لماذا نحبّ شخصا دون الآخرين ، ماذا يقول العلم؟

سخاء حسن-موسكو

تسارع دقات القلب , احمرار الوجه , تعرق اليدين , سعادة غامرة , هذا مايعنيه لنا الحب عادة لكن في الحقيقة ما هذه العلامات الخارجية إلا تأثيرات جانبية لعوامل كيميائية  داخلية تفرز في الدماغ ومنها لمجرى الدم فتنتشر في جميع أرجاء الجسم. عندما يتعلق الامر بالحب فإننا تحت رحمة الكيمياء الحيوية رغم أن بعض العوامل الأخرى لها أهميتها مثل الخلفية الثقافية والاجتماعية، والذكاء، والقيم لكن العوامل البيولوجية هي الأساس  فقد قسمت الباحثة هيلين فيشر من جامعة روتجرز في نيوجيرسي الحب الى ثلاثة مراحل وكل مرحلة تسيطر عيها مجموعة من المواد الكيميائية :

  1. الشهوة: هي المرحلة الاولى من مراحل الحب وسببها هرمونات الجنس وهي التستوستيرون والأستروجين عند الرجال والنساء.
  2. الانجذاب، وخلالها يشعر كل طرف بأنه لا يمكنه سوى التفكير بالآخر واسترجاع كل تفصيل قام به, السبب يرتبط بثلاثة هرمونات وهي:
  • الأدرينالين :المراحل الأولى للوقوع في الحب تحفز إفرازات الأدرينالين والكورتيزول, تأثير هذه الهرمونات يمكن رصده من خلال تسارع نبضات القلب عند رؤية الحبيب والتعرق والإصابة بجفاف الفم.
  • الدوبامين: الهرمون هذا يرتبط بمركز المكافأة في الدماغ، وتأثيره مشابه تماماً لتأثير المخدرات, وعليه فإن “العشاق” في هذه المرحلة يشعرون بطاقة لا تنضب رغم أنهم باتوا ينامون أقل من معدلهم الطبيعي، كما أنهم يفقدون شهيتهم إضافة إلى الاستمتاع بكثير من التفاصيل التي لم تكن تعني لهم شيئاً من قبل.
  • السيروتونين: الهرمون هذا يلعب دوراً كبير في تنظيم مزاج الإنسان، وهو يعرف بهرمون السعادة والرغبة، وهو أحد الأسباب التي تؤدي إلى التفكير الدائم بالحبيب.

وفق الدراسات فإن هذه المرحلة يمكنها أن تغير طريقة تفكير الشخص فالنتائج تبين أن معدلات السيروتونين في الدم خلال هذه المرحلة تعادل تماماً معدلات الأشخاص الذي يعانون من الوسواس القهري.

  1. هي التعلق، وهنا يمكن الحديث عن هيمنة نوعين من الهرمونات:
  • الأوكسيتوسين: تصبح معدلات الأوكسيتوسين مرتفعة خصوصاً في حال تضمنت هذه المرحلة الزواج وبالتالي الفعل الجنسي.
  • فاسوبريسين: رغم أن هذا الهرمون يرتبط بشكل حصري بالكلى؛ لكن العلماء اكتشفوا أنه يلعب دوراً كبيراً في العلاقات طويلة الأمد.

اعتدنا التعبير عن الحب من خلال رسم قلب لكن علماء النفس يعبرون عنه من خلال مثلث يمثل الضلع الأول فيه ضلع الشغف ثم ضلع الألفة وضلع الالتزام ,  الشغف يرمز الى الاستثارة العاطفية والنفسية للشخص الواقع في الحب بينما تشمل الألفة القرب والاهتمام والدعم العاطفي أما الالتزام فهو القرار الذي يتخذه الشخص للارتباط بمحبة الطرف الاخر والحفاظ على استمرارية هذا الحب. الأضلاع المتغيرة في هذا المثلث هي الشغف والالتزام واختلافها هو الذي يميز أنواع الحب عن بعضها فمثلا الحب بين شخصين في بداية علاقتهما ترتفع فيه نسبة الشغف أما في العلاقات الأسرية يقفز الالتزام الى مستويات عالية لكن الألفة تبقى الضلع المشترك الثابت في أي شعور بالحب.

في مقال له بعنوان ” The Evolution of Love in Humans”  يشير  عالم النفس التطوري ديفيد بوس إلى أن الوظيفة الأساسية للحب، هي الربط بين شخصين يختاران الحياة المشتركة، بما في ذلك الالتزامات وإنجاب الأطفال،وفي حال اختيار شخصين بعضهما البعض لأسباب عقلانية، هناك خطر أن يأتي شخص ما آخر أجمل و أقوى وأفضل، فينجذب إليه طرف ما , والحب هو الذي يحمينا في هذه الحالة من أن يهرب منا شريك الحياة. فالحب ينتصر على  العقلانية، إذ أن الحب غير المشروط أكثر من مجرد فكرة رومانسية، وأضاف أنه يحمي العائلة ويمنع الشركاء من البقاء في حالة تأهب دائمة والشعور بالقلق.

علماء الأعصاب أثبتوا أن الحب الذي يلقاه الإنسان في طفولته يحفز إنشاء ممرات عصبية في الدماغ تعطي الإنسان القدرة لأن يستجيب للعاطفة والحنان عندما يكبر يعني أن يفهم الحب ويقدر العواطف وبالتالي أن يكون قادرا على بناء علاقات مستقرة وطويلة الأمد في حياته ولذلك إذا بحثنا في طفولة معظم  العنيفين والمتطرفين نجدها خالية من الحب والعطف والحنان .

يبقى السؤال المحير في الحب لماذا نحب شخصا معينا من دون كل الأشخاص الآخرين؟ حتى الآن لاتوجد إجابة محددة من قبل العلماء على هذا السؤال ولكن هناك تفسيرات معينة تتعلق مثلا بما يسمى ” العائلة الكيميائية”  فكل شخص يملك “عائلة كيميائية” خاصة به والتي ترتبط بالدوبامين، السيروتونين، التستوستيرون، والأستروجين وعادة يختار البشر الشريك الذي يملك عائلة كيميائية تكمل عائلته , مثلاً أي شخص بمعدلات عالية من الأستروجين سينجذب إلى شخص يملك معدلات عالية من التستوستيرون. سيكولوجياً أيضا كل فرد يلعب دوره من خلال ما يعرف بخريطة الحب, خريطة الحب هي لائحة مزروعة باللاوعي وتتضمن الصفات الخاصة بالشريك المثالي, هذه الخريطة تتكون انطلاقاً من صفات الأهل، فالشخص الذي اعتاد على حس فكاهة أمه مثلا سيبحث عن شريكة تملك الصفة نفسها , هذه اللائحة تمكن الشخص عادة من معرفة ما إن كانت الشريكة التي اختارها مناسبة له خلال مدة لا تتجاوز الـ٣ دقائق .حسب العلماء  فإن الجينات والروائح تلعب دورها أيضاً، فالشريك يتم اختياره وفق روائح الجسد التي تختلف عن تلك التي نملكها وأن النقطة هذه كيميائية بحتة ولا يملك البشر أي سيطرة عليها وأن الإنسان يميل لاختيار صفات تدل على حمل صاحبها جينات أفضل ومن ثم تمرير هذه الجينات لأطفالهم وبذلك يضمن أن لديه أطفال أصحاء ويضمن استمرارية جيناته الخاصة لأجيال لاحقة وهناك طريقتين لتقييم الجينات الجيدة هما الرائحة ” الفيرومونات” والمظهر.

في النهاية فإن الحب من أسمى وأرقى المشاعر الإنسانية حتى أن أفلاطون يعتبر أن الحب فضيلة ولذلك نبه من بعض المحبين الذين يسيئون استخدام مشاعر الحب فنراهم لايبنون حبهم على قواعد سليمة ولايخضعونها لمعايير ثابتة وانما يجعلونها مرهونة برضا أو عدم رضا المحبوب فتصبح في هذه الحالة خاضعة للأمزجة والمصالح مما يفسد هذه الفضيلة (الحب) ويفقدها قيمتها.

الكاتب: سخاء حسن 

تدرس دكتوراه بإدارة الموارد البشرية في موسكو

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago