عقيل سعيد محفوض
قام الرئيس بشار الأسد بإخلاء سبيل عدد من أبناء مدينتي “دوما” و”عربين” بريف دمشق، الموقوفين بتهم تتعلق بالإرهاب؛ وفَعَلَ الشيء نفسه لمناطق في درعا والقنيطرة وغيرها، كما أمر بطي الملفات والملاحقات الأمنية لآلاف المطلوبين. وقد حرص الإعلام الرسمي على إظهار ردة فعل أهالي “دوما” مثلاً، الذين عبَّروا عن سعادتهم بإخلاء سبيل عدد من أبنائهم، قائلين: ان الأسد وفا بوعد سبق أن قطعه لهم.
هذا حدث يتطلب تفسيراً، وبالطبع لا يمكن للتعليقات السياسية والإعلامية المباشرة أن تفسر شيئاً، إلا بأن الرئيس الأسد أخذ يقرأ الحدث السوري بكيفية مختلفة، وربما استخلص ان إخلاء السبيل أو طيّ الملاحقة، وهذا شكل من أشكال العفو، هو أقل تكلفة من العقاب، وان صورة إخلاء السبيل، أيسر وأهون من صورة الاعتقال والسجن أو الإبعاد، وان من يريد تحقيق السلام والاستقرار الاجتماعي، لا بد من أن يمهد لذلك، بـ”جبر الخواطر”، و”لئم الجراح”، و”إظهار الرحمة”، و”إبداء التراحم”، و”بناء الثقة”، و”تحقيق العدالة”، … والقائمة تطول.
وأخذ الرئيس الأسد يقرأ في كتاب الحرب ان بناء سلطة ودولة مستقرة لما بعد الحرب، يتطلب الطاعة وليس الولاء، الطاعة والالتزام بالقانون وليس الولاء للنظام السياسي أو للرئيس الأسد نفسه؛ والطاعة أمر لازم، إنما لا يشترط –مسبقاً- الحب، فهذا الأخير، قد يأتي وقد لا يأتي، لكنه ليس مهما الان!
هذا سؤال صعب بعض الشيء، وقد يكون محل إجابة من قبل أولي الأمر أنفسهم، وربما من قبل الرئيس الأسد شخصياً، على ما يُعرف عنه من متابعة واهتمام بشواغل الرأي العام؛ ولا شك أنه يدرك التداعيات النفسية والاجتماعية لقرارات العفو وإخلاء السبيل من هذا النوع، ذلك أن “جبر الخاطر” لطرف لا يجب ان يكون هو نفسه سبب “مظلومية” لدى طرف اخر.
كما أن النظرة البعيدة (أو طويلة الأمد)، صحيح أنها تتغاضى بعض الشيء عن المشاعر والانطباعات المتوترة راهناً، إلا أنها تعطي رؤيةً وفهماً أوسع وأعمق، إن أمكن التعبير، ذلك أن الحروب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، ولا بد من أن تنتهي إلى تسويات ومصالحات، وخاصة بين أبناء البلد الواحد، وبالأخص إذا كان المنتصر في الحرب، مثل الرئيس بشار الأسد -كما ظهر من كلمته بعد الانتخابات- يتفادى إشعار الخاسرين بأنهم خاسرون، ويريد ان يكون رئيساً للجميع، وقد يكون مستعداً لملاقاة من يتقدم نحوه …
وهكذا، يبدو موقف الرئيس الأسد حيال الموقوفين المذكورين أعلاه، أقل حدة من موقفه حيال المعارضين في الخارج، بل هو لا يقارن بين هؤلاء وأولئك، فالمسلحون قد يكونون مغررا بهم، وقد يكونون مناهضين له بالتمام، لكنهم في قبضته وتحت سلطته وفي دولته، ويطلبون منه العفو والرحمة، وأمام المعارضون في الخارج، فيواصلون التحريض على نظامه ودولته، ومنهم من لا يزال يستعدي الدول الأخرى ويستدعي تدخلاً خارجياً.
بقي أن يدفع أهلُ السياسة بالأمور، ما أمكنهم ذلك، لأن يجعلوا البلد قابلا للعيش فيه، على أساس “عقد اجتماعي جديد”، يضمن توزيعاً عادلاً أو مناسباً ومتوافقاً عليه، للموارد المادية والمعنوية؛ وان تكون التطلعات في أفق وطن واحد قابل للاستقرار والاستمرار. وقد رأيتُ أن الله يدفع الهُمومَ بالهِمَم.
الكاتب: د. عقيل محفوض
أستاذ جامعي، باحث وكاتب متخصص بشؤون الشرق الأوسط
له مجموعة مؤلفات خصوصا عن تركيا تاريخا وحاضرا
أ.د ماريز يونس ( أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية) في ذلك الصباح، لم يكن…
Des salles d’asile à l’école maternelle ! Nadine Sayegh-Paris Evoquer l’école nous fait directement penser à…
سامي كليب افتتاحية-الصراحة افضل الاستقبال الاستثنائي الذي أحيط به الرئيس جوزيف عون في السعودية، والذي…
Du natron au sapo, pour arriver au savon ! Nadine Sayegh-Paris Le savon, produit d’hygiène et…
مرح إبراهيم ثلاثة أشهر مرّت على اللحظة النفسيّة التي جسّدتها ليلة الثّامن من كانون الأوّل…
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…