آخر خبرمقال اليوم

الصحراء الغربية وعنق زجاجة الامم المتحدة..

هادي جان بو شعيا-بيروت

وافق مجلس الأمن الدولي على تمديد مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية لعام إضافي، معبرًا عن قلقه من خرق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في عام 1991 بين المغرب وجبهة البوليساريو. ويدعو لإحياء المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة. ووافقت على القرار ثلاث عشرة دولة مع امتناع روسيا وتونس.

ينص قرار مجلس الأمن على ضرورة تحسين وضع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين في تندوف الجزائرية. وحث القرار أطراف النزاع على استئناف المحادثات دون شروط مع الأخذ بعين الاعتبار الجهود التي بُذلت منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة مع ضرورة السعي لإيجاد حلول سياسية عادلة ودائمة ومقبولة من جميع الأطراف، مما يفسح الطريق لحق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.

كما شدّد القرار على ضرورة القيام بذلك بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة ومراعاة دور ومسؤولية الأطراف ذات الصلة، مرحّبًا بتولي الديبلوماسي المخضرم ستيفان دي ميستورا رئاسة البعثة الأممية، ولا يتضمن القرار أي ذكر لتأييد واشنطن لسيادة المغرب على الصحراء الغربية وهي خطوة اتخذها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قُبيل أيام على نهاية ولايته مقابل تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل.

وإذا ما تمحصّنا في مضامين قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية نجد أن هناك أكثر من قراءة، خصوصًا في ظل الحفاظ على عام كامل لمهمة مينورسو الأممية والذي يعتبر أمرًا إيجابيًا على الرغم من تحفّظ بعض الدول وعلى رأسها روسيا التي لم تكن راضية عن هذا التمديد.

كذلك يمكن التمعن في اللغة المستخدمة في قرار المجلس مثل مصطلح “الأطراف”، بمعنى أن هناك أكثر من طرفين معنيَيْن في هذا الملف ما يقودنا إلى وجود ما لا يقل عن أربعة أطراف رئيسية كما جاءت في أدبيات القرارات السابقة والحديث هنا عن المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا. إذا صيغة الأطراف وليس الطرفين على عكس ما كانت تسعى إليه الجزائر وتدعمها في ذلك روسيا.

لكن، من ناحية أخرى، تبرز بعض العبارات الفضفاضة، إذا جاز التعبير، فضلاً عن قضية العملية السياسية ودعوة الأطراف ذات الصلة إلى التعاون من دون شروط مسبقة، ما يوحي أن المجلس لم يبتعد كثيرًا عن هذه الأدبيات التقليدية، والتي كما يقول البعض أصبحت لا تؤتي أُكُلها، حيث كانت التوقعات تراهن على انتهاج مسار وقرار أكثر براغماتية، والسؤال هنا هل هناك مسار قابل للتطبيق أم أنه مجرد قرار لإدارة الأزمة؟!

خلفيات تعديل القرار 

  يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية حاولت أن تكسب بعض الوقت ومن ثم التوفيق بين العديد من المقترحات المقدمة، خصوصًا أنه لعديد من الدول الحق، حتى وإن كانت خارج عضوية مجلس الأمن، أن تقدم اقتراحات على غرار الجزائر. لكن رغم كل ذلك حاولت الولايات المتحدة المهتمة الاولى بصوغ هذه المسودة الحصول على التصويت قبل نفاد مهلة التقرير.

وفي محاولة للإجابة على المتغيرات التي دفعت نحو تعديل القرار يمكن رصدها على النحو الآتي:

– الخوف من قبل عدد من الدول، وفي مقدمها روسيا والجزائر، أن يكون هناك تذكير بالجهود التي بُذلت من قبل الإدارة الأميركية السابقة.

– الإرادة الفرنسية الداعية إلى التشجيع أو الثناء على المبادرة المغربية الخاصة بالحكم الذاتي.

اللافت إذا أن الولايات المتحدة لعبت هذه المرة دور الوسيط بين العديد من المقترحات، خصوصًا بين فرنسا وروسيا للخروج بورقة لا تلزم أحدًا من الأطراف.

لكن، في الوقت نفسه، يدعو التقرير الأطراف المتنازعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات والبناء على الجهود المبذولة منذ عام 2006.

والسؤال كيف ستتعامل الجزائر مع هذه الدعوة بعدما رفضت المشاركة في أي مفاوضات مع كل من المغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا؟

قد يجوز القول هنا إن القرار لم يعطِ أي صيغة ولم يرسم أي مسار حول كيفية سير المفاوضات ما يشي بأنها ستكون على شاكلاتها السابقة من مائدة مستديرة التي ستعقد في جنيف، بالإضافة إلى الجولات المكوكية كما دأب على ذلك جميع الأمناء العامين السابقين. لكن من الصعب جداً إحراز أي تقدم من قبل دي ميستورا مع إعلان الجزائر رسميًا أنها غير معنية بالمائدة المستديرة وقولها إن القضية تخصّ المغرب وجبهة البوليساريو فقط.

في الوقت نفسه، سيكون من الصعب على الأمين العام أن يحرز تقدمًا في هذه الجهود دون إشراك دولة مهمة مثل الجزائر بالإضافة إلى موريتانيا

نقطة ثانية، من الواضح أن المشكلة نفسها ستعود لتطل برأسها من جديد كما حدث مع الأمناء العامين السابقين، ذلك أن هناك تعويلاً كبيرًا من قبل مجلس الأمن الذي يعمد إلى التجديد كل عام دون النظر إلى الإصلاحات المطلوبة داخل المجلس وإضفاء أسلوب جديد وطريقة فعالة وليس مجرد التعويل على مبعوث أممي ليس لديه الكثير من الصلاحيات.

امتناع روسيا وتونس عن التصويت

يأتي الامتناع الروسي عن التصويت بُعيد رفض موسكو المسودة الأولى التي صاغتها واشنطن، نظرًا لما تتضمنه من دعوة الجزائر للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا، وذلك مرده لجملة أسباب:

– انعدام الثقة بين موسكو وواشنطن، ولعل الشرخ والصراع الحاصليْن في العلاقات بين البلدين خير دليل على ذلك وارتداداته على ملفات كثيرة أخرى وربما يمثل ملف الصحراء الغربية أحد جزئياتها الصغيرة.

– الفتور أو البرودة في العلاقات الروسية-المغربية  لأسباب عدة أبرزها كان ميل المملكة للمحور الأميركي عقب اعتراف الإدارة الأميركية السابقة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

– اعتبار المبعوث الروسي إلى مجلس الأمن أن الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة بخصوص ملف الصحراء الغربية تتسم بالعبثية، داعيًا إلى مقاربة جديدة.

أما بالنسبة لتونس فقرارها ليس مستغربًا، خصوصًا أنها لطالما كانت ولا زالت تحاول رأب الصدع في العلاقات المغاربية وإصلاح ذات البين وربما قد تكون اختارت النأي بالنفس عن هكذا صراع لأنها تدرك جيدًا أن هذا الملف يتجاوز قدرة تونس على معالجته، فضلاً عن احتفاظها بعلاقات جيدة مع الرباط والجزائر ويمكن إدراجه ضمن سياق المواقف الديبلوماسية والحيادية.

ترحيب مغربي… وحقوق الإنسان

تأتي صيغة القرار “التوفيقية” لتحثّ وتشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان في كل من الصحراء بمعنى المناطق التي يسيطر عليها المغرب وكذلك على تندوف (معقل جبهة البوليساريو) التي تقع ضمن السيادة الجزائرية، وعليه ينبغي أن نستحضر الموقف الفرنسي والذي دفع باتجاه عدم حصر مسألة حقوق الإنسان ضمن سياق التقرير على الصعيد المغربي فحسب، بل جعل المسؤولية موزعة على الطرفين بالتساوي في إشارة قوية من مجلس الأمن الى ضرورة مراعاة هذه الحقوق، علمًا أن القرار لم يشر إلى أن مراقبة حقوق الإنسان من صلب مهمة بعثة مينورسو، لكن المصطلحات المستخدمة في التقرير تبرق برسالة بالغة الدلالة، ولو بطريقة غير مباشرة إلى أن دلالات بعض العبارات تجعل مسألة حقوق الإنسان في صلب مهام البعثة والمراقبين الدوليين. كما أن المبعوث الأممي الجديد دي ميستورا سيجد نفسه مرغمًا على إثارة هذا الموضوع سواء كان في الرباط أو في تندوف أو في الجزائر أو حتى في نواكشوط.

في الختام، لا ينبغي الاحتكام إلى النصوص باعتبارها ستُسقط الحلول على هذه القضية الشائكة من السماء، وإذا ما تم رصد الواقع الميداني يبدو أن الملف يواجه معضلتين اثنتين:

الأولى، إذا ما قورن هذا التقرير بالتقارير الأخرى ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن وعن الأمناء العامين منذ العام 1991، يُعتبر أحد أضعف التقارير بشأن نزاع الصحراء، نظرًا لمحاولة بحثه عن ملامح عملية سياسية فيما الجزائر والمغرب يُعتبران أبعد مسافة من الحوار من أي وقت مضى.

الثانية، اعتقاد الأطراف المعنية (الجزائر والمغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا) أن الحلّ سيولد من رحم الأمم المتحدة ومجلس الأمن في نيويورك والاعتقاد نفسه يسود في أروقة الأمم المتحدة أن أطراف النزاع ستتمكن في نهاية المطاف من اجتراح الحلول، ما سيبقي الملف في دوامة دامت لأكثر من جيلين من الزمن.

المطلوب اليوم وإذا ما توافرت النوايا الحسنة إحداث ثورة داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لناحية توفير الأرضية لحل الازمات وتوفير الصلاحيات اللازمة لها وتغيير فلسفة العمل والخروج من عنق الزجاجة التي تدور في فلك إدارة النزاعات ليس إلا!

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button