نساءٌ أصبحنَ رِِجالاً في ألبانيا لسببٍ نبيل.
باريس-ميراي حدّاد
حين تسيرُ ديانا في شوارع العاصمة الألبانية اليوم، تبدو كرجلٍ سبعيني العمر، واثقا من نفسه، يسحب سيجارته من علبتها وسط الطريق. يبحث في أحد جيوب سترته المتعددة الجيوب عن الولاّعة، يُشعل السيجارة، وينفث دُخانها في الهواء ويكمل الطريق. يرتدي (أو ترتدي ليس مهما) قميصا زرقاء وربطة عنق حمراء وقبعة (بيريه)، ولولا أصابع يديه ( أو يديها) النحيفتين أكثر من يد الرجل العادي، لما عُرف هل هو رجلٌ أو إمراه.
كما تُلاحظ يا صديقي القارئ، فأنا حائرة بين أن أقول ” يرتدي” أو ” ترتدي”، لكن حيرتي طبيعية، ذلك أن هذا النوع من الناس، حيّر كثيرين غيري قبل أن يعرفوا حقيقة القصة. وأرجوك يا صديقي القارئ لا تسارع وتتسرّع، وتقول إن هذه الفتيات ” متحولات جنسيا” أو ” إنهن” شاذات. بالعكس تماما، هنّ عاملات كادحات ومسيحياتٍ مؤمنات، لكن قوانين وظروف وتقاليد المجتمع وشظف العيش القروي النائي الذي عِشنَ فيه، فرضوا عليهن شروطا قاسية، فقرّرن التحول ظاهريا الى رجال، واذا كانت إحداهن قررت ذلك حُبّا بالنساء، فهذا كان استثناء وبقي مخفيا.
اليك القصة كما هي، وكما نشرتها اليوم صحيفة Le courier international الفرنسية نقلا عن مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في تيرانا عاصمة ألبانيا، وأنا نقلتها بدوري عن الفرنسية، لأني لا اتقن الألبانية ولم أحصل على النص الإنكليزي الاصلي، فأرجو ان تعذرني. ولماذا لا تعذرني أصلا، وأنا اخبرك قصة جميلة ومهمة!!
الواقع أن بعض المناطق الريفية في جمهورية ألبانيا الأوروبية، عاشت طويلا قوانين المجتمع الذكوري ( التي ما زلنا نعرف الكثير منها في الكثير من مناطقنا العربية)، بحيث أن النساء يعِشن فقط لخدمة رجالهن والاشراف على تربية أولادهن وهن محرومات من معظم حقوق الحياة. وبما أن ذكاء النساء عظيم وليس فقط “كيدهن”، فقد وجدن طريقة ذكية وغريبة للقفز فوق تلك القوانين في المناطق الجبلية والشمالية لألبانيا، حيث قرّرن التحوّل الى رجال، هكذا بكل بساطة، ودون إجراء أي عمليات جسدية، ولا تحول جنسي…. هل تريد أن تعرف كيف يا صديقي القارئ؟ طبعا تُريد ولذلك سأشرح لك الأسباب والنتائج.
أما الأسباب: فذلك لأن بعض الفتيات في ذاك المجتمع الذكوري القاهر، أردنَ الهرب من الزواج القسري، أو الحلول مكان رب البيت المتوفّي لتأمين قوت العائلة حين لا يوفّر الرجل، أو العيش كالرجال في مجتمع منغلق وقاسٍ لجهة الخروج وممارسة الحياة اليومية بشيء من الحرية، ثم أضيف سبب أكثر خطورة، وهو أن الرجال في تلك الأرياف كانوا يتقاتلون حتى الموت بسبب الثأر والثأر المضاد، فيُباد كثيرٌ من الرجال ولا يبقى غير النساء لخدمة العائلات، والمهم هُنا هو أن المرأة التي تقرر أن تصبح رجلا، لا ينطبق عليها قانون الثأر، فتمارس دورها كرجل دون أن تُقتل.
كل هذا جيد، لكن ما هو غير جيد، يكمن في أن الفتيات اللواتي تقرّرن أن تصبحن رجالا، عليهن الالتزام بقوانين صارمة ( وعلى فكرة كلمة قانون العربية هي نفسها التي تُستخدم باللغة الألبانية وذلك منذ كانت الحضارة العربية والإسلامية قد وصلت الى تلك البلاد ، لو تذكرون) .
من القوانين الصارمة مثلا: أن اللواتي تُصبحن رجالا وتلبسن وتتصرفن كالرجال وتتمتّعن بحق أخذ القرارات كالذكور، عليهن قسمُ اليمين بأنهن لن تتزوجن طيلة حياتهن تماما كالراهبات وتحافظن على عذريتهن، ولذلك وُصفن ب “الراهبة تحت القسم” بدلا من الوصف السابق ” المرأة-الرجل”، وعليهن ارتداء ملابس الرجال وعدم وضع أي زينة أو مساحيق أو أي شيء يوحي بأن أصلهن نساء .
بعد التطورات والتحولات الكثيرة التي عرفتها ألبانيا خصوصا منذ انتهاء العصر الشيوعي فيها، وبعد فتح الأرياف على المدن، والتطورات الكبيرة في عصر التكنولوجيا والصناعة وغيرها، تغيّر الكثير من عادات المجتمع الريفي، ولم يبق اليوم من تلك النساء الاّ قليلات جدا بمتوسط أعمار يتراوح بين 60 و70 عاما.
في مقابلة أجريت مؤخرا مع إحدى الآنسات اللواتي تحوّلن الى رجل، تقول ” لم يكن بإمكاننا إقناع الرجال بتساوي حقوقنا، فقرّرنا أن نصبح رجالا مثلهم وصارت لنا الحقوق نفسها وواجبات أقل، فاستطعنا أن نعيش بأمان أكثر ولكن ربما بعواطف أقل، فقد كرّسنا حياتنا للعمل ولعائلاتنا دون التفات الى القلب، أما اليوم فنشعر بأن نضالَنا أثمر أشياء عظيمة ” .
فعلا إن ذكاءهن لعظيم.