باريس-ميراي حدّاد وسامي كليب
صدقت التوقعات، وتصدّر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي جرت هذا الأحد بحصوله وفق النتائج الأولية ( التي تتغير قليلا) 28،6 % من الأصوات، متقدّما على مرشحة اليمين المتطرف السيدة مارين لوبن التي حصلت على 23،7 %، وحلّ اليساري المتطّرف جان لوك ميلانشون ثالثا ب 20،4%، واليميني المتطرف الذي جاء من عالم الصحافة الى السياسة إيريك زيمّور رابعا، بينما أصيب اليسار التقليدي بنكسة وُصفت بالتاريخية.
هذه النتائج تدفع ماكرون ومنافسته صوب التنافس الشرس في الدورة الثانية بعد نحو اسبوعين، وسط توقّعات ببقاء الرئيس الحالي لفترة ثانية، لكن كل شيء سيتوقف على كيفية تحويل أصوات الخاسرين، لذلك فان خبراء استطلاع الرأي لا يريدون الجزم بحتمية فوز ماكرون ذلك أن المفاجآت تبقى واردة رغم ضآلتها، لا بل أن ماكرون نفسه قال إن الأمور لم تُحسم بعد لما ستكون عليه الدورة الثانية.
وبينما عمّت الاحتفالات المقر الرئيس لحزب ماكرون وفي مناطق أخرى، فان الرئيس الفرنسي خاطب كافة الفرنسيين بلغة مدّ اليد لكل الراغبين برسم “مستقبل الأمة ” على قواعد جديدة وفق ما قال. مضيفا :” في هذه اللحظة الحاسمة لمستقبل الأمة، لا شيء يجب أن يبقى كما في الماضي، ولذلك فإني آمل بمد اليد لكل الراغبين بالعمل لأجل فرنسا. وأني جاهز لاختراع شيء جديد لتجميع القناعات والتوجّهات المختلفة، بغية بناء عملّ موحّد مع الجميع لخدمة وطننا”
أضاف ماكرون :”إن ثقتكم تُشرّفني، وتجبرني، وتُلزمني، وأني مُدركٌ تماما لواجبي حيالكم. لكنه حذّر من المغالاة في الحديث عن الفوز ذلك أن ” الأمور لم تُحسم بعد قبل الدورة الثانية” وفق تعبيره.
ماذا تعني هذه النتائج ؟
تعني أولا أن لا شيء قد حُسم نهائيا، وان كل شيء ممكن في خلال الأسبوعين المقبلين قبل الدورة الثانية، حتى ولو ان كثيرين يعتبرون ان ماكرون سيبقى.
تعني ثانيا أن الانقسام التاريخي الذي عرفته فرنسا بين يمين ويسار تقليديين قد انتهى الى غير رجعة، وحلّ مكانه الانقسام بين فكرٍ جديد متحرّك ويميل نحو الليبرالية والرأسمالية والتشدد الأمني لكن بلا إيديولوجية واضحة ، وبين فكر قومي شوفيني مع تفرّعاته العنصرية.
تعني ثالثا: ان حركة ماكرون بالنسبة لحرب أوكرانيا رفعت من نسبة مؤيديه في الداخل حيث أن استطلاعات الرأي كانت تُعطيه أقل من ذلك، وكان منافسوه يتهمونه بالفشل في ملفات خارجية وبينها مثلا لبنان والجزائر والساحل الافريقي.
وتعني رابعا : ان نسبة الممتنعين عن التصويت التي سجّلت مستوى قياسيا لم تعرفه البلاد منذ 20 عاما، تؤكد عدم اهتمام الناخب الفرنسي، أو قلة ثقته، أو ضياعه، أو قرفه.
وتعني خامسا: أن اليمين المتطرف ممثلا بالسيدة مارين لوبّن، الذي لم يعرف مثل هذه النسبة شبه المُريحة له في انتخابات سابقة، صار مُنافسا حقيقيا على الرئاسة وربما مُهدّدا لو انضم اليه زيمّور أو فريق من اليمين التقليدي، وهو ما يعكس مناخات شعبية جديدة في الداخل الفرنسي تميل فعلا نحو الشوفينية والحمائية، فتقدّم زيمّور اليميني المتطرف أيضا الى المرتبة الرابعة ليس بالأمر البسيط أو العابر.
وتعني سادسا: أن ما سيجري قبل 24 نيسان/ ابريل الجاري موعد الدورة الثانية من مشاورات وتحالفات، خصوصا ان جان لوك ميلانشون زعيم حزب ” فرنسا المتمرّدة” والموسوم بالتطرف اليساري والمدافع عن حقوق كثيرة وبينها حقوق المهاجرين وحق الشعب الفلسطيني بدولته، سيكون بيضة قبّان مُهمّة، وقد يدعو مناصريه لعدم التصويت في الدورة الثانية أو التصويت بورقة بيضاء الا اذا قرّر احداث مفاجأة والتحالف مع ماكرون( وهذا يبدو حتى الآن غير منطقي). أما الشيء الأكيد فهي دعوته أنصاره لعدم أعطاء أي صوت للسيدة لوبن.
هذه قراءة أولى للانتخابات وستكون لنا تحليلات أخرى بعد اتضاح الرؤيا أكثر ومعرفة حركة التصويت على كامل الأراضي الفرنسية.