سامي كليب
فضائح التجسس المتتالية التي ملأت الإعلام العالمي في اليومين الماضيين، وهزّت أنظمةً ودولاً وعروشا ورؤساء وإعلاميين وسياسيين، لا تقلّ خطرا عن جائحة كورونا، فهي تفتك بحياتنا الخاصة وتقتل كل خلايانا السرّية وتمنعنا من التنفّس، فمن يُحاسب؟ وما هي الآلية التي تعيد ألينا بعضا من حميميتنا التي سعى البشرُ منذ وعيهم الى الحفاظ عليها؟
كلُّ شيء بات مكشوفاً، كلُّ تفصيل في حياتنا: ماذا نأكل، الى أين نذهب، بماذا نفكّر، ما هي رغباتنا؟ ماذا نشتري؟ ما هي ميولنا؟ ما نوع أمراضنا؟
بعضُ المتجسّسين علينا يهتمون بالجوانب الأمنية والتأثيرات السياسية والاجتماعية على الناس والمجتمعات لسوقهم كالقطعان في مسارات معيّنة، بينما بعضُهم الأكبر يسعى لتحويل البشر الى حقل تجارب، أو الى سوقٍ تجاري مفتوح، يبيعونهم ما يحتاجون ولا يحتاجون.
العربُ وللأسف الشديد في ذيل القائمة. فهم السوق، وهم حقلُ التجارب، وهم المُشترون، بينما إسرائيل تخترق مجتمعاتهم وناسهم وأحزابهم وقادتهم وإعلامهم وشركاتهم، إن لم يكن لمصلحتها المُباشرة، فلمصالح زبائنها، كيف لا وهي تسيطر على أكثر من 10 بالمئة من الأمن السيبراني العالمي، وتُنتج الكثير من المعدّات الالكترونية وبرامج الكومبيترات والانترنت.
لا يملك العرب أيَّ مُحرّك بحثي عبر الانترنيت، وليس في أياديهم أي مفتاح لكل ما يستخدمونه، وهم يتبارون فقط في أن هذه الدولة صارت الأولى بسرعة الأنترنيت وتلك صارت الشبكة العنكبوتية فيها تُغطّي معظم أراضيها، بينما القرار المركزي لسير أو تعطيل كل ذلك ليس في أياديهم.
لعلّنا أمام سؤالين مفصليين بعد أن اندلعت فضائح التجسس في اليومين الماضيين من خلال برنامج إسرائيلي بيع لدول عربية وغير عربية. أولهما من يُحاسب إسرائيل أو غيرها خصوصا أن شركة “NSO Group ” الإسرائيلية التي تنتج برنامج التجسس الذي افتضح أمره، سارعت الى القول إن زبائنها يخضعون لتقييم دقيق؟ وثانيهما: هل سيبقى العرب على هذه الدرجة من التخلّف الالكتروني والعلمي بينما إسرائيل فاقتهم بأشواط كثيرة على يمينهم وإيران تقدمت عليهم كثيرا على يسارهم والغرب والشرق يبيعونهم المُحرّكات والتكنولوجيا دون قدرة على امتلاك أي من مفاتيحها؟
هذه هي الحروب المُقبلة في العالم، ومن لا يملك العلم والتكنولوجيا، عليه أن يكون مجرّد بيدق على لعبة شطرنج كبيرة، يجتمع حولها أصحاب العقول التكنولوجية الخلاّقة والجهنمية، ويتلاعبون بالعقول الضعيفة الساذجة أمامهم.