ستيفن هوكينغ، العالِم المشلول تحدّى المعقول
روزيت الفار-عمّان
تاريخي المُختصر My Brief History، قصةُ رجلٍ أصيب بشلل شبه كامل، لكنه تحدّى كل قوانين الطبيعةوالمنطق، وقاد جزءا من علوم الفيزياء والرياضيات في العالم برمشة عينه.
هي قصّة رجل القرن العشرين، الفيزيائي الفذّ صاحب أشهر نظريّات الفيزياء النّظريّة في نشأة الكون والسّفر عبر الزّمن والنّسبيّة والثّقوب السّوداء والرّياضيّات التّطبيقيّة. وُلِدَ في أكسفورد أثناء الحرب العالميّة الثّانية لأب إنجليزي وأُمٍّ اسكتلنديّة مع ثلاثة من الأخوة كان ستيفن أكبرهم. نشأ في عائلة وبيئة علميّة مثقّفة. كان الأب يعمل طبيباً متخصّصاً بالأمراض الخاصّة بالمناطق الاستوائيّة وبحوث أدويتها، والأمٍّ سكرتيرة في مركز للبحوث الطّبيّة حيث التقى الزّوجان.
أراده والده أن يدرس الطّب مثله مستقبلاً وبالجامعة ذاتها، اعتقاداً منه بأنّها مهنة ذات نفع ماديّ؛ وأنّ الدّراسة بتلك الجامعة تسمح ببناء علاقات اجتماعيّة رفيعة المستوى؛ ما يؤمّن له حياة مريحة مستقبلاً. غير أنّ ميول هوكينغ في الكون والفيزياء والتّي اكتشفتها والدته منذ طفولته، كانت تسير عكس رغبة الوالد.
تنقّل في طفولته ومراحل مراهقته لعدّة مدارس رافقت تغيير مكان عمل والده، لكنّ سانت آلبنز كانت الأهمّ.
وخلافاً عن باقي أقرانه؛ اهتمّ هوكينغ بطفولته بالألعاب الّتي تعمل ذاتيّاً، اعتاد أنّ يفكّكها ويعيد تركيبها دون الاهتمام بشكلها. استطاع بسنوات مراهقته بناء نماذجٍ لطائرات وقطارات عمل على تشغيلها بنفسه من حيث انطلقت نظريّته بالكون: إن كنت تعرف كيف تعمل الأشياء فإنّك تستطيع التّحكّم بها.
لم يكن هوكينغ من طلبة صفّه الأوائل، بل طالباً متوسّطاً في تحصيله الأكاديمي، مهملاً بواجباته بين طلبة نوابغ ومتميّزين. مع ذلك؛ دعاه زملاؤه آينشتاين نظراً لتميّزه الذّهنيّ والفكريّ. التحق بنادي القوارب وعمل موجّها لحركتها، الأمر الّذي ساعده بإقامة علاقات ساهمت بتحسين نفسيّته وإظهار الجانب القياديّ في شخصيّته.
التحق بسن ال17 بجامعة أكسفورد وتخرّج بسن العشرين. تعرّض قُبَيْل تخرّجه لعدّة حالات من الوقوع العشوائي.
انتقل إلىم كيمبريدج لإكمال دراسته والحصول على درجة الدّكتوراة. تعّرف بسنته الأخيرة وفي حفل رأس السّنة بجين وايلد، الجميلة ذات الميول الموسيقيّة الّتي أحبّت شخصيّته المرحة وابتسامته السّاحرة وعينيه الواسعتين، حيث عُرف بامتلاكه لروح الدّعابة وحب الحياة والجنس الآخر والمرح، وكان يقول أنّ الحياة دون مرح حياة بائسة.
تركت جين دراسة الموسيقى وصديقها عازف الكمان جوناثن جونز وعشقت هوكينغ، الّذي تمَّ تشخيصه بعدها بمرض لا شفاء منه. مرض الضّمور الجانبي اللّوحي ALS المتفاقم الّذي يصيب الأعصاب المسؤولة عن حركة العضلات الإراديّة ويعطّلها عن وظيفتها الطّبيعيّة بالتّدريج وصولاً إلى حالة الشّلل التّام وفقدان القدرة على التّواصل مع الآخرين، وانتهاءً بتلف الرّئتين والوفاة. لم يتنبّأ الأطبّاء له بأن يعيش لأكثر من سنتين أو ثلاثة على الأكثر، الأمر الّذي أثار حزن هوكينغ وطلب من حبيبته الخروج من حياته. لكنّ حبَّها الشّديد له منعها من تنفيذ رغبته، وآثرت البقاء معه والوقوف لجانبه حتّى النّهاية.
كان زواجه من جين؛ السّببَ الّذي عاش من أجله هوكينغ والدّافع لإتمام دراسته وإيجاد عمل. كانت لوسي أحد أبنائه الثّلاثة الّتي ألّف معها فيما بعد “سلسلة مغامرات جورج” للأطفال عن الكون والفضاء.
رافق تطوّرُ مرضه مسيرةَ أعماله وأبحاثه سنة بعد سنة إلى أن أصبح تواصله مع مُعاونيه وكتاباته تتم عبر أجهزة حسّاسة مُلحقة بكومبيوتر استخدم إبهامه أو صوته أو حركة خدّه أو ترميش عينه أو جبينه، كلّاً بفترة معيّنة حسب تطوّر حالته. تولّت شركة INTEL الأمريكيّة تصميمهم وتطويرهم له. لكنَّ ما كان لذلك إلاّ زيادة لإصراره على تحقيق أحلامه. واعتبر كلّ انتكاسة إنذاراً بأنّ الوقت يسير لغير صالحه؛ فيعمل على خلق أساليب ذهنيّة جديدة ذكيّة لمقابلة تلك التّحدّيات. وكانت فكرة الموت القريب حافزاً لتقديم المزيد من الأعمال.
بالرّغم من لهجته الإنجليزيّة الأم؛ إلّا أنّ هوكينغ كان يحرص على استخدام اللّهجة الأمريكيّة في كلامه لأنّها باعتقاده أكثر جذباً للنساء.
تحمّلت جين جميع أعباء حياتها معه في مرضِه ورعايتة وتربية الأولاد، فبدأت تفكّر بمن يرعى أبناءها من بعده خاصّة بعد إصابته بالتهاب رئوي حاد بسويسرا أفقد الجميع الأمل بنجاته. أتت بعدها بمن يساعدها ويقيم معهم؛ وكان جوناثن جونز هو “الشّخص” وبموافقة هوكينغ. تطوّرت علاقتها بصديقها القديم. انفصل الزّوجان بالتّسعينات فكانت ألين ميسون -إحدى ممرّضاته- حاضرة لملء الفراغ، وكانت الأقرب إليه وترافقه بجميع أسفاره. تمّ طلاقه من جين عام 1995 وتزوّج بالعام ذاته من ألين بعد حبّ وُصِفَ بالانفعالي والعاصف. استمر 11 عاماً وانتهى لأسباب تدخّل الأمن بحياة العائلة الخاصّة -إثر اتّهام ألين بتعنيف زوجها جسديّاً- الأمر الّذي لم يقبله هوكينغ.
زار هوكينغ على كرسيه المتحرّك، بلاد العالم الكبرى محاضراً وزائراً. اختبر الطّيران الحر بالفضاء دون كرسيه لمدّة 25 ثانية بطائرة بوينغ مُعدّلة؛ واصفاً إيّاه بالمُذهل وقال جملته الشّهيرة “جئتك أيّها الفضاء”.
جاء اهتمامه بالفضاء لقناعته بأنّ الحياة على الأرض مهدّدة بالزّوال إثر الكوارث والحروب، فلا بدَّ للإنسان أن يجد بديلاً لها للحفاظ على بقائه. وخرج بنظريّة الثّقوب السّوداء الّتي أثبت نفاذها لأكوان أخرى وبأنّ لها قدرة الإشعاع ؛الّذي سمّي لاحقاً بإشعاع هوكينغ.
حصل على العديد من الجوائز العالميّة والميداليات، عدا جائزة نوبل لاستحالة إثبات نظريّاته بالتّجربة؛ بالرّغم من ثبوتها رياضيّاً.
لم يجد ضرورةً لوجود خالق أو إله في العلم. لكنّه أقرَّ بعدم استطاعته إثبات عدم وجود الله.
أهمّ مؤلّفاته: “تاريخ مختصر للزّمن”. “الانفجار الكبير”. “نظريّة كلّ شيء” والّذي عمل عنه فيلماً حصل عالأوسكار عام 2014. “التّصميم العظيم” “وتاريخي المُختصر” تُرجِمت لأربعين لغة وبيعت بملايين النّسخ.
توفي يوم 14/3/2018 في ذكرى ميلاد آينشتاين. وصادف يوم ميلاده الذّكرى 300 لوفاة غاليليو. فهل هذه صدفة، أم أنّ الزّمن يدور دون بداية أو نهاية؟