حاوره هادي بو شعيا
أعرب وزير الخارجية اللبنانية السابق فارس بويز عن استمرار الشكوك في إجراء الانتخابات اللبنانية، مشيرا الى وجود جهات داخلية وخارجية ترى أن من مصلحتها تأجيلها، وبعد أن عدّد المصاعب السياسية والتقنية التي قد تحول دون ذلك، ترك باب الأمل بإجرائها مفتوحا لكنه قال إنها لن تُغيّر شيئا وان الحراك المدني الذي خيّب آمال اللبنانيين لن ينجح منه الا قلّة ستكون ” كالخراف في حظيرة الذئاب”، وان علاقة حزب الله بالتيار الوطني لن تبقى على حالها، وأشار الى آفاق التفاوض الخليجي الايراني والى التحولات الكُبرى في السياسة الاميركية مما يزيد المنطقة تعقيدا ومستقبل لُبنان سوداوية.
جاء كلام بويز في لقاءٍ أجريناه معه أمس قبيل أول انتخابات برلمانية بعد الحراك الاحتجاجي في لبنان، والمزمع إجراؤها بعد أقل من شهر، وهي تشهد حاليا مستوىً إستثنائيًا من الفساد والتلاعب، فضلاً عن خيبة أمل وصدمة غير مسبوقتيْن في أحد أكثر المحطات المفصلية في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر؛ إذا ما أُعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها التي عبثت بماضي وحاضر البلاد وتستعد للعبث بمستقبلها وعبادها.
يُشار الى أن فارس بويز كان قد شغل منصب وزارة الخارجية في أكثر مراحل لُبنان والمنطقة والعالم تعقيدات وتحوّلات ( 1990-1995 في حكومات متعددة) من تفكك الاتحاد السوفياتي الى غزو صدّام حسين للكويت الى مؤتمر مدريد للسلام بين العرب واسرائيل، مرورا ببروز نجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي احتل مساحة واسعة من السياسة اللبنانية بعد عودته من السعودية وتولّي الحكم . كما حصل في عهد بويز ( الذي كان صهر رئيس الجمهورية الياس الهراوي) نقاش كبير على المستوى المحلي والاقليمي والدولي بشأن القرار 425. ساعده في ذلك اتقانه للغات الفرنسية والانكليزية والعربية ومتابعة دقيقة لاحداث المنطقة.
يرى وزير الخارجية السابق أن : ” ثمة شكوكًا متزايدة بشأن نية السلطة السياسية القائمة منذ فترة طويلة، والتي تتألف أساساً من مسؤولين حكوميين وأحزاب سياسية قديمة ونخب أعمال، السماح بإجراء هذه الانتخابات؛ ذلك أن هناك جهات داخلية وخارجية نافذة، ليست قليلة، لا تزال ترى أنه من مصلحتها تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وحتى لو أجري التصويت في موعده، فمن المرجح أن يشهد لبنان، إذا واصل مساره الحالي، واحدة من أكثر انتخاباته فوضوية وفساداً وافتقاراً للشرعية منذ استقلاله في عام 1943. وهذا سيرتب، من بين نتائج سلبية أخرى كثيرة، بقاء الطبقة الحاكمة، التي يحمّلها الكثير من اللبنانيين مسؤولية التدهور السريع لبلدهم بدءًا من سرقات ممنهجة لمقدرات الدولة طيلة عقود ثلاثة مرورًا بسرقة أموال المودعين واتباع سياسات تسهم في تجويع وتفقير وإذلال اللبنانيين، وصولاً إلى الاهتراء الذي أصاب مؤسسات الدولة وتكريس “سقوط الدولة” دون تغيير ملموس أو المسارعة الى وضع خطة انقاذية شرط أن يسبقها التحقيق والتدقيق الجنائي الذي يمكن البناء عليه في المستقبل”.
ويلفت بويز: ” أنه رغم الحراك الانتخابي المتصاعد تباعًا، ورغم التصاريح التي تؤكد حصول الانتخابات النيابية في موعدها، لا يزال إنجاز الاستحقاق عرضة لتساؤلات كثيرة مشروعة، لا سيما أن هناك شكوكًا تنتاب عددًا من الفرقاء الأساسيين، حول إرادتهم الحقيقية في إنجاز الانتخابات، خصوصًا انهم متضررون من نتائجها، وقادرون في الوقت عينه على تعطيلها ان اتحدوا، فعلى سبيل المثال، لا يزال الثنائي الشيعي، حتى الساعة، ماضيًا في المعركة الانتخابية”. ويتساءل هنا: ” لكن من يؤكد ان حزب الله تحديدًا، لن يتضامن لاحقًا مع النائب جبران باسيل في مسعاه لتأجيل الانتخابات، فيما لو أكدت له نتائج الإحصاءات النهائية، تراجع الأخير بين 7 و10 مقاعد في الندوة النيابية لصالح غريمه التقليدي حزب القوات اللبنانية الذي قد يظفر بعدد مقاعد أكبر”.
وفي شرحه للعوائق التقنية التي قد تحول دون إتمام الانتخابات، قال “إذ انه إضافة الى العقبات السياسية المشار إليها أعلاه، يبقى هناك سؤالان أساسيان لا بد من الإجابة عنها، الأول هو، هل بإمكان القوى الأمنية والعسكرية في ظل الأجواء المشحونة، من السيطرة على الوضع الأمني على كامل الأراضي اللبنانية وتأمين سلامة وأمن أكثر من 7500 قلم اقتراع في يوم واحد؟”.
ويتابع قائلاً: ” أما العقبة التقنية الثانية والأساسية فتتمثل بوجوب استعمال الماسح الآلي “Scaner” وفقًا للمادة 101 من قانون الانتخاب في 7500 قلم اقتراع، هل سيكون بإمكان شركة كهرباء لبنان العاجزة عن تأمين ساعة كهرباء واحدة في اليوم، تغذية كل المناطق اللبنانية في وقت واحد وطوال النهار الانتخابي الذي يمتد لقرابة عشر ساعات متواصلة؟ وفي حال لم يحدث ذلك، فان آلاف دعاوى الطعن ستنهال على المجلس الدستوري في حال انقطاع التيار الكهربائي عن أي مركز اقتراع وتوقف الماسح الآلي عن العمل، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة تدور في فلك الانتخابات النيابية، ولا أحد حتى تاريخه قادر على التكّهن بما ستؤول إليه الأمور لجهة حصول الانتخابات من عدمها”.
ويعرّج بويز على من يصفهم ب “جهابذة الثورة والثوار” ويقول إنهم :” خيّبوا آمال جميع اللبنانيين في الداخل والخارج نتيجة التشرذم الحاصل في صفوفهم والذين إن حصدوا بعض المقاعد فلن تتخطى أصابع اليد الواحدة أو ربما أكثر بقليل وسيدخلون القبة البرلمانية كالخراف إلى حظيرة الذئاب، وبالتالي لن يتمكنوا من إحداث أي فارق أو تغيير يذكر في مجلس يعتبر معطوبًا أساسا نتيجة غياب المكوّن السني الأساسي المتمثل بالزعيم السني الأبرز وصاحب الحيثية والقاعدة الشعبية الواسعة، سواء شئنا ذلك أم أبينا ( الرئيس السابق سعد الحريري) ونتيجة لهذه الأسباب وسواها لم أترشح للانتخابات النيابية حتى لا أكون شاهد زور على التكريس المشبوه لطغمة سياسية فاسدة ومجرمة”.
وحول سؤاله عن مستقبل العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله في ظل الاحصاءات التي تشير إلى تكبّد التيار خسائر في عدد المقاعد يجيب بويز: ” يعتبر حزب الله أن التيار الوطني الحر أمّن له طيلة السنوات الماضية، الغطاء المسيحي له”.
أما بالنسبة للحراك الاقليمي الذي يجري بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة، وإيران من جهة أخرى، والدخول في مفاوضات بغية ترطيب ساحات النزاع بدءًا بتبريد الجبهة اليمنية مرورًا بالبحرين والعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان وإمكانية انعكاساتها على المشهد السياسي والأمني المشحون، يشرح بويز: ” مما لا شك فيه أنه في ظل المواجهة التي تجلّت بين سياستيْن اقليميتيْن متناحرتيْن قطباها دول الخليج مجتمعة إزاء إداء إيران المزعزع لاستقرار المنطقة العربية برمتها، وفي وقت كانت العواصم الخليجية تراهن على ولايات متحدة قوية إبّان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب لدعمها في هذه المواجهة حيال مخططات طهران لتقويض المنطقة، اصطدمت دول الخليج مع مجيء إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بانعطافة دراماتيكية نحو الشرق تحديدًا نحو الصين، فضلاً عن تنصّلها من وعودها بحماية أمنها. إذ بات من الواضح أن واشنطن تسعى فقط لإبرام اتفاق مع طهران في شقّه النووي. فارتأت العواصم الخليجية باتخاذ المبادرة والخروج من العباءة الأميركية”.
وختم وزير الخارجية السابق قائلا : ” بيد أن ذلك كله لا يشي بانفراجة على الساحة اللبنانية، بمعنى أوضح المفاوضات بين إيران والدول الخليجية تندرج ضمن إطار التهدئة والتي لا ترقى الى مستوى التسوية السياسية الفعلية والتي يمكن أن تنعكس إيجابًا على لبنان لجهة عودة التدفقات المالية والاستثمارية من الدول العربية وتحديدًا الخليجية منها. ذلك أن معظم المكونات السياسية في لبنان، لا سيما الرسمية منها، يحاول التهرّب من حقيقة أن دول العالم عمومًا، ودول الخليج العربي خصوصًا، لا تعتبر لبنان دولة مستقلة، وبالتالي فإن أي اصلاح للعلاقات مع دول الخليج، لا ولن يمر إلا باستعادة الدولة اللبنانية لسيادتها واستقلالها، وبإمساكها بزمام الأمور”.