مقال اليوم

مهام عربيّة ثقيلة..ولكن

مهام عربيّة ثقيلة ولكن!

د.عقيل سعيد محفوض *

يبدو العالم العربيّ غارقاً في الفساد والفقر والاستبداد والأزمات والحروب. والواقع انّ أحوال العرب تكثف ما يجري في العالم اليوم، من فوضى ومخاطر وتهديدات ونزاعات وكوارث، وانقسام على كلِّ شيء تقريباً، وعدم التوافق على شيء تقريباً.

إنَّ ثِقَل الواقع العربيّ وفواجعه وسوداويته وانسداد الأفق فيه، من المفترض أن يُحَفِّز على “تدبير” الاستجابات اللازمة أو الممكنة حياله، وخاصَّة على صعيد التفكير السياسيّ، الذي يقف أمام تحديات أو مهام معقدة ولكنَّها بالغة الحيوية، لعل من أهمها:

التحرّر المعرفي من قاموس ومفردات ومقولات وسرديّات وأنماط تفكير أثبتت التطورات إخفاقها وعدم جدواها وانتهاء صلاحياتها في فهم وتحليل وتفسير الظاهرة العربيّة اليوم. والتحرّر من مفردات ومقولات تحملها تدفقات العولمة والهيمنة الغربية، تعزّز أو تعيد إنتاج إيديولوجيا الاستعمار وما بعد الاستعمار والاستشراق.

ومن المهام أيضاً: معرفة العالم، بتشكلاته وفواعله واتجاهات التطوّر فيه. ووعي اللحظة، بتحدياتها واتجاهات المعنى والقوّة فيها، ومصادر التهديد ــ الفرصة إلخ وإعادة النظر في وعي الذات، ومدارك الهويَّة والموقع والدور والمكانة إلخ والتحلّي بالإقدام والجرأة الفكريّة، والهمّة المعرفية والسياسيّة.

المهام ثقيلة ومعقدة، وغالبا ما تمثل الواحدة منها شرطاً للأخرى، ما يجعلها أقرب لمزاولة المستحيل، باعتبار الشرط العربي والإقليمي والدولي الراهن. وقد يكون من الصعب مجرد التوافق عليها، كيف بتخصيص الموارد المادية والمعنوية من أجلها؟

لا بد من أن نستدرك على ما قلناه أعلاه، وان نتفادى ما أمكن الأحكام القاسية على ما كان من سرديّات ومقولات، وخاصة ما دشنه “الربيع العربي” الذي تحوّل سريعاً –بحكم عوامل عديدة- إلى أزمات وحروب ممتدة ومعقّدة. صحيح أنَّ سرديات الاحتجاج والثورة والأمل بالتغيير … أخفقت، لكن فيها بداهة ومنطق، ويجب التنبه لهما والتمسك بهما.

وصحيح أنَّ فكرة العروبة تعرضت لإجهاد كبير، من قِبَل أبنائها قَبْلَ أعدائها، ومن قِبَل المتحدثين بها والناطقين باسمها والرافعين لواءها، قبل المناهضين لها؛ إلا أنها لا تزال تحمل نداء ممكناً ومعقولاً، وقد يقوم مقام الضرورة بنظر البعض، وخاصَّة بعد أن اختبر العرب خطابات ومقولات “لا عروبيَّة” أو “عولميَّة” و”ليبراليَّة” مستوردة، أو وطنيات وكيانيات فاشلة ومشوّهة وانقساميَّة إلخ، لم تتمكن من أن تبرِّر نفسها.

والعروبة التي أعني، تتطلّب مراجعة معمّقة ونقداً حاداً وجاداً، بحيث يتمّ تخليصها من “التمركز حول الذات” و”الأدلجات” و”السياجات العقدية” التي لم توصل إلى شيء، سوى التسلط والإقصاء والعنف والهزيمة، وسوى تعزيز الانقسام الاجتماعي والسياسيّ إلخ

من المهم النظر في انفجار الأفكار وتبعثرها، والافتقار لفكرة جامعة متداولة في “سوق المعنى” وفضاء التفكير والخطاب السياسيّ العربيّ، وانزياحات وتشوهات أو اختلالات موازين أو أنماط وتشكلات المعنى والقوة، وبروز الأفكار الدينيّة والطائفيَّة والقبليَّة والجهويَّة، بالإضافة إلى قيم التخلّي واللامبالاة.

ومن المهم معرفة الواقع، وتشخيص المشكلات القائمة، وتَدَبُّر التعاطي مع ما يمثل فرصة ــ تهديداً؛ وهذا مشروط بأمور كثيرة، فإذا كانت المعرفة “غير مطابقة” لواقع الحال أو “خاطئة”، فهذا يعني المزيد من التأزم والاحتدام والاختلال.

يبدو أن جدول الأعمال كبير ومعقد، ويتطلب هِمماً كبيرة، وعلى فواعل الفكر والاجتماع والسياسة في العالم العربي أن يخصصوا الكثير من الجهد والموارد بهذا الخصوص. المهمة لا شك ثقيلة، لكنها واجبة، والأهم أنها ممكنة.

د.عقيل سعيد محفوض: كاتب وباحث واستاذ جامعي

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button