آخر خبر

شرعية الجزائر لاستنهاض مشروع عربي

        شرعية الجزائر نحو استنهاض مشروع عربي. موعدٌ مُهم في الشهر المُقبل.

  سامي كليب 

                ترتكز الجزائر في الوجدان العربي العام على ثلاث شرعيات على الاقلّ، أولها شرعية ثورتها المجيدة التي ركلت المُستعمِر وحقّقت الاستقلال بدماء شعبها لا بالصفقات والتسويات، وثانيتُها شرعيةُ الحفاظ على موقف صلب وحقيقي لا يتزحزح حيال قضية فلسطين، وثالثُتها شرعية الثورة الشعبية الإصلاحية التي أطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة دون إراقة نقطة دم واحدة، وبلا إرتماء في أحضان الخارج ودون سلاح.  

في الشرعيات الثلاث، لعبَ الجيشُ الجزائري دوراً مفصلياً، فعزّز حضورَه في قلوب مواطنيه خصوصا أنه وقف مع الناس في ثورتهم الأخيرة وحافظ على مؤسسات الدولة، وما زالت عقيدتُه تقول إن إسرائيل كيانٌ غاصب.  

 ولو أضفنا الى كل ذلك، أن الجزائر لم تنجرّ الى فخاخ الفتن العربية في خلال مرحلة ” الربيع العربي”، وسعت سياسيا وعسكرياً لاحتواء بؤر النار المُشتعلة سياسياً أو أمنياً عند جيرانها من ليبيا وتونس الى افريقيا، فإن بلد المليون ونصف المليون شهيد، يستطيع استنهاض مشروع عربي بالتعاون مع عدد من الدول العربية المُستقرّة (مثلا مصر والسعودية..) في محاولة لإعادة الجسور بين العرب من جهة، وتصحيح مسار البوصلة باتجاه البحث الحقيقي عن حل عادل للقضية الفلسطينية وإطفاء ما بقي من نار مُشتعلة على أرض العرب.

يبدو أن القيادة الجزائرية بدأت فعلا في هذا المسار، حتى ولو أن خلافها المُستعِر مع جارتها وشقيقتِها المملكة المغربية يُعيقُ تسريع الخُطى نحو إعادة اللحمة العربية على المستوى الرسمي.

فبعدَ أن استقرت الأوضاع الداخلية في أعقاب الثورة الإصلاحية، وتم إدخالُ إصلاحات عديدة وبينها ما طال جبهة التحرير التي استعادت حيويتها مع قيادتها الجديدة والشابة، بعد أن كادت تخبو لأسباب كثيرة، تخطو الجزائر خطوات كبيرة وجريئة وطموحة في اتجاهات متعدّدة، أولها نحو تنويع العلاقات الخارجية والتخفيف من الأولوية التاريخية الفرنسية في هذه العلاقات، وثانيها عبر استعادة دورٍ محوري في افريقيا، وثالثُها باتجاه الدول العربية.

وفي هذا المجال الأخير، لا يقتصر الأمر على الدبلوماسية التقليدية، وإنما ثمة اتجاه لافت نحو المجتمع المدني وجيل الشباب العربي، خصوصا أن الوطن العربي مجتمعٌ شاب بحيث أن نصفه تقريباً يضم شباباً تقلُّ أعمارُهم عن 30 عاما، لا بل أن في بعض الدول، تصلُ النسبة الى أكثر من 60 %.

ولهذه الغاية يُنظّم “المرصدُ الوطني للمجتمع المدني” الجزائري، لقاءً عربياً كبيراً تحت عنوان ” مُنتدى تواصُل الأجيال لدعم العمل العربي المُشترك”. وذلك من 10 الى 15 أيلول/ سبتمبر المُقبل في مدينة وهران. وسيكون المُنتدى، وفق ما شرح القيّمون عليه، ” فُرصة تلتئمُ فيها فعاليات المجتمعات العربية، لتبادُل الأفكار والرؤى حول مختلف القضايا التي تهمّ الأمة العربية، كما سيُشكّل جسراً تلتقي فيه نخبة من المسؤولين السابقين من ذوي الخبرة في هذا المجال مع أبناء وبنات الجيل الجديد من مختلف أطياف المجتمع، وذلك بغية دراسة سبل تعزيز دوره للنهوض بالعمل العربي المُشترك وتوطيد قيم التضامن في ظل التحديات الراهنة التي تشهدها الساحة الدولية”.

هذه بدايةٌ واعدة لمسار طويل، وهو مسارٌ يحتاج الى جهود جبّارة ونَفَسٍ طويل وإشراك مجموعة من الخُبُرات الشبابية العربية في المجالات المُختلفة من العلوم والتكنولوجيا والفكر والثقافة والسياسة والإعلام والفنون، ذلك أن الانهيار الكبير الذي يشهدُه الوطن العربي منذ عقود، بحاجة الى ورشة ترميم وإنقاذ أولاً، ثم الى وضع أسس مشروع نهضوي حقيقي يتعامل مع المتغيّرات الدولية في ظلّ عودة العالم الى الانقسام الحاد بين محورين.

يُمكن لهذا المشروع النهضوي أن يؤسس لُبنية عربية تستطيع التعامل مع المُستجدّات خصوصا ان شراسة المُنافسة الدولية والإقليمية في العقود المُقبلة ستكون خطيرة ما لم يقرّر العرب اليوم قبل الغد أنه لا بُد من العودة الى بعضهم البعض والعمل سويا والإفادة من الخيرات والخبرات الكثيرة التي يملكونها استعداداً للمُستقبل الصعب.

لا شك أن الجزائر تستطيع من خلال مواقفها التاريخية والراهنة، ومن خلال امكانياتها وثرواتها، أن تُشكّل ساحة لقاء بين العرب، وورشة مشاريع شبابية عربية، ذلك أن الوطن العربي بحاجة لفعلٍ تأسيسي في مكان موثوق، ويُمكن لهذا الفعل أن يتوسع ليشمل دولاً عربية مركزية ثم ينسحب على الجميع، خصوصا إذا ما سُحب فتيل الخلاف المؤسف بين الجزائر والمغرب والذي يفيد منه أعداء العرب.

سيجتمع الكثير من العرب من أجيال مُختلفة على أرض الجزائر في منتصف الشهر المُقبل، ومجرّد الاجتماع في دولة ما زالت تقول إنها “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” وأنها مع إعادة اللُحمة العربية، هو في حد ذاته باعثٌ على الأمل في هذا الليل العربي القاتم.

نجحت الجزائر في ثورتين حاسمتين، الأولى للتحرر من المُستعمر والثانية للإصلاح، وهي لا شك قادرة على إطلاق ثورتها الثالثة نحو استنهاض مشروع عربي يُعيد لأجيال اليوم بعض الأمل بأننا أمّة ما زالت تستحق الحياة.

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago