جنبلاط والتعبئة العامة غدا السبت…ضد من؟
سامي كليب:
من المنتظر أن يكون الحشد كبيرا غدا في المختارة وضواحيها. ذلك أن الذكرى 45 لاستشهاد قائد الحركة الوطنية والرجل الذي لم يُساوم كمال جنبلاط، ستكون هذه السنة فُرصةً لرفع الصوت الجنبلاطي والاشتراكي حيال من يريدون تهميشهما في أوج الانتخابات اللبنانية ووسط أمواج عاتية تتلاعب بلبنان والشرق الأوسط على ضوء 3 تحوّلات كُبرى: المفاوضات الإيرانية الأميركية، والحرب الأوكرانية، وعلاقة السعودية بلبنان وحلفائها بعد انسحاب آل الحريري من المشهد السياسي، الى أجل غير مُسمّى.
عوامل القلق كثيرة في المُختارة، ولذلك سيُصار الى تقديم صورة أخرى تحت شعار:” معاً صمدنا، معاً نبقى، ومعا نسيرُ الى غدٍ جديد”. ويُمكن القول إن ” نفيراً عاماً” قد أُعلن، وتم توزيع دعوات بالمئات، وتأمينُ وسائل نقل من كل المناطق اللبنانية، لإعادة رص الصفوف، بينما الشعار غير المُعلن يقول :” ان المختارة في خطر”.
الخطر مثلّث الأضلع هذه المرة، أولها حزب الله وسورية، حيث يعتقد الجنبلاطيون والاشتراكيون أن دمشق والحزب قرّرا هزيمة وليد جنبلاط من خلال ” سلخ” عدد من نوابه، وثانيها من المجتمع المدني الذي قد يخفف من الحاصل الانتخابي لتيمور جنبلاط، وثالثها من وئام وهّاب الذي يبدو واثقا من الفوز بمقعد وهزيمة مروان حماده، رغم ان العارفين يقولون يجب التخفيف من المغالاة لأن المعركة قد تكون طاحنة. يُضاف الى ذلك قلقٌ رابع يتعلق بمستقبل تيمور وقدرته على تنفيذ مشروعه التغييري الشبابي في هذه اللحظات المصيرية وتثبيت قدميه كوريث قادر على الحفاظ على المختارة والحزب.
هي لحظات تُشبه كثيرا الفترة العصيبة التي عاشها من يوصف ( محليّا وعربيا) ب ” المعلّم”، أي كمال جنبلاط حين رفع مستوى التحدّي الى أقصاه ضد الرجل القوي لبنانيا وإقليميا ودوليا آنذاك الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. فحينها كتب قائد الحركة الوطنية سلسلة من المقالات النارية متّهما القيادة السورية ب ” الخيانة” و ” التخاذل” حيال القضية الفلسطينية والوطنيين اللبنانيين، ووصل به الأمر الى حد القول للأسد:” كفّوا شرّكم عنّا وارفعوا أياديكم عن لبنان ونحن بألف خير”، ورفع شعار يُشبه تماما شعار اليوم قائلا:” لن تطول بنا عتمةُ الفجر، إنما المطلوب هو الصبر والصمود والنضال” (راجع مقاله بعنوان: أقنعة الأنظمة العربية تتهاوى). قال كمال جنبلاط آنذاك ما لم يجرؤ أي زعيم أو قائد أو سياسي على قوله، فكان نتيجة ذلك الاغتيال.
لا ندري حتى الآن ماذا سيقول وليد جنبلاط عن حزب الله غدا، ولا عن القيادة السورية، لكن الأكيد أن الوضع متوتّر، خصوصا ان الحزب قال غير مرّة إنه وبعد ان ضمن كل نوابه مع حركة أمل في المعركة المُقبلة (وهذه كانت أولوية) باتت معركته الآن إنجاح حلفائه في كل المناطق.
وهنا لا بُد من بعض الأسئلة:
- هل فعلا قرّر حزب الله تهميش جنبلاط؟ ولو قرّر هل يستطيع؟ اذا كان الجواب بنعم، فهذه مصيبة جنبلاطية واشتراكية ودرزية، ما يتطلب إعادة نظر بكل الواقع الاشتراكي حيال المسيحيين والسُنّة وفي الداخل الدُرزي، لأن وصول الدروز الى مرحلة أن تقرّر طائفة أخرى مصيرهم، أمرٌ لم يعهده تاريخهم. فهل هم أخطأوا أم الآخرون أصبحوا أكثر قوة، أم أن رياح المنطقة والعالم لم تُناسب السفن الجنبلاطية التي كانت تعتقد أن سقوط الرئيس بشار الأسد قريبا ؟
- هل يقبل رئيس مجلس النواب نبيه برّي تهميش حليفه وصديقه التاريخي وليد جنبلاط؟ على الأرجح لا، رغم كل ما يُنقل عن قبوله طلب حزب الله ذلك. فالرجل لم يغيّر موقفه من جنبلاط حتى حين تحارب الاشتراكي حتى الموت مع حركة أمل في أوج الحرب الأهلية، ولا نعتقد أنه في العمق يفرح كثيرا لو أن حزب الله صار سيد اللعبة الكُبرى في لبنان بلا منازع.
- هل المجتمع المدني، سيأخذ فقط من وليد جنبلاط، أم أيضا من رئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهّاب، والأمير طلال أرسلان؟ على الأرجح سيأخذ من الجميع، وبالتالي فالجميع غير مطمئن لهذه الحركة اللافتة والحيوية الهائلة من الحراك المدني الذي وان لم يستطع أن يأخذ مقعدا في الشوف، فهو، ومن خلال استقلاليته والوجوه التي يقدّمها وكذلك الشعارات، قد يؤثر على الجميع، ذلك أنه يُعبّر عن غضبٍ ونقمةٍ وأمل ٍخصوصا لجيل الشباب.
ثم ما هو الشعار الأهم الذي ينبغي أن يُطرح اليوم من قلب المختارة؟ هل ان المختارة في خطر والعائلة الجنبلاطية أيضا؟ أم أن المطلوب هو استعادة مشروع وطني ينطلق من ” البرنامج المرحلي للحركة الوطنية” أي البرنامج الذي يُشبه كثيرا مطالب انتفاضة 17 تشرين 2019، ليخرج الحزب الاشتراكي من القوقعة المذهبية مُجدّدا باتجاه الوطن وصوب المدى العربي من الشرق الأوسط الى المغرب . أليس التغيير والإصلاح هما ما يريده عمليا تيمور جنبلاط؟ اذا هذه هي الفرصة اذا أراد التغيير والتأسيس ” لغد جديد” كما تقول شعاراته اليوم.
ثم ما هي شعاراتُ الحزب والمختارة للمستقبل العربي والعالم بين غرب وشرق؟ في مقاله بعنوان :” المساومة على الشعب الفلسطيني”، قال الشهيد الكبير كمال جنبلاط :” لم نكن ولم يكن الحزب التقدمي الاشتراكي يوما مُسترهنا لأحد، لا لدولة ولا لمجموعة من الدول وإننا نبقى ونظل الأخصام الحقيقيين لسياسة الولايات المتحدة التي لم تعترف ولن تعترف ربما نظرا لكونها على حد تعبير هتلر الدولة اليهودية الكُبرى في العالم، بحقوق شعب فلسطين الكاملة بالعودة وبتقرير مصيره على ارضه. وان لبنان يجب أن يكون البلد الصديق العربي الذي لا يُباع ولا يشرى لا أن يكون كرة تتقاذفها الأهواء ولعبة تستدرج بها العروض..” وتحدث عن دور الشباب، وعن العلاقة التي يجب ألا يحكمها الذل لا مع الاشقاء العرب ولا مع العالم وإنما الكرامة والرأس المرفوع وحماية الحق الفلسطيني.
ربما ما كان كمال جنبلاط يُدرك كل تفاصيل الصفقة الأميركية السورية آنذاك والتي حصلت على غطاء عربي واسع ( راجع كتب هنري كيسنجر أو بثينة شعبان و فاروق الشرع عن العلاقات الأميركية السورية أو كتابي عن الحرب السورية)، أو ربما كان يعلم ويعتقد أنه يستطيع التحدي، أو على الأرجح أنه قرّر الاستشهاد دفاعا عن مبادئه بدلا من التنازل. ( الاحتمال الأخير هو المُرجّح).
اليوم ” ترند” نزع سلاح حزب الله وما يُوصف ب ” الاحتلال الإيراني” شعارٌ فضفاض مرفوع عند كثيرين، لكن حقائق المنطقة والمفاوضات الأميركية الإيرانية وربما الإيرانية السعودية، والانفتاح الخليجي المستمر على دمشق، كل ذلك يطرح معادلات جديدة، ولذلك الخطر كبير، وربما الواقع يحتاج الى قراءة متأنية كي لا يحصل الصدام كما حصل في أواخر عهد ” المعلّم” كمال جنبلاط.
أما قضية انهيار المختارة وتهميش الحزب والاشتراكية والجنبلاطية، فلا نعتقد أنه سهلٌ ذلك أن قسما كبيرا من الدروز ما زالوا مؤيدين لوليد جنبلاط رغم المآخذ الضمنية لبعضهم وحتى داخل الحزب على بعض الترشيحات والممارسات، وكذلك قسم كبيرٌ من المشايخ، وهذا يعني أن جنبلاط ما زال قادرا على تحريك قوة شعبية لا يُستهان بها لخلط الكثير من الأوراق السياسية اذا ما قرّر فعلا المواجهة رغم الخطر. ما زال قسمٌ كبير من الدروز يقول اليوم كما كان يقول أجدادهم :” قطعلي راس بيكرج الى دار المختارة”، فالولاء الغرائزي في لبنان يشمل كل الطوائف… حتى اشعار آخر. وعلى حزب الله أن يأخذ هذا الأمر بعين الحُسبان اذا ما كان فعلا قرّر ضرب جنبلاط. ( رغم ان بعض قياداته يقولون إن هذا الأمر لم يُبحث أصلا وان ثمة مغالاة جنبلاطية). لننتظر ونر.
ملاحظة: الصورة المرفقة مع المقال مرفوعة في الشوف منذ أيام لوليد جنبلاط ونبيه بري