سامي كليب:
غرّد السفير السعودي في لبنان وليد البخاري من الرياض اليوم قائلا على صفحته تويتر:” تكمن الأزمة تحديدا في أن القديم يُختصر والجديد لم يولد بعد.. وفي ظلّ هذا الفراغ يظهّر قدرٌ هائل من الأعراض المَرَضية” وهو استند في ذلك الى الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي صاحب النظيرة الشهيرة ” الكتلة التاريخية”. لم يذكر البخاري لُبنان، لكن على الارجح هو المقصود.
فقبل البُخاري، طالب وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان الحكومة او ” المؤسسة اللبنانية” بتحرير لبنان من ” الهيكل السياسي الحالي الذي يعزّز هيمنة حزب الله”. وغالبا ما يقول المسؤولون السعوديون إن لبنان بشكله الحالي صار خاضعا للحزب ولا بد من تغيير ما هو قائم.
واضح أن الرياض التي تُعبّر عن غضبها بين الحين والآخر من مسؤول أو تصرّف لُبناني، باتت كما عدد لا بأس به من الدول وأيضا من اللبنانيين على قناعة بأن النظام السياسي الحالي ما عاد ينفع، لكن بعض أسباب ذلك يختلف بين السعودية وهذه الدول، بحيث أن الرياض تعتبر ان انتهاء النظام الحالي يجبب ان يؤدي الى نهاية او إضعاف حزب الله كشرطٍ لقيام دولة أخرى تحظى بدعم من عمقها العربي، بينما بعض حلفاء السعودية يرون ان النظام السياسي والاقتصادي الحالي برمّته ما عاد ينفع، لكن بعضهم لا يستهدف الحزب المتصارع مع الرياض على جبهات عديدة وفي مقدمها حاليا اليمن وانما بنية النظام كلها.
فماهي مثلا نظرة فرنسا لأزمة لبنان ونظامه؟
في الجوهر ترى باريس أن لبنان لا يعاني من أزمة واحدة، وانما من أزمات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى ومتعاقبة ومتداخلة، لكنها جميعها تستند الى أزمتي ” النموذج الاقتصادي-المالي” و” النموذج السياسي”، خصوصا ان ” الثراء الوهمي” الذي كانت الجماعة السياسية-والاقتصادية، توحي به سُرعان ما أظهر هشاشةً عضويةً عميقة فانهار على رؤوس اللبنانيين جميعا. لذلك فالمطلوب للمستقبل وفق ما يشرح مصدر دبلوماسي فرنسي :” إعادة بناء نموذج اقتصادي ومالي وتحديد أفق النموذج السياسي الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وحدة واستقرار لبنان ولكن أيضا تنوّعه ( الطائفي)”.
هذه الخلفية الحقيقية التي تقود ” الرؤيا الفرنسية” لمستقبل لبنان ولدور باريس فيه وعبره، وحرصها على بقائه منارة فرانكوفونية، هي التي جعلت فرنسا تكاد تكون الدولة الوحيدة الثابتة في تكثيف مبادراتها واتصالاتها للحفاظ على مؤسسات الدولة وتطويرها ومنع الانهيار وتخطّي هذه المؤسسات صوب مشاريع متنوّعة تهم الناس مُباشرة، ولذلك فهي تنوّع بين ما هو طاريء :” مساعدات طبية وتربوية وصحية وللقوى الأمنية المختلفة” وما ينبغي أن يكون متوسط وبعيد الأمد لجهة اعادة بناء الدولة . وهذا ما يُفسر الاصرار على دفع الجماعة السياسية اللبنانية صوب الاصلاحات الضرورية، وتشجيع المجتمع المدني على الشروع فعليا في مسارات انقاذ وإصلاح بغية التأسيس لنظام اقتصادي-مالي-سياسي منشود.
فرنسا السعودية: معلومات مفيدة
حين زارت سفيرتا فرنسا والولايات المتحدة الأميركية آن غريّو ودورثي شيا المملكة العربية السعودية مؤخراً، وفوجئتا بأن الرياض لم تُقفل الباب أمام هذه المساعي بشأن لبنان بل فتحت الأبواب لنقاشات مستفيضة، جرى الحديث وفق ما يشرح المصدر الدبلوماسي الفرنسي نفسه حول الأمور التالية:
ما المُنتظر؟
كانت زيارة شيا وغريّو الى الرياض جزءا من اتصالات رفيعة سبقت وأعقبت تلك المحادثات التي أجراها كبار المسؤولين الفرنسيين مع قادة المنطقة، يقينا منهم بأن لباريس دورا مفصليا في الواقع والمستقبل اللبناني، خصوصا وسط شعور كثير من الأوروبيين والعرب بأن لبنان ما عاد مهما على الرزنامة الأميركية الا ما يتعلّق منه بأمن إسرائيل، وهو كما معظم المنطقة قد أصبح على الأرجح خارج الاهتمامات الفعلية الأميركية.
لا أحد يغالي أو يبالغ في كيفية الخروج من الازمات اللبنانية المتعاقبة خصوصا ان الجماعة السياسية اللبنانية لديها قدرة عجيبة على اثارة المشاكل ثم إدارتها وإنتاج مشاكل جديدة، لكن ثمة خطوات باتت واضحة ويتفق بشأنها الجميع حتى لو اختلفت الأهداف:
خلاصة القول
إن القناعات الفرنسية والسعودية والدولية تتقاطع مع قناعات لبنانية داخلية خصوصا من قبل المجتمع المدني بضرورة تغيير النظام القائم، لكن السؤال الذي لا يستطيع أحد حتى الآن الاجابة عليه، كيف سيكون شكل النظام المقبل؟، وكيف سيتوزّع على الطوائف؟. فبعد الاجتياح الاميركي-البريطاني للعراق مثلا، تولّى الشيعة أبرز مقاليد الدولة مع مشاركة كردية فاعلة، بينما أُقصي حزب البعث وحُل الجيش العراقي فتم اضعاف السُنّة بشكل كبير. فما الذي يمنع أميركا الراغبة بالانسحاب من المنطقة والمتمسكة بأمن إسرائيل، بان تعزز دور الشيعة في النظام اللبناني المقبل ثمنا لتسهيل ترسيم الحدود واستخراج الثروات النفطية وضبط الجدار الأمني الممتد من الجولان الى الجنوب وتخفيف سلاح حزب الله، اذا ما تقدمت مفاوضاتها مع ايران وتمت اعادة فتح مسار تفاوضي سوري اسرائيلي بدعم روسي؟ ماذا لو كان صحيحا مثلا، تحويل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان ( الذي سيبقى مسيحيا) الى الاقتراع الشعبي العام، واستحداث منصب نائب رئيس شيعي انطلاقا من أن التوازن الديمغرافي في لبنان اختل كثيرا بين المسلمين والمسيحيين ( يقال 70 مقابل 30 بالمئة؟ ). هل شكل النظام اللبناني المقبل هو الذي يقلق البطريركية المارونية فترفع الصوت عاليا؟ وهل السعودية التي ترى الحوثيين يتقدمون صوب ” الاستيلاء” على النظام اليمني تقلق أيضا من ” استيلاء ” حزب الله على النظام اللبناني الذي كان لها فيه رغم كل عقباته دورٌ جيد عبر السُنّة؟
الواقع أن السعودية التي تتحدث عن وجوب تغيير النظام اللبناني، تستند الى تجربتها الداخلية، وتقول مصادرها إنه كان من المستحيل قبل سنوات أن يفكّر أحد بأن ملكا أو اميرا سعودياً سيُحدث سلسلة الاصلاحات الدينية والتربوية والفنية والاقتصادية وحيال المرأة بالسرعة التي جرت فيها منذ وصول الامير محمد بن سلمان الى منصب ولاية العرش، لكن هذا حصل وجذب معظم الشباب السعودي الى هذا المشروع الاصلاحي. وإنه كان من المستحيل قبل أشهر التفكير بأن الحشد الشعبي في العراق سيُصاب بانتكاسة انتخابية، لكن هذا حصل في الانتخابات الأخيرة، فلماذا لا يجري الأمر نفسه في لبنان؟
كل ما تقدم، مجرّد اسئلة وهواجس، وربما من السابق لأوانه طرحها، لكن من يستمع الى المسؤولين الغربيين، يُدرك تماما كما قال لنا مصدر دبلوماسي فرنسي ان الوقت حان لاعادة بناء نظام اقتصادي-مالي وعلى الارجح سياسي، لوقف نظام الوهم الذي كان قائما حتى الآن على الاقل اقتصاديا.
———————————————————————————————————————————-
معلومتان اضافيتان من مصدر دبلوماسي فرنسي:
La télécommande, l’arme silencieuse du pouvoir domestique Nadine Sayegh-Paris La télécommande n’est pas qu’un outil.…
الشرق الاوسط كشفت تقارير إسرائيلية معلومات جديدة عن اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله»، السيد…
Le 1er mai, une fleur, une histoire ! Nadine Sayegh-Paris Tout a commencé au Moyen Âge,…
سامي كليب لم يخف بنيامين نتنياهو يومًا أطماعه. عرضها بالتفصيل في كتابه "مكان بين الأمم".…
Pâques : un kaléidoscope de traditions en perpétuelle évolution ! Nadine Sayegh-Paris La fête de Pâques…
La fragrance de la Mésopotamie qui a envoûté le monde entier ! Nadine Sayegh-Paris L’histoire des…