التقرير الاستراتيجي الاسبوعي
جان بيار سيباغ-باريس *
لو ابتعدنا قليلا عن منطق التأييد أو التخوين، وعن الفرق بين نبض معظم الشعوب العربية ومصالح الدول، كيف نقرأ قمة النقب التي تشابكت فيها أيادي مسؤولين عرب مع آخرين إسرائيليين (كما يتضح في الصورة) بضيافة وزير الخارجية الإسرائيلي وحضور وزير الخارجية الأميركي؟ هل فعلا أن ما جرى تحت الخيمة يُمهّد لمواجهة إيران كما روّج الاعلام الإسرائيلي؟ وهل ثمة إمكانية واقعية لمثل هذه المواجهة؟ أم أن للصورة رسائل أخرى بأكثر من اتجاه؟
لنفترض أولا أن القرار هو مواجهة إيران؟
كيف سيتم ذلك؟ هل بالحرب مثلا؟ إذا نحن سنكون أمام تدمير كوارثي لن تقوم منه المنطقة قبل 100 عام؟ فمن يستطيع تحمّل هكذا ثمن؟ لا أحد على الأرجح.
هل بالعقوبات؟ تم تجريب هذا الأمر لعقود طويلة، لكن النتيجة أن إيران طوّرت أسلحتها (خصوصا الصواريخ) وتقدّمت سريعا في مجال التكنولوجيا والسايبرنت، وتمدّدت أكثر من أي وقت مضى في الكثير من الدول العربية، وباتت قادرة على انتاج سلاح نووي (هذا إن لم تكن قد انتجته بعد). ولو ان العقوبات كافية لما عادت واشنطن للتفاوض مع طهران على البرنامج النووي.
لنسأل ثانيا: هل دول المنطقة متفقة أصلا؟
يؤكد عارفو مصرَ عن قرب، أنها كانت بالأصل مستاءة جدا من التوسع السريع للتطبيع العربي في عهد دونالد ترامب، خشية من انفلات الأمور أولا، وقلقا من أن يُصار الى تهميش دورها في فلسطين والمنطقة على حساب أدوار جديدة.
فهل أن مصر حضرت قمة النقب، لمواجهة إيران فعلا، أم لعدم السماح لغيرها من العرب باحتلال مكانها.
كان لافتا مثلا انه بعد مقابلات ولي العهد السعودي التي انتقد فيها بشدة الولايات المتحدة، وبعد الموقف اللافت للرياض وأبو ظبي في الأيام الأولى للحرب الأوكرانية والذي أوحى بأنه أقرب الى موسكو من كييف، تعمّدت السعودية ليس فقط التعامل بفوقية مع الزائر البريطاني رئيس الوزراء ، وإنما أيضا إعدام 81 شخصا قبيل وصوله.
يُريد بن سلمان القول إنه حجر الرحى في الخليج، وإن البدائل عن أميركا وبريطانيا موجودة في الصين وروسيا وغيرها، وهو بذلك يسعى ليس للقطيعة وإنما لتعديل موقف واشنطن الناقد للرياض منذ وصول بايدن الى السلطة.
لا شك ان الدول العربية قلقة من أميركا قبل غيرها. فالضبابية الكبيرة في الموقف الأميركي مقرونة بالانسحاب المُذل من أفغانستان، والعجز عن تقدم القوات الروسية في أوكرانيا، وفتور العلاقة الأميركية الخليجية، والوصول الى المراحل النهائية من الاتفاق النووي مع طهران، كلّها عوامل جعلت دول الخليج تبحث عن توازنات دولية في علاقاتها، فوسّعت الإطار صوب الصين وروسيا والهند وباكستان وغيرها، وهي لا شك تسعى للاستناد الى إسرائيل ولوبياتها الأميركية والغربية لصد الغضب الأميركي المحتمل.
ولا شك كذلك أن إسرائيل التي امتنعت عن شجب الغزو الروسي لاوكرانيا، تقدّم نفسها اليوم كلاعب دبلوماسي رفيع ووسيط سياسي بين أميركا وحلفائها القلقين، وبين روسيا وأوكرانيا. فهذا يُساعدها في تحسين صورتها الدولية، والتغطية على تبييض أموال الاوليغارشية الروسية، ويصنع لها صورة كوسيط، بعد صورتيها كقوة عسكرية والكترونية في العالم.
الأرجح اذا ان الرسائل هي لأميركا وليست لمواجهة إيران. فالإمارات العربية التي تتصدر الكثير من ملفات التفاوض مع إسرائيل حاليا، حافظت على علاقات جيدة مع طهران ( رغم قضية الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وفتحت أوتوسترادات في العلاقة مع دمشق.
صحيح أن دولا مثلا الامارات والسعودية تعتقد أن الانفتاح على سورية وتعزيز العلاقة مع إسرائيل ورفع مستوى العلاقات مع الصين ( حيث أنها شريكها التجاري الأول في المنطقة) ومع روسيا وغيرها، من شأنها أن تشكل عوامل ضغط لاحقة على الطرف الإيراني، الا أن الصحيح كذلك هي المشهدية الجديدة على مستوى الإقليم والعالم، والتي تتطلب إعادة قراءة الخرائط بصورة أوضح، وهذا ما يجعل أبو ظبي تلعب على كل المتناقضات من إسرائيل الى ايران، ومن أميركا الى روسيا والصين في محاولة للإفادة من كل ذلك.
يبقى أن السعودية التي لم تحضر قمة النقب لكونها لم تطبّع رسميا مع إسرائيل، كانت وستبقى حجر الرحى في الخليج، وهي لذلك توسع دائرة حركتها في أكثر من اتجاه، فهي تقيم علاقة غير علانية مع إسرائيل، وتتفاوض مع إيران، وسوف تعيد العلاقات مع سورية، وتحافظ على علاقة جيدة مع مصر، لكن الأكيد أنها بدأت جدّيا بالتفكير بالتحولات الكُبرى على مستوى العالم، واختارت طريق تنويع العلاقات وليس حصرها بالغرب الأطلسي.
فهل تُريد فعلا مواجهة إيران أم التفاوض معها؟ على الأرجح التفاوض، وفي ذلك مصلحة ايرانية أيضا، لا بل ومصلحة كبيرة.
أما بالنسبة لفلسطين، فطالما أن شعبها رافضٌ الخضوع للاحتلال، فلا شيء سيغّير من طبيعة الصراع ولو بعد 100 عام.
الكاتب : جان بيار سيباغ
باحث متخصص بشؤون الشرق الأوسط واستاذ جامعي
أ.د ماريز يونس ( أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية) في ذلك الصباح، لم يكن…
Des salles d’asile à l’école maternelle ! Nadine Sayegh-Paris Evoquer l’école nous fait directement penser à…
سامي كليب افتتاحية-الصراحة افضل الاستقبال الاستثنائي الذي أحيط به الرئيس جوزيف عون في السعودية، والذي…
Du natron au sapo, pour arriver au savon ! Nadine Sayegh-Paris Le savon, produit d’hygiène et…
مرح إبراهيم ثلاثة أشهر مرّت على اللحظة النفسيّة التي جسّدتها ليلة الثّامن من كانون الأوّل…
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…