ماكرون اليوم على صفيح الانتخابات التشريعة

 باريس-ميراي حدّاد 

ستكشف الدورةُ الأولى من الانتخابات التشريعية التي تجري اليوم في فرنسا، مؤشّراتٍ كثيرةً عمّا ستكون عليه الولاية الثانية للرئيس إيمانويل ماكرون وذلك بعد فترة قصيرة على الانتخابات الرئاسية التي أبقته في قصر الاليزة. فهو يُراهن على تقوية عهده ومساندة حكومته، بينما خصماه في الائتلاف اليساري بقيادة جان لوك ميلانشون، واليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، يُريدان الاستمرار في التقدّم الذي حققاه في الاستحقاق الرئاسية لتعزيز موقعيهما على الخارطة السياسية، ولكن أيضا لإعاقة مشاريع ماكرون في عدد من المجالات الداخلية والخارجية.

سيكون التنافس شرساً جداً ومصيرياً لتشكيل الخريطة الفرنسية وسط استحقاقات داخلية وخارجية كثيرة وبعضها خطير كمثل الحرب الأوكرانية وتوفير الغاز قبل الشتاء وتخفيض اسعار المواد الغذائية أو على الاقل الحفاظ على ما هي عليه الآن، والأمن في افريقيا ومستقبل الاتحاد الأوروبي ناهيك عن الخطط الاجتماعية والاقتصادية التي تُباعِد تماما بين ماكرون وخصميه المتناقضين أيضا على كل شيء سوى على منعه من تحقيق أهدافه.

في أرقام استطلاعات الرأي التي جرت بين 3 و10 حزيران/ يونيو الجاري، فان ماكرون سيحصل مع تحالفه المُسمّى ” معاً” على ما بين 26 و28 % من الأصوات، وميلانشون ومن على منبر ” الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” على ما بين 24 و30%، اما لوبن ومن على صهوة اليمين المتطرف فهي قد تحصد ما بين 19،5 و21%. أما نسبة المقاطعة فقد تتراوح ما بين 52 و56 % مُسجّلة ارتفاعا ملحوظا عن العام 2017.

يُريد ماكرون الحصول على الغالبية المُطلقة (أكثر من 289 مقعدا) أو على الاقل النسبية، في البرلمان الذي تمتد ولايته لخمس سنوات ، وذلك ليكتسب حُرية حركة أوسع في تمرير الإصلاحات التي يعتزم القيام بها، وهو يستند الى حركته الدبلوماسية الخارجية خصوصا في موضوع الحرب الأوكرانية وداخل الاتحاد الأوروبي التي عزّزت صورته قبل الانتخابات الرئاسية. وقد  كرّر في الأسابيع الماضية التأكيد على ان مشروعه هو سبيل الخلاص الوحيد للبلاد من خطر التطرف في جانبيه اليساري واليميني المتطرفين، وقال مثلا في خطابه غربي فرنسا قبل أيام :” لا شيء سيكون أخطر من أن نضيف إلى الاضطراب العالمي اضطراباً فرنسياً يقترحه المتشددون”

 أما ميلانشون على وجه الخصوص والذي يقول انه ” في موقع جيد للانتصار” فهو عازم على منع الرئيس الفرنسي من تحقيق ذلك على اعتبار أن مقاربة رئيس الجمهورية للمسائل المعيشية والسياسة الخارجية يضع فرنسا أمام أزمات كُبرى، خصوصا إذا ما تفاقمت الحرب الأوكرانية ولم يتوفّر الغاز قبل الشتاء، ناهيك عن الارتفاع الملحوظ لأسعار الطاقة والمواد الغذائية وتراجع ارقام الاقتصاد الفرنسي العام. وهو ما دفع الحكومة الجديد بقيادة السيدة اليزابيت بورن (وزيرة العمل السابقة) الى القول بأن حكومتها ستعمل على 3 أهداف رئيسة وهي: القدرة الشرائية والصحة والمناخ.

 منذ تشكّلت الحكومة الجديدة ( التي بين وزرائها مُرشّحون للانتخابات) تعرّضت لهزتين أولاهما اتهام احد وزرائها بالاغتصاب ( وزير التضامن والمُعاقين) وهو ما تم نفيه لاحقا، وثانيتهما عمليات الشغب الواسعة وكيفية تعامل الشرطة الفرنسية وقوى الأمن معها في خلال دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، حيث انتشرت الاتهامات كالنار في الهشيم من قبل اليمين واليسار المتطرفين تؤكد على العجز عن ضبط الوضع وتفلّت الأمن، وهو ما دفع المعارضة برمّتها الى المطالبة بإقامة وزير الداخلية جيرالد دارمانان.

يواجه ماكرون وحكومته هجوما شرسا من المُعارضة يلقى تجاوباً ويتمحور حول التسبب بارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والتوجّه نحو إصلاحات ضريبية تضرّ بالطبقات المتوسطة والعمّال وتعزّز نظاماً اقتصاديا يفيد الأثرياء والاحتكارات والشركات الكُبرى ويهدّد المساعدات الاجتماعية وشبكة الأمان المتعلقة بالأجور، ولذلك فمن المتوقّع ومهما كانت نتيجة الانتخابات ان تعود الاحتجاجات المطلبية الى شوارع فرنسا مع حلول الشتاء .

لعلّ الوزير أوليفية فيران المُكلّف بالعلاقات مع البرلمان كان الأكثر وضوحا في التعبير عن مصاعب المرحلة المُقبلة في حال لم يحقّق ماكرون أغلبية مُريحة في الانتخابات التي تجري على دورتين هذا الاحد والأحد المُقبل، حيث حذر من انه في حال لم يأت البرلمان متوافقا مع البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للرئيس ماكرون فإن ” ثمة زعزعة كُبرى مُنتظرة لبلادنا في السنوات المقبلة”.

 لا شك ان تطورات الحرب الأوكرانية لعبت وقد تلعب أيضا دورا كبيرا في أوضاع فرنسا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفي موقعها على الساحة الأوروبية في منافسة شرسة مع ألمانيا التي تزيد تعبيرا عن رغبتها في أن تُصبح القوة الأوروبية المحورية خصوصا بعدما رفعت القيود حاليا عن مشاركتها العسكرية خارج حدودها.

هذا الأحد تظهرُ أولى المؤشرات، والأحد المُقبل، سنعرف أي فرنسا ستكون، هل منسجمة مع مشروع ماكرون وبحكومة موحّدة لصالحه، أم ستستعيد صورة الانقسام في عهد الرئيسين الراحلين  الاشتراكي فرانسوا ميتران واليميني الديغولي جاك شيراك حين كان الأول رئيسا للجمهورية والثاني رئيسا للحكومة؟  

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago