ثقافة ومنوعات

المُراهقة المتأخرة، مشكلةٌ ذكورية. فما أسبابُها؟

روزيت الفار -الأردن 

“أزمة منتصف العمر” هكذا سُمّيت في القرن العشرين لوصف الشّعور بخيبة الأمل من العمل والاستياء من العلاقات والتّجرّد من المسؤوليات العائليّة والهلع من الشّيخوخة والموت القريب. وتمتد هذه الأزمة تقريباً ما بين عمر ال 40-65؛ بفارق زمني مختلف قليلاً بين الجنسين، وهي اقترنت بتغيرات مهمّة دعت لإجراء أبحاث لتفسير أسبابها المجتمعية   والفيزيولوجيّة والسيكولوجيّة والعاطفيّة.

يقول أستاذ تاريخ الطّب البروفسور البريطاني مارك جاكسون إن أزمة منتصف العمر أتت نتيجة لتغيّرات ديموغرافيّة، واعتبارات بيولوجيّة مرتبطة بنقص الهرمونات وبالشّيخوخة، والقلق من التّدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السّياسي وارتفاع مستويات الطّلاق وتداعيات انهيار الأسرة على النّسيج الاجتماعي. في حين أعتبر آخرون بعض هذه الأمور (كالطّلاق وانهيار الأسرة) آثاراً للحالة وليست مسبّبات.

عادة ما نربط “أزمة منتصف العمر الفيزيولوجيّة” بالنّساء حيث لا تجد المرأة حرجاً في مشاركة الموضوع مع الغير؛ عكس الرّجل الذي يجد في ذلك إنتقاصا من رجولته وخدشاً لكبريائه.

تعتبر “المراهقة المتأخّرة” المُرتبطة على نحو غير مُباشر ب ” أزمة منتصف العمر” أهم المظاهر العاطفيّة والنّفسيّة وأكثرها إثارة والّتي تطال الجنسين في هذه المرحلة. وغالبا ما تبرز أكثر عند الرّجال، ربما لانشغال المرأة بأمومتها ومنزلها وميلها الطّبيعيّ للاستقرار أكثر من الرّجل.

 يتوقّف الرّجل عندها للتّفكير بما حققه قبل انتصاف العمر، سواء على مستوى التّحصيل العلمي أو العملي وما ادّخره من مال وبناه من سُمعة، إضافة الى أمور زواجه وأولاده، وعمّا إذا كان اختياره لشريكة حياته هو الأمثل، ويتساءل بشيء أو كثير من القلق عمّا  تبقّى له من العمر الّذي يحيا فيه بنشاط وحيويّة الخ… وكأنه يقول : “هل هذا هو كل شيء في الحياة؟” فتبدأ أوهام ومخاوف الشّيخوخة بالظّهور أمامه ويدخل بما يسمّى بعلم النّفس “بالثّورة الانفعاليّة” ، أي أنه يصبح سريع التّأثّر والغضب وينعكس ذلك على ردود أفعاله اللّفظيّة والحركيّة.

الأصل في هذه الحالة هو أن تكون مؤقّتة؛ لكنّها قد تطول إن لم يتم احتواؤها. وأما أهمُ ملامحها فهي التالية:

  • الشّعور العام بعدم الرّضى تجاه أمور غير واضحة وعادة لا تأتي محاولاته لإصلاحها بحلول.
  • تغيّر أولويّاته وقراراته وطرق تواصله مع الغير، فتراوده أحلام لم يحقّقها ويشعر بشغف ورغبة شديدين بتحقيقها. هنا يبدأ التّفكير بتغيير نمط حياته والاهتمام بأناقة مظهره الخارجي ورغبته في اقتناء سيّارة خياليّة أو القيام بأيٍّ من المشتريات الكبيرة والسّفر لأماكن لم تكن سابقاً ضمن خياراته أو مواعدة الجنس الآخر الأصغر سنّاً، وما إلى ذلك؛ في محاولة منه لاستعادة ثقته بنفسه وإحساسه بالأمان وإثبات أنّه لا يزال مرغوباً به وجذّاباً، أو لملء أيِّ فراغ عاطفي والتّخفيف من ضغوط الحياة وهمومها.

وحسب تقرير لموقع Today, Health & Wellness يبرّر بعض الرّجال جنوحهم نحو المواعدة بأنّه نوع من أنواع العناية والاهتمام بحياتهم العاطفيّة بعد سنوات من العمل والكدّ وإتمامهم لواجباتهم تجاه أُسرهم وعائلاتهم. ومنهم من يدّعي بأنّ ذلك يُحسّن علاقاته بشريكته وينعشها ويقولون بأنّ انخفاض مستوى الهرمونات لا يعني عدم فاعليّتها أو تجميد عواطفهم نحو مغازلةٍ جديدة “نحن متزوّجون ولسنا ميّتين”. ونحن مؤمنون بمقولة “ما تملكه اليد تزهده النفس.”

تُترجم أحياناً أسباب المراهقة المتأخّرة عند الرّجال (المتزوّجين) بالزّواج المبكّر من شريك بعمر مماثل كحالات الارتباط بزميلة الدّراسة أو الوظيفة الأولى حيث تظهر الفروقات البيولوجيّة بعد 20 أو 30 سنة من الزّواج، ويجد الأزواج أنفسهم مسؤولين عن أُسر ومُثقلين بأعباء الحياة وضغوطاتها في الوقت الّذي لا يزال أقرانهم العازبون يتمتّعون بكامل حريّتهم.

 ثم إن عدم تجربة الرجل للحب في أيّام الطّفولة والمراهقة   فقدانه لقريب أو لصديق عزيز قد يكون سببا في مضاعفة قلق ” أزمة منتصف العمر”.

بالنّهاية، لا يوجد أي مبررّات أو أسباب مطلقة لحدوث هذا الجنوح، ولتعلم أيّها الشّريك اللّعوب أنّ ما تحلّله لنفسك عليك أن تحلّله لشريكك وأن لهذا الشّريك رغبات وأهواء مشابهة للّتي لديك. ضع نفسك مكانه فإن رأيت ما تفعله يضرّه ويؤذى مشاعره فتوقّف حالاً. واعلم بأنّ سعادتك الّتي تبنيها على علاقة أو نزوة قد تدمّر أسرتك وجميع ما بنيته طوال حياتك وتندم حين لا ينفع النّدم. وبأنّ الثقة بالنّفس والسّيطرة على المخاوف والقلق تأتي من الدّاخل.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button