” نحن لا نصبح نساء غيشا لاننا نريد ان تكون حياتنا سعيدة، بل نصبح كذلك لانه ليس امامنا خيار آخر”
من منا لم يسمع عن فتيات الغيشا اليابانيات بثيابهن الغريبة و مكياجهن الاغرب؟ بالرغم من نظرة البعض اليهن على انهن عاهرات او رمز للجنس، يعتبرن بلا اي شك رمزا للانوثة في الثقافة اليابانية و احدى وجوهها التقليدية و اهم المناظر السياحية فيها .
عالم الغيشا هو عالم خاص مليء بالاسرار و الغموض. هو مجتمع نسائي خالص يسود فيه نظام طبقي متشدد تتحكم فيه و تحكمه قوانين صارمة.و تعامل فيه الفتاة كسلعة تباع لمن يدفع اكثر. اذن فهو عالم لا مكان فيه للحب الحقيقي. فتيات الغيشا هن فتيات للترفيه معظمهن أتين من عائلات فقيرة او مشردة. بعضهن تلقين تعليما افضل كسبن من خلاله معيشتهن عبر العمل المناسبات الاجتماعية للطبقات المخملية اليابانية. اشتهرن في البداية بالرقص في بيوت الاغنياء من الساموراي. و بعد ان ازدهر عالمهن و احتضنت التقاليد اليابانية المتعة الجنسية (حيث أنها ليست من المحرمات في اليابان و الرجال غير ملزمين بالوفاء لزوجاتهم ). برعن في دور المضيفات و اصبحن يتقنَّ فن المحادثة و يمتلكن مهارات في فنون المسرح والموسيقى والرقص والغناء وغيرها . لهن طريقة خاصة في ارتداء الكيمونو( و هو الزي التقليدي الياباني )، و في وضع المكياج الابيض على كامل الوجه ووتصفيف الشعر بعناية لافتة. يبدأن تدريبهن في سن مبكرة تحت اشراف سيدة متقدمة في السن. يتضمن تدريبهن سنوات من التعليم الصارم. تدعى المتدرِّبة او التلميذة “مايكو” قبل ان تصبح غيشا محترفة.
كتاب مذكّرات غيشا بقلم ارثر غولدن الروائي الاميركي المتخصص في الثقافة اليابانية و الذي حاكى بسحر كلماته روعة وعراقة الكيمونو هو رواية ملحمية و اعترافات تتناول العالم المغلق و الغريب الذي تعيش فيه “نيتا سايوري” بطلة الرواية و احدى اشهر فتيات الغيشا اليابانيات.
تبدأ الرواية في زمن الجوع و الفقر عشية الحرب العالمية الثانية في بلدة فقيرة يعتاش اهلها من صيد السمك. يتم بيع سايوري الطفلة ذات الاعوام التسعة و صاحبة الجمال الأخَّاذ و العينين الزرقاوين الرماديتين الى منزل غايشا في مدينة كيوتو. تعيش هناك نوعا من العبودية و تتحول فيما بعد الى اسطورة في عالمها فتصبح مالئة اليابان وشاغلة ناسها.
حاولت الفرار مرة، فتعرضت لمضايقات و صعوبات و هذا ما ابقاها حزينة الى ان قابلت رجلا عطوفا يكبرها باعوام اعطاها نقودا للطعام و منديلا كي تمسح به دموعها. احتفظت بالمنديل و قرّرت انها عندما تكبر سيصبح هو حبها. تتغير نظرتها الى واقعها و تقرّر ان تصبح غيشا محترفة و ان تعمل لسداد ثمنها و استرجاع حريتها. تلقت تعليما و تدريبا صارمين في النزل و اتقنت الفنون المتنوعة و ارتداء الكيمونو و تسريح شعرها حسب التقاليد كما اتقنت صب شراب الساكي بانوثة شديدة و تغلبت على منافساتها الغيورات المتسابقات على العناية بالرجال ليفزن باكبر قدر من الاموال.
” كان اشبه بأغنية سمعتها مرة واحدة في اجزاء صغيرة، لكني كنت أغنيها في ذهني منذ ذلك الحين.”
مع اشتعال الحرب العالمية الثانية و اجبار منازل الغيشا و بيوت الشاي على الاقفال، تجد سايوري نفسها امام تحد جديد. و تجبر على ايجاد نوع من الحرية بمفردها بعد ان اصبحت بلا طعام ولا مال. قررت الزواج من ” الدانا” وهو احد عشاقها الميسورين فيما الكثيرات من زميلاتها أُجبرن على العمل في المصانع. استقرت سايوري في اخر سنوات حياتها في مدينة نيويورك الاميركية .
” هو عالم محصور فقط على الجمال…يجب ان تكوني خيال كل رجل… تعلمي الموسيقى، اتقني فن الحديث… و تذكري ان الالام و الجمال متلازمان… “
بعد الحرب و اثناء الطفرة الاقتصادية اليابانية تم اعادة تنظيم المهنة و بدات بالازدهار من جديد، فتم منع و حظر المزايدة على عذرية المايكو في مزاد تقليدي و اصبح مقبولا فقط في حدود ضيقة جدا. اصبحت فتيات الغيشا من اكثر النساء قوة في مجال الاعمال و في المجتمع الياباني. و تعززت استقلاليتهن و اكتفاءهن الذاتي.
هذا الكتاب من اكثر الكتب مبيعا في العالم تم نشره عام ١٩٩٧ . اعتمد الكاتب فيه على كلام غيشا مشهورة في البابان . و حول لاحقا الى فيلم ذاع صيتُه عبر العالم.
الغيشا واحدة من أسرار اليابان الضاربة الجذور في حضارات عريقة، ففي ذاك المُجتمع الذي يوحي بالإنغلاق على ذاته والذي أبهر العالم بتطوره السريع والمذهل بعد خروجه من تحت دمار الحرب العالمية، تختبيء عادات وتقاليد لا يعرفها الا اليابانيون، وما نعرفه نحن هو ما سمحوا لنا بمعرفته، أو ما تسرّب عنهم عنوة بسبب الحروب والأزمات.
ديانا غرز الدين: تصميم غرافيك واعلانات- الجامعة الأميركية اللبنانية. مهتمّة بالأدب العربي والعالمي
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…