افتتاحية

فلسطين تضيع أمام أمّة في طور الانقراض

سامي كليب

 كان أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسّام، يًعلن آخرَ وأهمَّ أخبار المعارك ومواقفَ الفصائل، اليوم صار خبرًا، بعد أن قتلته الطائرات الإسرائيلية يوم السبت 30 آب/اغسطس في غزّة، ولم يبق من رموز طوفان الأقصى سوى عز الدين الحدَّاد، الذي قالت إسرائيل إنَّاها ستقتله كما باقي قادة حماس بمن فيهم بعضُ الرموز الموجودين في الخارج. ذلك أنَّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يُعلن جهارًا، أنّه يُريد القضاء تمامًا على حماس.

 وإذا كان الهدف المُعلن لنتنياهو في غزة هو القضاء على حركة حماس، فإنَّ ما يجري يؤكد أنَّ الهدفَ هو أبعدُ من ذلك ويقضي بتهجير اهل غزة طوعًا او قسرًا، في تكرار لمأساة ومجازر أربعينيات القرن الماضي، والمقصود كذلك هو استكمال ضمِّ الضفة، ذلك أنَّ مصادر عديدة وبينها سي أن أن وايكسيوس نقلت  عن مسؤولين إسرائيليين تأيكدهم أنَّ نتنياهو  يدرس تدابير تتراوح بين الضمّ الكامل للضفّة والضمّ الجزئي لمستوطنات. وقال  عضو الكنيست عن حزب الصهيونية الدينية تسفي سوكوت إنذضه متفائلٌ بشأن بسط السيادة على الضفّة الغربية، مؤكدا أنَّ إسرائيل ستنجح بذلك، وفق تعبيره. ولم يقتصر الأمرُ على التصريحات، بل تعدّاه إلى التنفيذ المُباشر لهذه الوعود والتهديدات، خصوصًا بعد الإعلان عن مئات المستوطنات الجديدة على أراضي الضفّة، والعزم على فصل الخليل عنها لاقامة سُلطةٍ محليّة بديلة عن سُلطة الرئيس محمود عبّاس، ودفعها لاحقًا للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيميّة. 

وإذا كان احد يُشكك بعد بأنَّ إدارة ترامب لا تدعم كُليًّا استراتيجية نتنياهو هذه، فإنَّ صحيفة «واشنطن بوست»، قالت أمس الأحد  إنَّ خطةَ ما بعد الحرب على  غزة يجري تداولُها داخل إدارة  ترامب، وهي تقترح وضعَ القطاع تحت الوصاية الأميركية لمدّةٍ لا تقلُّ عن عشر سنوات، وتحويلَه إلى منتجع سياحيّ ومركز للتكنولوجيا والتصنيع.

وذكرت الصحيفة أنَّ مسودة الخطة، المكوّنة من 38 صفحة والمستوحاة من تعهُّد ترمب بالاستيلاء على القطاع، تنصُّ على تهجير جميع سكان غزة  إمَّا عبر  المغادرة الطوعية  إلى بلدٍ آخر، أو إلى مناطق  مقيَّدة وآمنة  داخلَ القطاع خلال فترة إعادة الإعمار.

وبموجب خطّة ادارة ترامب، ، سيُقدِّم الصندوق الاتئماني لمالكي الأراضي  رمزاً رقمياً  مقابل حقوق إعادة تطوير ممتلكاتهم، ويُمكن استخدامُه لتمويل حياةٍ جديدةٍ في مكان آخر أو استبدالُه لاحقاً بواسطةِ شُقةٍ في واحدةٍ من ستٍ إلى ثماني «مدن ذكيّة تعمل بالذكاء الاصطناعي» سيتم بناؤها في غزة.

وأضافت الواشنطن بوست أنَّ كلَّ فلسطيني يختار المغادرةَ سيحصُل على دُفعة نقديّة قدرُها خمسة آلاف دولار، بالإضافة إلى إعاناتٍ لتغطية إيجار أربع سنوات في الخارج، فضلاً عن توفير الغذاء لمدة عام.

مع اتضاح صورة التهجيرة على هذا النحو، تُطرح أسئلة عديدة أبرزها التالي: ما هي قدرة الفلسطينيين بعد على صد هذه الخطة، وهم صاروا شبه وحيدين في قتالهم أعتى وأقسى وأشرس جيوش العالم؟ ما هي حقيقة المواقف العربيّة منها، هل ثمة ما يٌطبخ في الغرف المُغلقة أم أنَّ العرب الذين يوافق معظمهم على سحق حماس، لم يستوعبوا بعد أن الهدف هو القضاء الكامل على كل فلسطين؟  ثم ما هو موقف الدول الأخرى التي ما زالت تنادي بحلّ الدولتين، والتي فاق عددها حتى الان 174دولة في الامم المتحدة؟ هل سيقبل هذا العالم كله بالغاء حق الفلسطينيين بقيام دولة؟ ثم وهنا السؤال الأخطر، ماذا بعد الحرب على غزة، أيّ مستقبل للأمن القومي العربي، في مواجهة نتنياهو القائل بأنَّه انتصر على الجبهات السبع، ويريد فرض شرق أوسط جديد بالقوّة؟ 

يبدو للأسف الشديد، أنّ الدول العربية، إمّا قابلة بما يجري على أساس أن ذلك “سيُريحها” من عبء فلسطين، وإمّا عاجزة، وإمَّا خائفة من ردّة فعل إدارة ترامب. لكن ماذا عن الشعوب والنُخب والأحزاب العربيّة، لماذا هذا الصمت المُذلّ، لماذا لا تهبّ كما يحصل حاليًّا في العديد من دول العالم؟ فإذا كان النظام الرسمي العربيّ مُحرج لأسباب عديدة، لماذا لا تكون النخب والنقابات والأحزاب والطلاّب والمثقفون والفنّانون في طليعة التظاهرات التي تُساعد النظام الرسمي العربي على ممارسة ضغوطٍ على الادرات الاميركية والغربيّة لوقف حرب الإبادة والبحث عن حل فعليّ لفلسطين.  هل رفعت هذه الاحزاب والنُخب  طيلة العقودة السبعة الماضية فلسطين شعارًا لنضالها أم شمّاعة لخنوعها؟ يبدو أنَّ الجميع وللأسف الشديد، بدأوا يعتادون على فكرة ضياع فلسطين، ويقبلون بأن يكونوا جزءًا من أمّة ذليلة في طور الانقراض ( الاّ ما ندر). لكنَّ الأكيد أنّ الشعب الفلسطينيّ الذي يقاوم المُحتل منذ 77 عامًا لن يرفع الراية البيضاء مهما حصل. وكلّما سعى الاحتلالُ لإبادته، خرج منه جيلٌ مُتمسّكٌ بأرض أجداده وأهله أكثر من الجيل الذي سبق…. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى