محمد مكتبي
صدق الأديب والشاعر اللبناني الراحل جبران خليل جبران بقوله ” حياة بدون حب شجرة بلا زهر أو ثمر ” .
لكن كيف يؤثر الحب على أدمغتنا ؟ و هل يمكن الإستغناء عنه ؟ ماذا يقول العلم؟
في كتابها الجديد ” WIRED FOR LOVE : A NEUROSCIENTIST’S JOURNEY THROUGH ROMANCE, LOSS, AND THE ESSENCE OF HUMAN CONNECTION ” ، تروي ستيفاني أورتيغ كاسيوبو عالمة الأعصاب في كلية الطب بجامعة شيكاغو الأمريكية كيف أثّرت قصة علمية على كل حياتها الخاصة . وكشفت من خلال أبحاثها عن كيفية و سبب وقوعنا في الحب و ما الذي يجعل الحب يدوم و كيف نتعامل مع الحب المفقود . يبدو أن كيمياء الدماغ و العلوم السلوكية تقدّم لنا كل الاجابات .
إعتقدت عالمة الأعصاب لسنوات طويلة أنه من الممكن الإستغناء عن الحب على الرغم من بحثها في علم الروابط البشرية .لم تستطع تلك الباحثة الشابة التي كانت عزباء في العشرينات و الثلاثينات من عمرها إدراك أهمية الحب في حياتها الا لاحقاً.
تقول : ” لقد أخبرت نفسي أن عدم الإرتباط جعلني باحثة أكثر موضوعية ، أي يمكنني التحقيق في الحب دون أن أكون تحت تأثير تعويذته ” . وفي العام ٢٠١١ ، وحين كانت قد وصلت الى السابعة و الثلاثين من عمرها حصل ما لم تكن تتوقّع أن يغيّر حياتها. التقت بالدكتور جون كاسيوبو في مؤتمر لعلم الأعصاب في شنغهاي . أثار إهتمامها بمفهوم كان يروّج له ويقول إن الوحدة على المدى البعيد يمكن أن تكون ضارة بالصحة . وقعت في غرامه، كما هام بها، ولم تمض فترة قصيرة الا وتزوّجا وأصبحا زميلين في كلية بريتزكر للطب في جامعة شيكاغو .
هذه القصة العصبية الحيوية لكيفية إعادة الحب أسلاك الدماغ كما أنها قصة حب شخصية أيضا، فتحت عيون الباحثين على جوانب كثيرة في الحب وكيفية الوقع في شباكه الجميلة، لكنها كشفت كذلك عن وجه حزين، وذلك حين توفي الدكتور كاسيوبو بمرض السرطان في العام ٢٠١٨ . فراحت الدكتورة أورتيغ تبحث عما يفعله الحب بالدماغ و عن كيفية محاربة الوحدة و تساءلت عمّا اذا كان الحب نتاج الخيال .
تقول : ” عندما إلتقينا للمرة الأولى تحدثنا لمدة ثلاث ساعات و لم أشعر بمرور الوقت . شعرت بالنشوة من إندفاع الدوبامين و إحمررت خجلا من الأدرينالين . كان هذا من تنشيط الخلايا العصبية المرآتية ، و هي شبكة من خلايا الدماغ التي يتم تنشيطها عندما تتحرك أو تشعر بشيئ ما . فعندما يكون لديك إتصال قوي بشخص ما ، يتم تعزيز نظام الخلايا العصبية المرآتية” .
وفي شرحها لهذا العامل العلمي العصبي، تقول د. أورتيغ : ” عندما نقع في حب شخص ما ، فإن أول شيئ نلاحظه هو مدى شعوره بالرضا ، لأن الدماغ يطلق نواقل عصبية تبعث على الشعور بالسعادة و تعزز مزاجنا . عندما نجد الحب يكون مثل الألعاب النارية البيولوجية حيث معدل ضربات القلب مرتفع ، ومستويات ما يسمى بهرمون الحب الأوكسيتوسين آخذ في الارتفاع ، مما يجعلنا نشعر بالارتباط . ترتفع مستويات هرمون النورابينفرين والناقل العصبي لدينا ، مما يجعلنا نفقد مسار الوقت . ترتفع مستويات الأدرينالين لدينا ، مما يوسع الشعيرات الدموية في الخدين ويجعلنا متوردين . تنخفض مستويات السيروتونين ، و هو هرمون رئيسي في تنظيم الشهية و الأفكار المقلقة المتطفلة . لذلك عندما نكون في حالة حب ، قد نجد أنفسنا نأكل بشكل غير منتظم أو نركز على التفاصيل الصغيرة ، ونقلق بشأن إرسال النص المثالي ، و قول الكلمات المثالية ثم إعادة إرسال النص أو المكالمة الهاتفية مرارًا وتكرارًا في رؤوسنا ” .
تضيف : ” عندما نبدأ في الشعور بإحساس عميق بالهدوء و الرضا مع شريكنا ، يتم تنشيط مناطق الدماغ التي لا تثير المشاعر الأساسية فحسب ، بل تؤدي أيضا إلى وظائف معرفية أكثر تعقيدا . يمكن أن يؤدي هذا إلى العديد من النتائج الإيجابية ، مثل تخفيف الألم و المزيد من التعاطف و تحسين الذاكرة و زيادة الإبداع . الحب الرومانسي يشبه القوة الخارقة التي تجعل الدماغ يزدهر ” .
الحب سرُّ الحياة
تقول الباحثة أورتيغ : ” إن الحب ضرورة بيولوجية مثله مثل الطعام و الماء و الرياضة كما أن الحياة العاطفية الصحية ضرورة لرفاهية الشخص ” .إذا لا يمكننا الإستغناء عن الحب ، لأنه ضروري للحياة و البقاء أيضا . لكن كيف يُمكننا والحالة هذه مساعدة الاشخاص الذين يعانون من الوحدة العاطفية والشخصية؟
كيفية مساعدة الأشخاص المعزولين
تقول د. اورتيغ : ” إعتقد الناس أنه لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من الوحدة ، عليك تجميعهم معًا . لكن أسوأ شيء يمكنك القيام به لشخص وحيد هو محاولة مساعدته دون أن تطلب منه المساعدة في المقابل – وهو مفهوم يعتمد على المساعدة والحماية المتبادلة . بدلا من ذلك ، نحتاج إلى مساعدتهم في الحصول على شعور جديد بالقيمة… كل هذه الأشياء يمكن أن تمنح الشخص الوحيد شعورا بالقيمة والانتماء مما يقلل من مشاعر العزلة ” . بمعنى آخر يجب الاّ نُشعر الشخص الوحيد او الذي قرّر العُزلة أننا نساعده من منطلق الشفقة أو الايحاء له بأنه ضعيف، بل من الافض أن نتبادل وإياه المساعدة والمشاعر، كأن نطلب منه أيضا شيئا يُساعدنا، فهذا سيُشعرُه بقيمته الانسانية والاجتماعية.
وتضيف : ” يمكن البقاء على إتصال مع الآخرين حتى لو كنت بمفردك في الغرفة .أغمض عينيك الآن و فكر في الشخص الذي تحبه أكثر . الآن ، فكر في المرة الأخيرة التي جعلتهم يضحكون فيها بصوت عال . هل هذا يرسم الابتسامة على وجهك ؟ نحن نخزن هذه الذكريات الإيجابية في أذهاننا ، ويمكننا الوصول إليها في أي وقت فلدينا جهاز التحكم عن بعد” .
لا شك أن الإنسان الذي يعرف أن يحب و كيف يحب ، سيكون سعيدا و ناجحا في حياته ، بينما الإنسان الذي لا يعرف الحب إلا لتحقيق مصالحه و أهدافه و تغذية قوته لن يذوق حلاوة الحب و لن يكون سعيدا في الواقع..
أن نحب أنفسنا و من حولنا يكفي للتخلص من الكثير من المشاكل الصحية و الإجتماعية.. يمكن للحب أيضا أن يكون سلاحا لتحقيق السلام كما قال جيمي هنتركس ” عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة سيشهد العالم السلام ” .