Categories: مقال اليوم

سورية ودرس الاسكندر الكبير!

عقيل سعيد محفوض

يبدو المشهد السوري، بالغ التركيب والتعقيد، أمور متداخلة، بين عدد غير محدد من الأطراف في الداخل والخارج، وعدد لا نهائي من الرهانات والسرديات واتجاهات الفعل والتأثير. أمور متداخلة كل منها يمثل شرطاً للآخر، وما من أفق للحل.

ما الذي يمكن فعله، والحال كذلك؟ ولا بأس من الاستعانة بالأساطير، ففيها الكثير من الدروس والعبر، كيف إذا كان الدرس عن واحد من أعظم العقول والقادة المتنورين والفاتحين في التاريخ، وهو الاسكندر الكبير؟

جاء في قصص الإغريق القديمة أن “غورديوس” ملك فريجيا (في الأناضول الآن) قد صنع في أحد الأديرة عقدة من الحبال، وأحكم شدها، وأَلغَزَها بكيفية استعصت على الحل، وشاع أن من يستطيع “حل” تلك “العقدة”، سوف يتمكن من السيطرة على الشرق. وقد بقيت العقدة مستغلقة، لزمن غير محدد، حتى تمكن الاسكندر الأكبر من “حلها”.

كيف؟

تقول القصة أو الأسطورة ان الاسكندر الكبير  عندما قصد دير “غورديوس”، مستعلماً عن العقدة إياها، أخبره الكاهن عن أشخاص كثيرين، منهم قادة وأمراء وحكماء، جاؤوا إلى الدير محاولين حلها، إنما دون جدوي. وعندما هم الاسكندر بالدخول إلى الحجرة حيث العقدة المذكورة، قال له الكاهن: ان ثمة قواعد يجب الالتزام بها. وأخبره بها.

كان ثمة عوائق معرفية تحول دون حل العقدة، منها: القواعد التي توجب على الفاعل الالتزام بها، وهي نفسها التي منعت مسبقاً من الحل، لأنها أغلقت الباب بين الفاعل وبين الإمكان، ومنعته من التفكير خارج النمط. ومنها المدارك والصور النمطية الشائعة والمستقرة لدى الناس، التي جعلت أي محاولة للحل، نوعاً من “مزاولة المستحيل”، إذ كيف يمكن للفاعل حل عقدة لم يتمكن قادة وملوك وأمراء وحكماء كثيرون من حلها؟

ومن ثم كان الأهم بالنسبة لقائد عظيم مثل الإسكندر هو: تحرير  الأنا من سطوة الموضوع، والإرادة من ثقل الشروط والقواعد، وتحرير العقل من حدوده وقيوده هو نفسه، وتحرير الفاعل نفسه من خبرته ومداركه عن نفسه وعن صورته وعن العالم من حوله، تحريراً فعالاً وإبداعياً.

بعد لحظات خرج الاسكندر من الحجرة، قائلاً: لقد تم الأمر. نظر الكاهن داخل الحجرة وقال مندهشاً: لكنك ضربتها بالسيف، وهذا مخالف للقواعد؟ أجاب الاسكندر: لكنها حُلَّت، وهذا هو المهم. ومن أجل أمور من هذا النوع، لا بأس من إجراء بعض التغيير في القواعد. قال الكاهن: سيدي المبجل، ها إن أبواب الشرق قد فتحت لك!

المغزى من عقدة غورديوس، والطريقة التي حُلّت بها، هو أن الأزمات والعُقَد إذ تصل إلى نقطة أو مستوى من التعقيد والغموض والإرباك والاستغلاق، فهذا يعني أن مدارك وأدوات وكيفيات التعاطي معها لم تعد قابلة للعمل، وأنها “قليلة الكفاءة” أو ربما “منتهية الصلاحية”! ولا بد من القيام بمراجعة؛ وأن الأمور تتطلب حسماً من نوع ما، وخروجاً عن النمط، وتحريراً للأفكار والأدوات والافاق، على غرار الأسطورة المذكورة، وهو ما يجعل منها “حداً فاصلاً” بين ما كان من قبل وما يكون من بعد.

لا شك أن المهمة صعبة، إلا أن الهمم الكبيرة تجعلها ممكنة.

عشتم وعاشت سورية

lo3bat elomam

Recent Posts

Nos amis les animaux, une histoire vieille comme le monde !

Nos amis les animaux, une histoire vieille comme le monde ! Nadine Sayegh-Paris Les animaux…

4 hours ago

La télécommande, l’arme silencieuse du pouvoir domestique

La télécommande, l’arme silencieuse du pouvoir domestique Nadine Sayegh-Paris La télécommande n’est pas qu’un outil.…

2 weeks ago

معلومات جديدة عن اغتيال نصرالله

الشرق الاوسط كشفت تقارير إسرائيلية معلومات جديدة عن اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله»، السيد…

2 weeks ago

Le 1er mai, une fleur, une histoire !

Le 1er mai, une fleur, une histoire ! Nadine Sayegh-Paris Tout a commencé au Moyen Âge,…

3 weeks ago

ترامب-نتنياهو بعد سايكس-بيكو، فهل من مشروع عربي؟

سامي كليب لم يخف بنيامين نتنياهو يومًا أطماعه. عرضها بالتفصيل في كتابه "مكان بين الأمم".…

3 weeks ago

Pâques : un kaléidoscope de traditions en perpétuelle évolution !

Pâques : un kaléidoscope de traditions en perpétuelle évolution ! Nadine Sayegh-Paris La fête de Pâques…

4 weeks ago