سميح المعايطة
تاريخ العلاقة بين الاردن وحركة حماس يمتد الى الفترة الاولى من ظهور حماس خارج فلسطين حيث كان معظم قيادات الحركة مواطنين أردنيين يعيشون في الخليج ،وحيث كانت علاقة اخوان فلسطين مع اخوان الاردن علاقة عضوية وتداخل .
ومع عودة كثير من الاردنيين من الكويت بعد الغزو العراقي بدات حماس نشاطها في الاردن عبر مكاتب غير علنية،وفي فترة برلمان ١٩٨٩ حيث مرحلة المد السياسي الكبير للاخوان المسلمين في الاردن ،وكانت قيادة حماس في الخارج تعمل في مقرات الاخوان وتستفيد من حضورهم السياسي ،وكان اول ناطق باسم الحركة في الخارج احد شخصيات الاخوان في الاردن.
اما العلاقة مع الدولة الاردنية فقد نسجتها الوقائع ،فكانت الساحة الاردنية الساحة النموذجية لعمل حماس سياسيا وشعبيا وسكانيا، وكانت السياسة الاردنية انذاك في مرحلة اشتباك سياسي مع منظمة التحرير ،فكانت حماس تعمل بشكل مريح نسبيا .
لكن ذاكرة الدولة الاردنية مع تجربة التنظيميات غير الاردنية والعمل في الاردن كانت حاضرة ولهذا لم يكن هناك استرخاء امني في التعامل مع وجود حماس ،فكانت اول قضية تخزين اسلحة على الارض الاردنية في بداية التسعينات وتم اعتقال عدد من كوادر الاخوان فيها ،قضية لم تنكرها الجماعة ولم تنكرها حماس ،وتم انهاؤها بعد شهور من اعتقال اصحابها من خلال طلب العفو من الملك عن طريق رئيس مجلس النواب الاخواني عبداللطيف عربيات رحمه الله ،واستجاب الملك ،لكن حالة عدم الثقة والذاكرة السياسية والامنية بقيت تحكم العلاقة التي لم تخل من ود شخصي نتيجة التعامل الانساني الرفيع من الملك حسين رحمه الله في قضية اعتقال موسى ابو مرزوق في امريكا وسعيه الناجح في الافراج عنه واعادته للاردن ثم محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان من قبل الموساد الصهيوني والتعامل الحازم والمجدي من قبل الحسين مع حكومة الاحتلال والذي أدى إلى شفاء مشعل وإطلاق سراح الشيخ احمد ياسين.
ورغم العلاقة السياسية المعقولة الا ان ما تحت الطاولة كان مختلفا ،فالاعتبارات الداخلية والنشاط المتزايد لحماس على الساحة الاردنية في كافة جوانب عملها كانت تخفي علاقة متوترة ،فالاردن يريد التعامل مع حماس لكن دون ان يدفع ضريبة داخلية فحماس تنظيم عسكري له نشاطات قد لا تكون منسجمه مع مصالح الاردن وسياساته .
وعندما تولى الملك عبدالله الحكم عام ١٩٩٩ كان لديه تصور اخر في العلاقة مع القضية الفلسطينية، فالاردن ليس منافسا لاي طرف فلسطيني على ارض الضفة ،ولايريد علاقة مع اي فصيل منافس لمنظمة التحرير .لقد اصبحت الابعاد الأمنية مهمة جدا في تحديد مستوى العلاقة ،ولهذا كان القرار في ايلول عام ١٩٩٩ بإغلاق مكاتب حماس في الاردن ،اي وقف نشاط الحركة الاسلامية على الساحة الاردنية .
لكن العلاقة مع حماس بقيت تتم ضمن الاطر الأمنية سواء فيما يتعلق بالمجالات الانسانية او الاجتماعية لقادة حماس وكوادرها الذين يحملون الجنسية الاردنية او في قضايا اخرى، ولعل هذا يشبه من حيث الشكل علاقة مصر مع حماس حيث لايوجد للحركة اي نشاط على الساحة المصرية ،بل ان حماس في مصر تم اتهامها في عدة قضايا على خلفية العلاقة مع الاخوان هناك ،لكن الجغرافيا المتلاصقة بين غزة ومصر اعطت للقاهرة دورا في غزة لكنها لم تعط لحماس مساحات للعمل في الساحة المصرية .
العدوان الاخير على غزة اعطى قوة دفع اكبر لحماس ،وأعلن الاردن على لسان وزير خارجيته انه تواصل مع حماس خلال فترة العدوان وهو امر ليس مفاجئا فالعلاقة مع الحركة ليست مقطوعة لكنها في إطار امني تماما مثلما هي علاقة حماس مع مصر تتم عبر المخابرات المصرية لكن مساحات العلاقة اكبر بحكم دور القاهرة المهم في غزة .
هل سيوسع الاردن علاقته بعد العدوان الصهيوني مع حماس؟. هذا ممكن وقد يكون هناك تواصل سياسي لكن العامل الامني واعتباراته الداخلية سيبقى حاضرا ،فالاردن حتى وان اختلف مع بعض التوجهات السياسية لحماس الا انه يدرك أهميتها لكن دون ان يفتح لها ساحته الداخلية، فمازالت التجارب المماثله حاضرة في ذهن صانع القرار .
سميح المعايطة: كاتب ووزير الإعلام الإردني سابقا