالحرب الأوكرانية، ولغرقِ إيران بانتفاضات الداخل التي لم تبدأ لتهدأ، حتى لو قُمعت، ذلك أن عوامل عديدة داخلية وخارجية تشابكت فيها فتعقّدت وتعمّق الشرخ. هذا بالضبط ما يُفسّر  انتهاج الخيار ” الأقل سوءًا”  بالنسبة لإسرائيل والحزب، عبر الذهاب نحو ” دبلوماسية الغاز” والانخراط في هدنة قد تطول لكن دون قواعد ثابتة أو راسخة، عزّزها الانهيار الاقتصادي اللُبناني وحاجات الغرب للغاز المتوسطيّ.

من غير المعروف حتى الآن اتجاهات الرئيس جو بايدن نحو إيران والسعودية بعد الانتخابات النصفيّة. صحيح أنّه نجا من صناديق الاقتراع بأفضل ممّا توقّع، وصدّ هجمة الجمهوريّين بنسبة مقبولة، لكنَّها تبقى نسبةً غيرَ مُريحة، ذلك أنَّ الكثيرَ من الأميركيّين لم يصوّتوا لحزبه وإنّما اعتراضًا على فوضى الجمهوريين وتهديداتهم للاستقرار الأميركي. ومن المتوقّع أنْ يذهب النوَّاب الجمهوريّون بعيدًا في محاولة إعاقة سياسته الخارجيّة وصولاً إلى استئنافِ فتح ملفّاتٍ ضدّه وضدَّ عائلتِه.  

هذه الضبابيّة في المشهد الإقليميّ والتي تتخلّلُها أسئلة كثيرة حول المستقبل الأميركيّ في المنطقة، وبشأنِ مآلات الحرب الأوكرانيّة، تنعكسُ سلباً على لُبنان، فلا الإيراني راغبٌ بالإيحاء بالضعف على الساحة اللُبنانية كي يقبلَ حُلفاؤه بتسوية هشّة، ولا السعودي غيّرَ رأيه القائل بأن ” حزب الله يُهيمن على القرار اللُبناني”. لذلك رفع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لهجته في خطابه الأخير ضد الداخل وأميركا، مُحذّرًا من “رئيس يطعن المقاومة”، واكتفي السفير السعودي بإحياء ذكرى اتفاق الطائف وما حمله من رسائل ضد الحزب.

في هذا المشهد المُعقّد، كان من الطبيعي أن تتكثّف “العنتريات”، فرئيس التيّار الوطني الحُرّ جبران باسيل الذي تعمّد المجاهرة ومن قلب باريس بعدم الاتفاق مع الحزب على أن تكون أولوية الرئيس المُقبل حماية ظهر المقاومة، يُريد أولاً اظهار التمايز عن الحزب رغبةً في استجرار عروضٍ غربية أو عربية أو محلّية، ويعزّز ثانيًا علاقته بقطر التي تُساعده في رفع العقوبات الأميركية عنه وربما في أمور أخرى، ويكرّر ثالثًا رفضه رئاسة سليمان فرنجيّة، بالرغم من كلّ التمنيّات التي سمعها من نصرالله في لقائهما الأخير بضرورة التفاهم مع فرنجية.

ما زال باسيل يعتقد ضمنيًّا، باحتمال تغيّر الظروف لصالحه، وهو سعى في لقائه مع أمين عام حزب الله للتشهير بتاريخ فرنجية في الحكم، فتحدّث عن أخطاء فادحة ارتكبها حين كان في وزارتي الصحة والداخليّة، وعن ملفّات فساد وسوء إدارة وغيرها، وذلك فيما كان نصرالله العائد بقرار مجلس الشورى بأحادية ترشيح فرنجيّة وباتفاق مع الرئيس نبيه برّي في هذا الشأن، يشرح بهدوء لضيفه مسوّغات ترشيح فرنجية ويذكّره بكيفيّة استبعاده في المرّة السابقة لصالح الرئيس ميشال عون.

تحضُر في ذهن باسيل، صورةُ عمّه ميشال عون حين كان كلُّ العالم ينصحه بعدم الترشّح وبأن يُرشّح شخصًا آخر من تياره، لكن عون رفض وتشدّد فتغيّرت الظروف لصالحه. وهو، أي باسيل، غيرُ مقتنع بالتالي بأنَّ الظروف تغيّرت وبأنَّ ثامنَ المستحيلات وليس فقط سابعُها لن يدفع نبيه برّي لتسهيل انتخابه في حال ترشّح.

من الطبيعي إذاً أن يرفع رئيس التيّار الوطني الحُرّ لهجة خطابِه، لكنه لا يستبعد أيضًا، ولو بصعوبة ومرارة، الخطة B، ويشترط أن تكون عبر اتفاقٍ بين حزب الله والبطريرك الماروني بشارة الراعي وسليمان فرنجية معه، بحيث يتمّ اختيار مُرشّح ثالث. وهذا حتى الآن يرفضه الحزب.

يقال إنَّ الرئيس برّي استمزج صديق عمره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جُنبلاط بشأن ترشيح فرنجيّة، كان الجواب أنه لا بُدّ بدايةً من أن يُعلن فرنجية رغبته بالترشّح، ثم إن الزعيم الدُرزي الذي كرّس حضوره السياسي بعد الانتخابات الأخيرة دون أن يُلغي القلق على مستقبل نجله تيمور، لن يُقدم على خطوة دون التنسيق مع السعودية التي يُكرّر عارفوها القول إنها لا تُريد ميشال عون آخرَ يخضع لمشيئة حزب الله.

لا تبدو الرياض، على الأقل حتى الآن، مُنخرطة بملف الرئاسة، وخلافًا لمن اعتقد بأن دعوة سليمان فرنجية الى احتفال اليونيسكو بذكرى اتفاق الطائف يحمل رسائل سعودية، فإنَّ حقيقة الأمر، هو أن السفير السعودي دعا الجميع الاّ حزب الله، وإنَّ فرنجية سارع الى الرد بالإيجاب على الرسالة فور فتحها، وذلك كي لا يستشير أحدًا ولا يتأثر بأحد، ثم لأنه يعتبر، وفق ما نقل البعضُ عنه، أنه أحد أهم رعاة الطائف هو وعائلته، ويُذكّر بأنَّه هو نفسه نقل الرئيس رنيه معوّض بسيّارته الى بيت جدّه سليمان فرنجية للاتفاق.

وأما تفسيرُ إجلاس فرنجية في الصفّ الأمامي في اليونيسكو والمرشّح الرئاسي ميشال معوّض في الصف الثالث، فهو لا يحمل أي رسالة سعوديّة، وإنَّما حصل بسبب اتّباع السفارة السعودية البروتوكول الرئاسي اللُبناني لناحية إجلاس الوزراء والنوّاب. وكل ما فعله فرنجية هو تجنّب الجلوس مُباشرة الى جانب الرئيس ميشال سليمان.

يقول دبلوماسي غربي من المنخرطين في ملف اليونيفيل في لُبنان، إن السعودية وأثناء نقاش ملف التجديد، تمنّت على فرنسا عدم التحدّث باسمها في الملف الرئاسي اللُبناني وإنَّها لم تُغيّر رأيَها القائل بأن لُبنان يخضع لمشيئة حزب الله، وهي بالتالي ترفض كلّ ما يُقال عن أنّ مساعدتها العتيدة الى لُبنان ستأتي بعد توقيع الاتفاق اللبناني مع صندوق النقد الدولي، فهي تفصل تمامًا بين الأمرين.

هذا المشهد السوداوي، يتطلب الكثير من الحيطة والحذر، لأن لُبنان غالبًا ما عرف قبل التسويات، خضّات أمنية واغتيالات وانهيارات ماليّة. فثمن دمّ الأبرياء في هكذا حالات يُصبح بخسًا الى أدنى حد.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button