رئيسي في أول إطلالة له : أدعم المفاوضات النووية ولكن
طهران- واشنطن- لعبة الأمم
تكفي نظرة الى المايكروفونات الموضوعة أمام الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي في مؤتمره الصحافي اليوم، لإدراك مدى إهتمام العالم بمعرفة ما ستُصبح عليه السياسية الخارجية الإيرانية في الأسابيع المقبلة، وما اذا كان الرئيس المنبثق عن تيار المحافظين المتشدّدين، سيُكمل ما بدأه الرئيس المنتتهية ولايته حسن روحاني حيال العودة الى الاتفاق النووي، والحوار مع أميركا والسعودية وغيرها.
وقد كان واضحا من خلال كلام رئيسي أن المحافظين بقيادة مُرشد الثورة السيد علي خامنئي، ماضون في الاتفاق النووي والاتجاه للحوار مع أميركا لكنهم متمسّكون بالخطوط الحمر المعروفة وفي مقدمها رفض أي خروج عن الاتفاق لمناقشة الصواريخ الباليستية أو دور إيران في المنطقة.
واذا كان المؤتمر الصحافي لرئيسي يعقب بساعات قليلة انتهاء لقاءات جنيف الدولية وما رشح عنها من جو تفاؤلي حول العودة الى الاتفاق النووي، فإن رئيسي، وعلى الأرجح في سياق تعزيز الشروط الإيرانية مستندا الى نتائج الانتخابات، حاول التقليل من أهمية الاتفاق النووي لكنه دعم التفاوض فقال: ” سندعم أي مفاوضات تدعم مصالحنا ولن نسمح بمفاوضات الاستنزاف وان السياسة الخارجية للحكومة لن تبدأ او تنتهي بالاتفاق النووي”
وأما حيال الجوار السعودي، فان رئيسي لعب على وترين، أولهما القول برغبة بلاده بالتعاون مع الجميع، والثاني بالطلب من السعودية :” وقف هجماتها التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية في اليمن”
بعض وقائع المؤتمر
استهل رئيسي كلامه بالتنويه برسائل الانتخابات الرئاسية وبانه ليس مدينا لأحد غير الشعب، وبالوعود الداخلية للشعب الإيراني قائلا: ” إن الظروف سائرة في التغيير لصالح الشعب وإن أولوياتنا هي تحسين الوضع المعيشي للشعب وبناء نظام إداري سليم بعيدا عن الفساد” مشددا على التنوع في الأداء الحكومي المقبل كي لا يُشعر الناس بأن المحافظين هم وحدهم من سيدير شؤون البلاد كما يخشى كثيرون فقال: “إن “الحكومة المقبلة لن تكون متعلقة بتيار خاص في البلاد”. لكنه اشترط بالحكومة أن تكون ” ثورية”، وهذا طبيعي في رجل عُرف عنه تشدده في الأمور الدينية والاجتماعية وسيره في ركب الثورة الإيرانية بكل ما تحمله من أيديولوجيا.
في السياسة الخارجية
زاوج الرئيس الإيراني الجديد بين الرغبة بالعودة الى الاتفاق النووي، والتمسك بثوابت المحافظين حيال الاتفاق والحوار مع أميركا، وهو ما يُمكن تفسيره على أنه أول خطوة جدية باتجاه تبني نهج التفاوض والحوار بدلا من التشدد السابق فقال:” إن سياستنا الخارجية لن تبدأ من الاتفاق النووي ولن تنتهي به وإن سياسة الضغوط الأمريكية فشلت في تحقيق أهدافها، وأنه يتعين على واشنطن إعادة النظر فيها”.
ورغم قوله أن: طهران لا تعول على مفاوضات فيينا لتحسين الوضع الاقتصادي ” الا أنه قال بوضوح أيضا:” إني أدعم المفاوضات النووية، لكن ينبغي تحقيق المطالب الإيرانية ولن نسمح بمفاوضات استنزافية وينبغي لأي جولة مفاوضات أن تحقق نتائج”.
واضح أن عبارة ” دعم المفاوضات” هي اللغة الجديدة في قاموس رئيسي الذي كان من بين كثير من المتشددين الذي يعيبون على المُفاوض الإيراني ما يعتبرونه تنازلات أكبر من اللزوم. ولكن هذه اللغة الجديدة بحاجة الى مراحل وبحاجة خصوصا الى ضمان الثقة بالمفاوض الأميركي كي لا يعود عن الاتفاقات كما فعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سابقا.
من هذا المُنطلق يُمكن فهم كلام رئيسي عن أن إيران “تسعى للتعامل مع كافة دول العالم وأنها ترفض التفاوض من أجل التفاوض”. محمّلا أميركا مسؤولية خرق الاتفاق وأوروبا مسؤولية التراخي بشأنه، فقال إن : “أمريكا من انتهك الاتفاق النووي وأوروبا لم تنفذ التزاماتها، ويتعين على واشنطن رفع العقوبات والعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي و على أوروبا ألا تخضع للضغوط والسياسات الأمريكية، وتعود إلى تنفيذ التزاماتها في الاتفاق”.
وأضاف: ” ان قضية إلغاء العقوبات ستكون محور سياسة حكومتي الخارجية وسنركز على ضرورة وجود نتائج لمصلحة الشعب الإيراني في أي مفاوضات نخوضها”، مشيرا إلى أن “سياستنا الخارجية ستكون قائمة على التعامل الواسع والمتوازن مع كافة دول العالم”.
أما الخط الأحمر الذي رسمه رئيسي والذي يدخل في صلب السياسة التي يقودها مُرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني، فتتعلق برفض أي تفاوض خارج الاتفاق النووي خصوصا في ما يتعلق بالصواريخ وبدور إيراني. وهو لذلك قال بوضوح: ” لا تفاوض على البرنامج الصاروخي والقضايا الإقليمية وأننا لن نتفاوض على أي قضية خارج إطار الاتفاق النووي”
وإذا كان رئيسي أكد أنه لن يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن حتى بعد رفع العقوبات والعودة الى الاتفاق النووي”، فإنه كرّر غير مرة رغبة بلاده بالتعاون مع كل دول العالم ووجه بذلك رسائل غير مباشرة الى الجوار الخليجي وفي مقدمه السعودية رغم انتقاده لدورها في اليمن.
وقد سعى الرئيس الجديد للدفاع عن ماضيه في أول إطلالة إعلامية عالمية له بعد انتخابه رئيسا السبت الماضي، فقال في مؤتمره اليوم “أنا رجل قانون ومدافع عن حقوق الإنسان ولا يمكن لاحد الادعاء والتشكيك بدفاعي عن حقوق الإنسان، وأفتخر بأنني كنت مدعيا عاما في إيران، وأنني دافعت عن حقوق الشعب من خلال مسؤولياتي في القضاء وإن من يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان، هم من أنشأوا داعش والجماعات الإرهابية ويجب محاسبة الذين أوجدوا الجماعات الإرهابية وليس الذي حاكمهم دفاعا عن حقوق الشعب”.
أما الأمور الأخرى مثل دعم فلسطين والقول بأن عى اليمنيين أنفسهم أن يقرروا مصير بلاده ومن يحكمهم، فهذه مواقف رسمية إيرانية تُكرّر دائما وهي من ثوابت السياسة الخارجية.
ربما من المهم بعد هذه الاطلالة الأولى للرئيس الإيراني المنتخب رصد ردود الفعل الأميركية والأوروبية والسعودية على وجه الخصوص.