آخر خبرافتتاحيةمقال اليوم

أيها العرب: لا تتفاءلوا بالقمم والمتغيرات الدولية

سامي كليب:

                هذا الأربعاء تُعقد قمةُ بايدن-بوتين. سبقتها قمةٌ أطلسية استثنائية بين الرئيس الأميركي ونظرائه الأوروبيين، تبنّت بالكامل مع تباينات طفيفة جدا الاستراتيجية البايدينية ضد الصين وروسيا، بحيث عاد الأوروبيون صاغرين طائعين الى الحظيرة الأميركية حتى ولو أن بعضهم سعى لتلطيف العبارات حيال بكين وموسكو خشية على مصالحه الاقتصادية أو التجارية و الغازية، وبين القمّتين ، كانت ثالثة جمعت الرئيس الأميركي بنظيره التركي رجب طيب أردوغان اليوم الإثنين، ناهيك عن 3 متغييرات اقليمية دولية كبرى، تمثلت بالسقوط المُريع لبنيامين نتنياهو الذي سيدخل السجن حتما بعد الهبّة الفلسطينية الاستثنائية، وبالعودة الى الحوار الأميركي مع إيران بشأن الاتفاق النووي، وببداية حوار إيراني سعودي.

         في هذا الوقت بالضبط، يجلس معظم القادة العرب خلف شاشاتهم يتابعون كل هذه التطورات التي لم يُشركهم أحدٌ بها، بعضُهم يضاعف القلق من إنعكاسات سلبية عليه أو على بلاده، وبعضُهم الآخر، يتوهّم، كما توهّم كل أسلافهم منذ الحرب العالمية، بأن حرب الكبار أو تفاهمَهم سيُسيل أنهار اللبن والعسل والنهضة في بلاد العرب وسيُنقذها من كوارثها وكبواتها المُتلاحقة.

         الواقع أن العناوين العريضة لوضع العالم اليوم لا تُبشّر العرب بالخير، لماذا ؟:

  • أولا: إن الشعار الأساس الذي يُركز عليه بايدن منذ حملته الإنتخابية حتى اليوم هو أن ثمة “ديمقراطية غربية” تواجه خطر “الدكتاتوريات والاستبداد ” من دول كُبرى وصغرى. ولا بُد من وقف هذا الخطر.. ثمة تماثُل واضح هنا بين هذا الشعار وذاك الذي أطلقه جورج بوش الإبن بدعم من الأصولية الإنجيلية-اليهودية والمحافظين الجدد بأن العالم مقسوم بين ” خير وشر”، وهو نصّب بطبيعة الحال نفسَه رئيساً لفريق الخير العالمي ووضع دولا مثلا كوريا الشمالية وإيران وسوريا وغيرها في المحور الآخر. كانت النتيجة مليون ونصف مليون قتيل في العراق وكوارث ودماء ودمار ودموع من افغانستان حتى سورية ولبنان، وبداية الاسلاموفوبيا والفتنة السنية الشيعية.
  • ثانيا: اذا ما استمرت لهجة التصعيد الأميركي-الأطلسي حيال الصين وروسيا على حالها، فإن ساحات عربية عديدة ستكون محورا لتنافس الطرفين، ذلك ان الصين مستمرة في التمهيد لطريق الحرير التي تمر بإيران ودول عربية، وروسيا لن تتراجع عن مكاسب حققتها على ضفاف البحر الأبيض المتوسط منذ العام 2015. واذا كان بوتين يهادن بايدن قبل القمة ويخفف من التصريحات النارية التي أطلقها ضده الرئيس الاميركي والتي وصلت الى حد وصفه ب ” القاتل”، فذلك لحاجة سيد الكرملين من جهة للتفاوض بغية تحسين الأوضاع الاقتصادية في بلاده والاستمرار في مشروع انبوب النفط الدولي ولتبريد جبهات صارت تُكلّف الميزانية الروسية الكثير.
  • ثالثا: صحيح أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة أسقطت نتنياهو، لكن رئيسها أوضح في خطابه الأول أنه مستمر على نهج اقامة الدولة اليهودية، وأما رسائله “اللطيفة ” الى فلسطينيين 48 ( أي السكان الاصيلين) واشراكه عربا في الحكومة، فهي لحماية إسرائيل وليس العرب، ذلك أن الهبّة الفلسطينية الأخيرة اقلقت اسرائيل ورعاتها الدوليين ودفعت الجميع الى تمرير العاصفة. ثم إن هذه الحكومة التي استهلت خطابها بتهديد غزة وحماس، هي بجميع الأحوال ليست من النوع الذي يصمد نظرا لتناقضاتها الداخلية الكثيرة ، ولانها ستواجه بعد فترة غير بعيدة غضب الأصوليين والمتطرفين والمستوطنين.
  • رابعا: إن سورية مفصلية في اللقاءات الدولية والاقليمية، لكن أقصى ما يُمكن توقّعه هو الضغط على الدولة السورية لتمرير مساعدات إنسانية وفتح ممّرات ومعابر . وهذا ما سيحاول بايدن طلبه من بوتين، ذلك ان الحلول السياسية الكبرى للحرب السورية لم تنضج بعد، ولو نضُجت فستكون أمام طلب أطلسي مُلح وقبول روسي ضمني بفتح مفاوضات اسرائيلية-سورية. ولا شك أن سيد البيت الأبيض الذي يحاول سحب الورقة التركية من روسيا، وتحييد إيران لابعادها عن الصين وروسيا( رغم استحالة ذلك)، ما زال يضع الرئيس بشار الأسد على لائحة ” الانظمة الاستبدادية” التي قال إنه سيُحاربها بالانظمة الديمقراطية. ان سورية ستكون إحدى أهم ساحات المواجهة الاميركية الروسية أو إحدى أهم ساحات التسويات لو تفاهم بايدن وبوتين رغم صعوبة ذلك في الوقت الراهن.
  • خامسا: لبنان يدخل أيضا في هذه المُعادلة، فالتقارب الفرنسي الأميركي الحاصل حاليا، يُشبه الى حد بعيد ما كان عليه التقارب بين بوش الأبن والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في النورماندي حيث تم الاعداد للقرار 1559 الذي يطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان والضغط على ” النظام السوري والهلال الشيعي” قبيل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري . من المُرجّح أن يكون لبنان أمام إحتمالين: رفع مستوى الضغوط الاميركية- الفرنسية عليه ومعاقبة جزء من الجماعة السياسية مع ايجاد آلية رديفة لايصال مساعدات انسانية ومالية، أو إدخالة في التفاوض الايراني الأميركي في مرحلة لاحقة مع إشراك الرياض به، لو تقدّمت المفاوضات وتسارعت خطواتها بعد الانتخابات الايرانية المعقودة الولاء للمحافظين، … لكن ماذا لو فشل التفاوض؟ السؤال يبقى مطروحا رغم ميل الطرفين لانجاح الحوار نظرا لحاجتهما اليه.
  • سادسا: دول الخليج تنتظر هي الأخرى ما ستؤل اليه القمم، واذا كانت السعودية المُستهدفة أكثر من غيرها من قبل بايدن، قد مهّدت لمخارج دفاعية عبر تعزيز العلاقة مع الصين وروسيا والدخول في حوار مع ايران لانهاء حرب اليمن، ورفع مستوى الثورة الداخلية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ضد التشدد الديني ولاجل الانفتاح وتأمين بدائل اقتصادية عن النفط، والمصالحة مع قطر، الا أن العين تبقى شاخصة على البيت الأبيض الذي لم تُبشر تصريحاته الكثير في خلال الحملة الانتخابية وحتى اليوم بإيجابيات بشأن العلاقة مع ولي العهد والمرشح الأول للعرش.
  • سابعا اليمن ستكون حتما ، أمام مرحلة الخروج من الحرب، لكن السؤال : بأي ثمن للسعودية وإيران والحوثيين وغيرهم؟
  • ثامنا: بالنسبة لدول المغرب فالعيون شاخصة خصوصا حول مستقبل الصحراء بعد الاتحاه لانهاء حرب ليبيا، فالادارة البايدينية تعمّدت الابقاء على الغموض حيال موقفها من القرار السابق الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب حول شرعية المملكة المغربية في الصحراء والتي أثارت الجزائر، وقد صدر موقفان أميركيان متناقضان في أقل من يومين مطلع الشهر الماضي ، الأول يقول إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أبلغ نظيره المغربي ناصر بوريطة بأن إدارة بايدن لن تُبطل قرار ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، ثم بعد يومين قال متحدث باسم الخارجية الأميركية، إن إدارة  بايدن، لم تتخذ قرارا بشأن ذلك . ونحن نجري مشاورات بشكل خاص مع الأطراف حول أفضل طريقة للمضي قدماً وليس لدينا أي شيء إضافي لنعلنه.” بمعنى آخر ستُبقي إدارة بايدن الملف مفتوحا لابتزاز الطرفين، خصوصا ان السنوات الماضية شهدت تقدّما روسيا صينيا صوب المغرب وصفقات سلاح غير غربية.

أكد الرئيس الأميركي في قمة الدول السبع الأطلسية، أن ” اميركا عادت الى الساحة الدولية”، وهذا يناقض كل المغالاة في التحليلات التي كانت قد تحدثت عن انكفاء أميركي وهزيمة اميركية ووصل بعضها الى حد توقّع الانهيار الكامل للولايات المتحدة الاميركية. الواقع أن أميركا ما زالت  قوة دولية كبرى، وهي قادرة على التحرك سياسيا وأمنيا واقتصاديا في مجال واسع، وما زالت دول كثيرة بينها العربية بحاجة اليها رغم الانفتاح على الصين وروسيا، لكن الأكيد أن الصين ” صارت على الساحة الدولية ” ايضا وبقوة وطموح كبيرين. وهي قالت بلهجة لا مواربة فيها قبل يومين على لسان سفيرها في لندن حيث كان الاطلسيون مجتمعين :” لم يعد ثمة مجال لأن تقرّر مجموعة من الدول الصغيرة مصير العالم” . أعلنت بكين مرارا أنها تريد حوار مع أميركا لا صداما، لكن الواقع ان العلاقات الاميركية الصينية والأميركية الروسية هي حاليا في وضع سيء جدا رغم بعض مبادرات او تصريحات حسن النوايا لسبر أغوار التفاوض.

العالم إذا أمام صراع كبير أميركي-صيني-روسي  لا يحتمل كثيرا من التفاهمات، لان التنافس شرس على مصادر الثروة ومستقبل التكنولوجيا وساحات العالم، ولذلك فإذا ما بقي العرب على حالهم من التفتت والتشرذم والانتظار أمام الشاشات لما سيقرره العالم عنهم ولهم، فلا شك أنهم سيكونون في المرحلة المقبلة مجرد ساحات شطرنج أو بؤر للتسويات أو الحرب، التي كانت وما تزال تجري على حسابهم.

فبدلا من التفاؤل الوهمي والواهم، ليتكم أيها العرب تفكّرون ولو مرة واحدة بمشروع نهضوي تنموي علمي، فقط كي يراكم العالم.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button