سامي كليب:
على معهود عادته. قال الحاج محمد رعد كل ما يُفكّر به حزب الله دفعة واحدة بلا أقنعة ولا مجاملات، فأنهى بما قاله مُبادرة الرئيس نبيه بري الهادفة الى تأليف الحكومة، وأعاد مُشكلة الرئيس المُكلّف سعد الحريري الى من وصفهم ب ” أسياده الذين اسقطوه وما عادوا قابلين بإعادته”، واعتبر أن جوهر الأزمة الحالية في لبنان هو سعيُ المحور الآخر لانتزاع الأغلبية النيابية في الانتخابات المُقبلة، وأكد أن إسرائيل لا تستطيع حاليا خوض أي حرب.
الحوار الذي حمل تلميحات كثيرة حول تركيبة النظام، حيث إن ” حزب الله يُطالب بالتوازن في ممارسة السُلطة”، لم يوفّر بعض الحُلفاء من ” اللطشات” اللمّاحة للتعبير عن تباينات معهم، وبينها مثلا مسألتا ترسيم الحدود والموازنة. لكن هذا الحوار (وللأسف) خلا من أي سؤال حول المعلومات المتوفّرة بشأن المفاوضات الإيرانية الأميركية، والإيرانية السعودية، والسعودية السورية، وبشأن زيارة رعد نفسه قبل فترة الى موسكو حيث رُسمت خطوط كثيرة. ورغم أن هذه الأمور كبيرة التأثير، لا بل حاسمة، على مستقبل لبنان والمنطقة، الا أننا لا ندري اذا كان الحاج اشترط عدم ذكرها في الحوار ، أم ان الزميلة القديرة وذات الاطلاع العميق بثينة عليّق قصّرت في عدم السؤال.
واللافت في حدث رئيس كتلة المقاومة في مجلس النواب، والمعروف بصراحةِ كلامِه وحسمِ اتهامه، أنه ناقض اليوم، كما يُناقضُ دائما، معظم الأصوات التي تدّعي الحديث باسم حزب الله ولا تعرف فعليا ما يدور في كواليسه، ولعل المثال الصارخ على ذلك هو ما قاله حول رحلة السفيرة الفرنسية آن غريّو الى الرياض، موضحا ان السفيرة على علاقة يومية مع العلاقات العربية والدولية للحزب وأنها أخبرتهم بكل ما قامت به في الرياض مع السفيرة الأميركية وان ذلك يتعلق بالشؤون الإنسانية في لبنان. وهو بقوله هذا إنما ناقض كل ما قيل حول ” مؤامرة ” تقوم بها السفيرة مع نظيرتها الأميركية والسعودية لإعادة الوصاية على لبنان، وحول قطع العلاقة بين الحزب وباريس.
ويُمكن اختصار ما قاله رعد بالتالي تقريبا:
- لا حرب متوقّعة مع إسرائيل. ذلك أن ” التصريحات الإسرائيلية الخُنفُشارية حول حرب ثالثة على الأبواب، تشي بنية عُدوانية لدى الدول الداعمة والمُشغّلة لإسرائيل، أما في إسرائيل نفسها، فلا إرادة لذلك، لان السلطة أعجز من أن تشنّ حربا، والجمهور أجبن من أن يواجه حربا”
- لا حكومة بقيادة سعد الحريري. لان ” سعد الحريري حاول أن يتأقلم مع أغلبية مناهضة لمشروعه فأسقطه أسياده ولم يقبلوا بعودته حتى الآن، وان الرئيس المُكلّف لا يريد ان يُشكّل أو يعتذر، لكن ربما يريد الاعتذار، خصوصا أن لا فرصة لتشكيل حكومة تنهض بالوضع الاقتصادي، وأما الحكومة العتيدة فتريد انتخابات لانتقال الأكثرية من جهة الى جهة أخرى، وثمة من طرح تأجيل التأليف الى شهر أيلول قبل أخذ موقف حاسم لجهة القبول أو الاعتذار ونكون حينا قد اقتربنا بشكل جدي من الانتخابات أي قبل 7 أشهر، وحينها يعتقدون أن أموالا ستأتي وتنعش الأوضاع ( أموال انتخابية) وهؤلاء يُمنّون النفس بالوصول الى الأكثرية عبر التلاعب بسعر الدولار “
- هدف تطويق لبنان حاليا هو الضغط على ” أكثرية تنتمي الى محور لا يقبل بصفقة القرن ولا الاستسلام للمشروع الأميركي ولا يقبل الخضوع لهيمنة أميركا والدول الغربية، لكن يبدو أن القيادات المتجذّرة والجديدة والعابرة في لبنان، لا تقرأ الدروس جيدا “
- انتخابات: ” طالما نحن ذاهبون اليها، وطالما أن هدف الخصم هو الحصول على الأكثرية فيجب تصحيح النموذج، والآن حزب الله لا يتصدى عبر تقديم نموذج جديد لأنه يرى ان المرحلة غير مناسبة لذلك، لكنه يُطالب بالتوازن في ممارسة السلطة”
- اقتصاد وحاكم المصرف: ” النموذج الاقتصادي المصرفي لم تقدمه المقاومة، وهذه السلطة لا تُحسب على حزب الله وكيف يُعقل ان تكون لجنة التحقيق الخاصة برئاسة المُتهم أي حاكم المصرف، ونحن قدمنا قانونا لتغيير ذلك “
- الحلفاء: ” ليس من السهل علينا تصديع تحالفاتنا لأجل اللاشيء، وما زلنا نملك الوقت الكافي لإعادة النظر، لأننا حين نرسم تحالفاتنا لا نرسمها كيفما اتفق، وما زلنا نثق بمن يشد على ايادينا في مقاومة العدو، لكن ليس كل من تحالفنا معه في التصدي لإسرائيل هو في خط داخلي واحد معنا “
- ترسيم الحدود: ” حين يختلف مسؤولان حول الترسيم تنتهي الثروة النفطية ويُجمّد كلُّ شيء، وحاليا توجد روايتان حول الترسيم وكذلك حول الموازنة “
- أميركا:” بالأمس قال الأميركي ان حزب الله لا يُسيطر على لبنان لكنه لا يستطيع فرض إصلاحات يريدها، وهل الأميركي يستطيع فرص اصلاحاته؟”
- الاقتصاد:” نحاول قدر الإمكان رفع الأذى عن ناسنا وتفادي الجوع وتقديم خدمات في ساعات الشدّة أي اننا نقوم بدور إغاثي، هذه حدودنا ولا نستطيع أن نكون بديلا عن الدولة، ولو أردنا ان نرسم مخططاتنا على ضوء أحلام الناس، فان دولا كبيرة وكاملة تعجز عن ذلك، فكيف نحن؟”
- الانهيار الكبير لم يحصل: ” ذلك ان الانهيار الكبير يعني زوال الكيان اللبناني، او على الأقل سقوط الدولة، ومثل هذا يحتاج الى دول وصاية وقوى اجنبية وإعادة رسم خرائط المنطقة ومعادلاتها، وهذا ليس موجودا الآن، لكن ثمة اناسا يتواطؤون مع قوى خارجية، ويريدون انتزاع الأكثرية النيابية”
كل ما قاله الحاج مُحمد رعد مثير للانتباه والاهتمام والعمل بمقتضاه، لكن الغريب الذي يتكرّر في لغة مسؤولي حزب الله جميعا تقريبا، هو التأكيد على أنهم غير قادرين على تصحيح الخلل الحالي في أوضاع لبنان الذي ينهار يوما بعد آخر ويجوع شعبه يوما بعد يوم وتتهدم مؤسساته ساعة بعد ساعة، فكيف لحزب امتلك كل هذه القوة وصار محور القرارات الكبرى في لبنان، يستطيع اقناع الشعب بأنه قوي عسكريا وعاجزا اقتصاديا وسياسيا؟ لعلّه هو الأخر يُريد ضمنيا القول ان المحور الآخر هو المسؤول وأنه لا بُد من تغيير النظام وتوجهاته الداخلية والخارجية.
سألت بثينة عليّق مثل هذه الأسئلة بلا مواربة، لكن الإجابات بقيت على حالها:” لسنا الدولة”. وأما ما يُحكى عن توجيه الأنظار الى مؤسسة الجيش، فقد غاب أيضا عن مقابلة ربما كانت تحتاج الى ساعتين.