سامي كليب:
ثمة ساسة يحوّلون بلادَهم الى جنّة على الأرض، ويرفعون اسمَها الى السماء، وآخرون يقتلون الجنّةَ في بلادِهم ويجعلونها في أسفل قائمة الدول. هذا ما يتبادرُ فوراً الى ذهن كلّ لُبناني لحظةَ وصولِه الى “قازان”، هذه العاصمة الساحرة لجمهورية تتارستان الروسية الزاخرة بالحيوية والنشاط وسطَ طبيعةٍ خلاّبة وشوارع نظيفة ومبانٍ أنيقة ونهضة اقتصادية وتكنولوجية وانسجام ديني نَدُرَ نظيرُه في العالم.
كيفما قلّبتَ ناظريكَ هُنا حيث الكنائسُ العريقة والأنيقة بأيقوناتها وفنّها المعماري، تُجاورُ المساجد النظيفة والأنيقة والمزخرفة بفنونٍ معمارية ونقوشٍ رائعة وسجّادٍ أزرق مُهفهَف، ستجدُ الجمالُ يُحيط بك من كل حَدَبٍ وصوب. وقد تسمع وأنت في قلب الكنيسة، صوتَ الآذان من المسجد المُجاور ، تماماً كما ستسمع أصوات الفنّانين الذين يملؤون الشوارع في هذه الأيام الصيفية ذات الحرارة المُعتدلة، يُنشدون أجملَ الأغاني الروسية او التتارية أو العالمية، وسط الوجوه الجميلة والمُبتسمة.
لا بأس أن تخرُج نهارا أو ليلا، فالأمن من أخلاق الناس وليس مفروضا بالقوة. لن تتعرض هنا لسرقة ولا لبلطجة، ولو صودف أن تهجّم عليك أحدهم في الشارع بعد منتصف الليل، فهو حتما شرِبَ من الخمر أكثر مما ينبغي، ويكفي أن تقول له أن يتركك تُكملُ طريقَك حتى يُهمهم ببعض الكلمات غير المفهومة ويُكمل الطريق. وهذه حالات نادراً ما تحصُل.
وقد يدعوك أحد الأصدقاء الى شركة عملاقة للتكنولوجيا في هذه العاصمة التي تعوم فوق بُرك الماء والأنهار (لذلك سُميّت على الأرجح قازان)، فيُبهرُك مستوى التقدم التكنولوجي الذي لا شك يُقارع أهم الشركات العالمية ، لا بل ويتفوّق عليها، فهنا قرّر رئيس البلاد منذ فترة طويلة وبالتعاون مع موسكو، الانتقال الى مرحلة المكننة الكاملة والتحول الى عصر التكنولوجيا العالية لأن ذلك هو سمة التقدم والاستعداد للمُستقبل.
وفي هذه البلاد التي طبعت المصحفَ الأول، والتي أُعلن فيها الإسلام رسميا قبل 1100 عام، تحوّلت المقامات الدينية الى متاحف، يستقبلك أريج الورد خارجها ورائحة البخور أو العطور في داخلها، ويسير الناس فيها بصمت المؤمنين الحقيقيين، حتى لتكاد لا تسمع سوى الصمت والخشوع. ولو سألت عن سرّ الاعتدال الإسلامي هنا، ستسمع روايات كثيرة عن أصل الإسلام وارتباطه بالطرق الصوفية، ولكن أيضا عن وجوب أن يحمل كلّ إمام شهادتين، واحد بعلوم الدين وأُخرى بعلوم الدُنيا، وأن يمارس تقواه وعمله ليس فقط داخل المسجد وإنما ومع الناس وبينهم، خصوصا أن المساجد هنا كما الكنائس مفتوحة للجميع طيلة الوقت.
تفرحُ من عميق قلبك لكل هذا السحر الطبيعي والتقدّم المُجتمعي ، وتحزن من صميم القلب لما آلت اليه أوضاع بلادك التي تركتها قبل أيام مقطوعة الكهرباء والبنزين والمازوت والدواء وكثير من الغذاء ونادرة المياه ، وعالقة في صراع قبائل القرون الوسطى على اسم وزيرٍ من هنا ووزير من هُناك، وحزينةٌ رغم أنها أكثر من يستحق الفرح.
وحين تسأل عن ممثلِ لبنان في هذه القمة العالمية الروسية الاسلامية العربية، يُقال لك إن بيروت ولسبب تجهله ( وهو حتماً سبب غبي أو ربما بسبب الصراع على مذهبِ من سيأتي) لم توفد أحداً الى هذه القمة العالمية بينما الاتراك ودول الخليج وإيران وسوريا وغيرهم موجودون هنا للبحث في مجالات التعاون المُقبل.
نعم، يجب أن نعترف أن معظم ساسةِ بلادنا، قتلوا الوطن ونهبوا مقدّراته ودمّروا الدولة، وأن معظم الشعب ساهم في إعادة انتخابهم مرات كثيرة، ليقتلوه مرّاتٍ أكثر. أما هُنا في تتارستان، فكلّ يوم مشروعٍ جديد، وكلّ يومٍ عنوان لنهضة إضافية، وهذا هو بالضبط الفرق بين الجحيم والجنّة.
ملاحظة: التفاصيل والأرقام والمعلومات والصور ستكون قريبا في فيلم وثائقي أبثه على قناة يوتيوب.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…