سامي كليب:
يقول الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي: إن الذين يجعلون ثورة سلمية مستحيلة، هم المسؤولون عن تحويلها الى ثورة عُنف”. وحين سألتُ قبل أيام قليلة مسؤولاً حزبياً بارزا:” ما الذي برأيك يحول دونَ قيام ثورة حاسمة في لبنان، طالما أن كلّ أنواع الظُلم ارتُكِبت بحق الشعب” قال دون أن يرمش له جفن:” إن الأحزاب الكُبرى في لبنان متفقة ضمنيا على منع خروج الشارع عن الضوابط الكُبرى”.
يدخل لبنان هذا الأسبوع المرحلة الرسمية ” غير الشرعية” لرفع الدعم، بعد أن كان هذا الدعمُ قد رُفع واقعيا وفعلياً عن الكثير من السلع. يُضاف ذلك الى سلسلة من ممارسات الظُلم التي لو تعرّض أيُّ شعب في العالم لواحد بالمائة منها، لانتفض وأسقط المسؤولين عن ظلمه.
بعد سنوات من انعدام الكهرباء والماء في البيوت، ومن غياب التأمين الصحي عن الكثير من العائلات، ومن طمر الناس بالنفايات مع ما تركته من أمراض مُسرطنة، ومن فقد ضمان الشيخوخة، وغلاء الهاتف والإنترنيت، وصل الظُلم الى ذروته عبر نهب مدّخرات الناس وجنى أعمارهم في المصارف، وانهارت العملة الوطنية التي ستواصل انهيارها السريع والمريع أمام الدولار، وفُقد الكثير من الغذاء والدواء، وأقفلت محطات الوقود خراطيمها.
أي ظُلم يُمكن أن يُمارس بعد ضد الشعب كي يثور ويُباشر بتأسيس نظام عدالة حقيقية يكون فيه الانتماء فقط للوطن ،لا للزعيم، او القائد، او القبيلة، او الطائفة والمذهب؟
في تحليله للثورات العالمية والعربية التي اندلعت في روسيا وأوروبا الشرقية وفرنسا وبريطانيا وإيران ثم الوطن العربي منذ مطلع القرن الماضي حتى اليوم، يقول عالِم الاجتماع الفرنسي الشهير إيمانويل تود إن ثلاثة عوامل غير الأسباب السياسية تؤدي الى اندلاع ثورة ونجاحها:
أولها القراءة والكتابة بحيث أن الثورات القديمة كما الحديثة بحاجة الى من يكتب البيانات ويقرأها. وثانيها زيادة نسبة تعليم النساء والتي تؤدي حُكماً الى انخفاض الولادة وارتفاع مستوى الوعي، وثالثها تراجع نسبة الزواج بين الأقارب لأنها تُخرج الفرد من قوقعة الأسرة والمجتمع الضيّق نحو الآخرين والوطن، وهو يقول مثلا إن نسبة زواج الأقارب انخفضت في مصر الى ما دون 15 %، وفي تونس الى أقل من 35 %، بينما في الدول التي لا تتحرك شعوبها كثيرا فقد بقيت مُرتفعة. يضاف الى ذلك عاملٌ رابع وهو الشباب الذي يزداد تباعده عن أفكار الأهل بفضل العلم والوعي ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.
لو فكّرنا لُبنانياً بما يقوله عالِم الاجتماع الفرنسي، نجد أن نسبة تعلّم المرأة اللبنانية ووصولها الى مناصب وزارية وإدارية وعلمية عالية قد ارتفعت، وأن نسبة الولادة بشكل عام في المدن قد تراجعت، وأما القراءة والكتابة في لبنان فهي من بين أعلى النسب العربية وتكاد تقترب من نِسَب المجتمعات الغربية. وذلك فيما نبض الشباب وميلهم صوب وسائل التواصل الاجتماعي والتحلل من عادات وتقاليد الأهل صاروا أمورا حتمية.
السؤال إذا: طالما الظُلم فاق كل المتوقّع، والوعي والعلم حاضران، لماذا لا يثور الشعب اللبناني؟
يُمكن أن نسوق الأسباب التالية:
ما هو الحلّ إذا؟ هل يبقى الشعب قابلا بموته البطيء أم يتحرّك وكيف؟
لا توجد أرقامٌ حقيقية حول نسبة اللبنانيين غير المتأثرين بزعامات وأحزاب ومذاهب. لكن مؤشرات انتفاضة 17 تشرين، أوضحت أن ما لا يقلّ عن 20 بالمئة من الناس ناقمون على كل الأحزاب والتيارات والزعامات التقليدية. يضاف إليهم الناقمون الصامتون وذوو الولاءات الحزبية أو الدينية او الزعاماتية، والذين أوصلهم الفقر واليأس الى حافة الانتفاض لكنهم لا ينتفضون لعدم وجود بديل موثوق عن الطرف الذي يتبعونه.
الواقع ان ممارسات بعض الذين ثاروا في 17 تشرين، لم تشجع الصامتين أو الناقمين على الانضمام إليهم، أولا لان الفوضى العارمة التي تحكّمت بشارع انتفض فجأة دون خبرة سابقة بالانتفاضات الشعبية أساءت الى الانتفاضة، وثانيا لان الانقسامات بين الثوّار أضعفتهم وهشّمت الانتفاضة، وثالثا الاختراقات التي حصلت من أحزاب أو سفارات سمحت لمناهضي الانتفاضة بالتشكيك. كل ذلك سُرعان ما قزّم حركة الشارع وحصرها بقطع الطرقات وتكسير المحال، في ظل غياب مشروع واضح وجاذب وموحّد له قيادة موثوقة وجامعة ووطنية.
لو حصلت قراءة نقدية صريحة لما حصل يُمكن التعلّم منها ووضع برنامج مُختصر مفيد وقادر على جذب الناس الى معركة التغيير، بناء على التالي:
قال ابن خلدون: “إن الثوار الفاشلين حمقى أو مشعوذون، لأنهم قاموا بثورتهم دون عصبية كافية تساندهم فأنتجوا الفوضى، ويجب معالجتهم بالدواء او الضرب”، لكن أشهر علماء الاجتماع العراقيين الدكتور الراحل علي الوردي اجابه بأن:” الثوار الذين فشلوا أناروا لنا السبيل، وان الثورات الفاشلة تُفضي دائما الى الثورة الناجحة”. الواقع أن انتفاضة 17 تشرين لم تكن ثورة، وانما حملت بذور ثورة لم تكتمل وشارك فيها الكثير من الشرفاء الذين أردوا لقمة عيش كريمة ووطنا لا مزرعة، ولا بد بالتالي من أن تتنقل الانتفاضة الى ثورة حاسمة حتى ينهض الوطن.
الثورة الحقيقية هي تلك التي تُطعم الناس وتعلمهم وتعزز الحرية بينهم وترفع مستوى الفكر والابداع عندهم، وتقفز فوق التطرف الديني والطائفي، وتنشر العدل والمساواة، وتحاور الآخر في الداخل والخارج من منطلق الند لا التبعية. فلو لجأ نلسون مانديلا بعد ربع قرن من السجن الى السلاح والاعتماد على الخارج والى الطائفية قناعا للثورة لكانت جنوب افريقيا ما زالت حتى اليوم غارقة في الحروب والتمييز العنصري.
الثورة الحقيقية هي الاقتناع بان في لبنان من الخيرات الطبيعية والسياحية ومن الشباب المتعلّم والمثقف ومن الكفاءات التربوية والطبية والفكرية والسياسية والقانونية والاقتصادية، ما يمكن أن يجعله فعلا سويسرا الشرق، وهذه اليوم مسؤولية الناس قبل أن تكون مسؤولية الجماعة السياسية التي فقد معظمها كل اعتبار في عيون الشعب حتى ولو بقي الى جانبها موالون بسب القلق أو المصلحة.
لا يُمكن أن ينجح ظالم جائر بدون قبول المظلوم لجوره.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…