آخر خبرافتتاحية

لبنان ، التشنّج قد يؤدّي الى الانفجار

لبنان ، التشنّج قد يؤدّي الى الانفجار

سامي كليب:

ليس أكثرَ غباءً من بناء مركبٍ متينٍ لعبورِ البحر، وقبل الركوبِ فيه يحرقه صانعُه ويأخذه الموج. هكذا تبدو أحوال لُبنان اليوم بعد ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، وفي أعقاب رسائل الترحيب والدعم التي وصلت من كبريات العواصم الدولية غربًا وشرقًا الى بيروت وفي مقدّمها رسائل الرئيس جو بايدن والاتحاد الأوروبي.

مُخزِ ومُعيبٌ ومُدمّرٌ حجمُ التشاتُم والترادُح والقدح والذمّ بين مكوّنات السياسةِ اللُبنانية، هذا إذا كان ثمّة سياسية فعليّة. بينما كان الأملُ الوحيد للشعب اللُبناني الذي نثره اتفاق الترسيم (على علاّته وهنّاته) قد أرخى نوعًا من الطمأنينة على مستقبل لقمة العيش في بلد يجوع.

احتلّت سياسةُ النكايات السخيفة والخطيرة، مكان الخطط والمشاريع التي كان ينبغي على الطبقة السياسية اللُبنانية أن تسارع إلى وضعها والاتفاق بشأنها والتقاط فرصة الانقسام الدولي الحاد من أوكرانيا الى تايوان. لكن مرّة جديدة، يتصدّر ” الهبلُ السياسي” وضيق الأفق والأحقاد الدفينة المشهدَ السياسيّ برمّته.

ليس لُبنان مُبتليًا بساسةٍ طائفيّين وفاسدين فحسب، وإنّما بمجموعة من القيادات المنتحلة صفة السياسي والعديمة الثقافة والمعرفة، فهؤلاء لا يقرؤون المتحوّلات الدوليّة ولا طبيعة تحرّك السياسة العالميّة والاقليميّة، فيَغرَقون ويُغرِقون لُبنان بمتاهات المحاصصة والمذهبية والحقد وأوهام انتصار كلّ فريقٍ على الآخر.

لو أنَّ هذه الطبقة السياسيّة غيرُ ذلك، لكانت سارعت إلى الإفادة من الانقسام الدوليّ دون الانحياز إلى طرف ضدّ آخر، ولكانت فكّرت منذ زمن بالخطوة التالية بعد الترسيم، ولشرعت بالإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المطلوبة قبل أن يصلها سيفُ صندوق النقد الدوليّ.

المشهد السياسيّ القاتم حاليًّا في لُبنان يشي بتدهور أمنيّ لن يتأخر بالظهور خصوصًا في الشمال أو بين التيار الوطني الحُر والقوّات اللبنانيّة أو في قلب بيروت أو من خلال محاولات اغتيال، ويشي بعودة ارتفاع سعر الدولار مقابلَ انهيار الليرة اللبنانية وبأزمات اقتصادية واجتماعية جمّة.

لا بُدّ من انتخابِ رئيسٍ للُبنان بأسرع وقت، وتأليف حكومة، والشروع بالإصلاحات، وبعقد الاتفاقات مع الشركات العالميّة، لكن هذا وللأسف خرج من أيادي اللبنانيّين مرّة ثانية، ودخل في أتون الانقسام بين تيّار يُريد الرئيس المُقبل مؤيّدًا لحزب الله وحلفائه أو على الأقل غير مناقض لهم، وآخر يعتقد بأن ثمّة فرصة للإتيان برئيسٍ مناهض للحزب وحلفائه.

إنَّ طول الانتظار واستمرارَ التعقيدات سيُشرّع أبواب الوطن للمجهول، ويفتح هذه الأبواب على مصراعيها للتدخلات الخارجيّة، ولو نظرنا بعُمقٍ الى التحولات الكُبرى الحاصلة دوليًّا واقليميًّا، فلا شكّ في أن لُبنان سيشهد دخول لاعبين جُدُدًا، ولن يكون مُستغرَبًا أن يعود لاعبٌ قديم، هي سوريا، للتأثير على الداخل اذا ما تقاربت مع السعودية على غرار ما فعلت مع الامارات والبحرين وغيرهما.

السذاجة السياسية وضيق النظر وانعدام الثقافة عند معظم الطبقة السياسية اللبنانيّة (الاّ ما ندر)، أمورٌ تضع لُبنان مرّة أخرى على كفّ عفريت…. ولا شيء سيغيّر المُعادلة سوى العودة الى بعضٍ من العقل والتعقّل والاتفاق على انتخاب رئيس في أسرع وقت ممُكن والاتفاق على الخطوات المُقبلة خصوصا انَّ الوضعين الأمني والمالي أمام خطرٍ كبير، فالانفجار في هكذا أحوال يُصبح مطلوبًا كجزء من الصفقات، خصوصا انَّ امكانيّة الاتفاق الايراني الاميركي انهارت، والتقارب السعودي الايراني يترنّح، ولا شكّ في أنّ عقد الاجتماع الحاشد في بيروت غدًا لحماية اتفاق الطائف برعاية سعودية سيبعث رسائل واضحة. 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button