افتتاحية

أيها السفير السعودي افعل في لبنان ما يفعله أميرُكم عندكم

سامي كليب:

منذ توليّه منصبه، دأب وليُّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على كسب ثقة الشباب السعودي الذي يُمثّل مع الأطفال في المملكة نحو 67% من مجمل عدد السُكّان وفق هيئة الإحصاء السعودية، ليس فقط من خلال تحرير الثقافة والفنون وتعزيز دور المرأة، وإنما من خلال ضربه بيد من حديد آفة الفساد التي أسماها ” السرطان”، وجرأته في الحد من سلطة رجال الدين وتصحيح الموروثات المتعلّقة بالشيخ محمد عبد الوهّاب مؤسس الوهّابية، ناهيك عن تكراره تحدّي الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا، وتوسيع دائرة العلاقات الخارجية بعمق لتشمل الشرق والغرب بتوازن سيزداد لاحقا عبر تعزيز التعاون مع الصين، إضافة الى طرح مشاريع اقتصادية وتكنولوجية واعدة لمرحلة ما بعد النفط.

قال الأمير الذي سيُصبح ملك السعودية ما لم يتعرّض لمؤامرة خارجية: “إن نتائج حملة مكافحة الفساد كانت واضحة للجميع، حيث بلغ مجموع متحصّلات تسويات مكافحة الفساد 247 مليار ريال في السنوات الثلاث الماضية، وهي تمثل 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى أصول أخرى بعشرات المليارات تم نقلها لوزارة المالية، وستسجل في الإيرادات عندما يتم تسييلها بما فيها من عقارات وأسهم”.

نجح الأمير في تحصين نفسه شبابياً، رغم الاعتراض القليل المُعلن من قبل البعض في الداخل، والمُضمر من قبل المتضرّرين من سياسته، وبينهم أباطرةُ مال ورجال دين نصّبوا أنفسَهم قُضاةً على البشر، يوزّعون شهادات حسن أو سوء سلوك، يحاكمون من يشاؤون ويغضّون الطرف عمّن يريدون، فأساؤوا للمملكة رغم أن بعضَهم ربما لا يخلو من النيّات الطيّبة والحرص على الدين.

كلّ الرياح الخارجية التي هبّت على الأمير تارة بسبب مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وتارة أخرى بسبب حرب اليمن، لم تؤثر على شعبيته الداخلية بفضل اصلاحاته، حتى ولو أن البعض ينتقدها.

مع عودة السفير السعودي السيد وليد البُخاري الى لُبنان، راقب الشبّاب اللبناني (من الحراك المدني ولكن أيضا من شباب الأحزاب كافة) والحامل في داخله ثورة حقيقية ونقمة كبيرة على مَن أوصله الى حال الفقر والبطالة والذّل، راقب عن كثب تحرّك الدبلوماسي السعودي الحاصل على شهادات عُليا في العلوم السياسية والدبلوماسية من السعودية وكاليفورنيا، والذي عمل في دول عربية وغربية وافريقية (لوس انجلس، برلين، النيجر..ثم لبنان). ولا شكّ أن كثيرين طرحوا السؤال التالي: ” كيف للمُمثِّل أميرِ مكافحة الفساد والتغيير في بلاده، أن يُكرّس شرعية فاسدين وتقليديين لا بل وصدئين في لُبنان؟”.

لا شك أن التواصل مع الجميع ضروري في العمل الدبلوماسي، لكن من المُفترض ان وليد البخاري ما زال في عمر الشباب نسبيا (مواليد عام 1972) وبدأ حياته السياسية والدبلوماسية صغير السن حيث كان في ربيعه الرابع والعشرين، وهو بالتالي يشعُر بما يُريده شباب اليوم، ويُدرك بعمقه ويلات الفساد في لبنان، ويعرف تماماً أن كثيراً ممن يُجالسُهم هم سبب الفساد والبلاء لا بل وسبب ارتماء لُبنان تاريخيا في أحضان خارجية قتلت حضنه الداخلي.  ولو كان هؤلاء في السعودية، لكانوا اليوم في فندق ” الريتز” أو في السجن.

 ولا شك كذلك، بأن قرار السعودية الاشراف على المساعدات الجديدة التي توزّع مُباشرة للناس أو عبر منظّمات موثوقة وبينها الصليب الأحمر الدولي، نابعٌ من هذا الادراك السعودي الضمني بأن كثيرا من المال السعودي، اهدره هؤلاء الفاسدون أنفسهم، وهم يرفعون شعارات طنّانة بالعلن مؤيدة للسعودية والعروبة، ويمارسون أفعال الرذيلة السياسية في السرّ.

من المُفترض كذلك أن سعادة السفير، يعرف تماما كيف يفكّر السفراء الأجانب والعرب في لبنان بهذه الطبقة السياسية الفاسدة والمُفسِدة، وأن ضعف الحراك المدني، هو الذي جعل الدول الغربية والعربية تعود للتعاطي، ولو على مضض، مع جماعة نهبت الدولة وشوّهت الوطن.

ومن المُفترض أيضاً أن يعرف سعادة السفير، بأن العروبيين الحقيقيين في هذا الوطن ليسوا حتماً هؤلاء الذين باعوا العروبة بثمن بخس لكلّ طامح وطامع وغازٍ، وأن بعضَهم لا يعرفُ عن العروبة الا بقدر ما جاءه من مالٍ فرفعَ شعاراتٍ مناهضة لإيران وحزب الله، وهو تحت الطاولة يُنسّق مع الحزب أو يطمح الى ذلك. (لو كُشفت الوثائق، انتشرت الفضائح).

لُبنان يا سعادة السفير مبتلٍ بمصائب كثيرة، وفي مقدّمها مصيبتا الفساد وسهولة معظم ساسة هذا البلد بالارتماء في أحضان كلّ يهبّ ويدبّ من الخارج شرطَ أن يحمل لهم مالا، فلا بأس إن كانوا بالأمس مع سوريا، واليوم مع أميركا، وغدا مع إيران، وبعدها مع السعودية …الخ. المال هو الثابت، والمبادئ ضحية دائما على مذبح مصالح هؤلاء.

ثم إن الكثير منهم يا سعادة السفير، وانت تعلم ذلك تماما، يتلحّفون برداء المرجعيات الدينية، وهي تُشبه تماما تلك المرجعيات التي قال الأمير محمد بجرأته المعهودة:” سندمّرها”. فكثير من رجال الدين في وطننا الجميل، بديعو الخطابة  جميلو الشعارات والكلمات المنمّقة، لكنهم يُسارعون الى حماية كل فاسد باسم الدين والمذهب والقبيلة والعشيرة والغرائز المتوارثة.

حاول يا سعادة السفير، أنت والسفراء العرب الآخرون في لُبنان، ان تمضوا وقتا أطول مع الناس العاديين، ومع النُخب الفعلية لا المُرتشية، ومع الإعلاميين الحقيقيين لا الأبواق الذين هم معك اليوم وبالأمس كانوا ضدك أو العكس، فهؤلاء يأكلون على كل مائدة سُلطان وملك وأمير ورئيسٍ وزعيمِ عصابة.

حاول يا سعادة السفير، انت والسفراء العرب الآخرون، أن تبحثوا عن العروبيين الحقيقيين في هذا الوطن، وما أكثرهم، فهؤلاء ما ارتموا يوما في حضنٍ آخر غير الحضن العربي، ولا بحثوا عن مطيّة مع كل تحوّل سياسي محلي أو في الإقليم ليركبوها.

تخيّل يا سعادة السفير لو أن سفير ُلبنان مثلا وفور وصوله الى الرياض، دعا مجموعة من الفاسدين (الذين سجنهم الأمير) على مأدبة عشاء أو لقاء، كيف سيكون شعور الشباب السعودي؟ 

الوطن العربي برُمّته من محيطه الى خليجه، ومن مشرقه الى مغربه، بحاجة الى مشروع نهضوي تنموي فكري ثقافي تكنولوجي عربي وعروبي جديد، بعيدا عن الشعارات الخاوية التي قتلت منذ منتصف القرن الماضي العروبة في مهدها، وهشّلت المكوّنات الأخرى، ولم تنتج الاّ دكتاتوريات وفاسدين وبائعي أوطانهم للخارج.

احذر يا سعادة السفير ممّن لن يتردّد في تقبيل يدك لا جبينك أو كتفك، ويجلس ذليلاً أمامك، لان ما يهمه هو ما في يدك من ريالات ودراهم ودنانير، وليس أي مشروع آخر. الذليلُ خوّان لا يؤتمن.

ستكتشف حينها يا سعادة السفير، أن محبّي الوطن العربي في لبنان، ما زالوا كثيرين، ولم يقمعهم ويُسكت صوتَهم لا بل ويقتلهم أيضا، الا بعض المتملّقين الذي يبتسمون لك، ويُعلنون ضرورة ” عودة لُبنان الى الحضن العربي” وهم ارتموا في كل الأحضان الأخرى على مرّ التاريخ.

ليس مطلوباً منك أيها السفير المُرحّب بك في لُبنان، الا أن تفعل هنا ما يفعله الأمير في السعودية، من خلال تطويق الفاسدين لا تعويمهم، وتهميش مدّعي التدين لا تكريمهم، وسوف تجد كيف أن الشباب هنا سيكون كما الشباب عندكم أولّ المرحّبين، ومن كل الطوائف والأحزاب والناس البُسطاء. وستجد أيضا، ان عمقكم العربي ما زال في لُبنان، كما أن عُمق لُبنان الحقيقي هو في هذا الوطن المُمتد من القدس والمدينة والقاهرة وبغداد ودمشق الى نواكشوط و وتونس والرباط والجزائر وكل عاصمة عربية، وان قلوب هذه الشعوب ما زال ينبض على قلب القضية الأم، فلسطين، مهما تقلّبت النوائب، لكن هذه الشعوب بحاجة أيضا للغة جديدة علمية ومعرفية وتكنولوجية واقتصادية ولمشاريع تنموية تُشبه ما تفعلونه عندكم من الرياض الى نيوم،لا ما يسرقونه من الشعب اللبناني المتملّقون لكم، وما أكثرهم ؟

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button