فرصة لُبنان … ماذا تعني أميركيًّا وسعوديًّا؟

سامي كليب
لا تختلف الأجواء التي رشحت عن تصريحات واجتماعات المبعوث الأميركي توم بارّاك اليوم في لبنان، عن تلك التي بقيت بعيدة عن الأضواء في جولة المبعوث السعودي الأمير يزيد بن فرحان. فالرجلان اللذان كانا قد التقيا في الرياض قبل أيام من زيارتَيهما المنفصلتين إلى لُبنان، يُجمعان على كلمة سرّ واضحة: ثمّة فرصة أمام الدولة اللُبنانيّة لا بُد من انتهازِها امام التحولات المفصلية الجارية في المنطقة، ولو أقدمت الدولة على ما أحجمت عنه سابقاتها لعقودٍ طويلة، سينتقل لُبنان الى مرحلة مختلفة تمامًا بمساعدات وضماناتٍ عربية ودولية.
لماذا تعتقد واشنطن ومعها السعودية ودول أخرى بوجود هذه الفُرصة؟:
- أولاً: تشعر هذه الدول بأنَّ الدولة اللُبنانيّة تتحرّك فعلاً بالاتجاه الصحيح ولو لمسافة قصيرة، و أنَّ التحرّك القليل أفضل من الركود، ومن شأنه أن يتوسّع رويدًا رويدًا باتجاه بسط سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها. لأن هذا الهدف يجب أن يتحقّق كأولوية لا تنازل عنها ولا تراجع.
- ثانيًّا: ثمة قناعة عند هذه الدول بأنَّ الضربات العسكريّة والأمنيّة التي تعرّض لها حزب الله، ليست من النوع القابل للشفاء إلاّ بعد سنوات طويلة، وأنَّ كل ما يقوله الحزب غير ذلك، هو من باب رفع المعنويات أولاً، وعدم توفيت فرصة الانتخابات النيابية القريبة ثانيًّا، وتوجيه رسائل للداخل ولإسرائيل بأنه ما زال قويًّا، رغم إدراك هذه الدول بأن قوّته اهتزت على نحو عنيف وليست من النوع القابل للاستئناف قريبًا، وأنّ حدود إيران بدعمه بقيت أقل بكثير مما توقّعته بيئة الحزب خصوصا بعد اغتيال أمينه العام السيّد حسن نصرالله
- ثالثًا: القرار الأميركي السعودي بمواكبة لُبنان وسورية، ينطلق من قمّة السلطة في البلدين، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يتابع شخصيًّا هذا الملف، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يتابع الوضعين في لبنان وسوريا عن قرب وباهتمام كبير وهو لذلك سمّى مبعوثًا خاصًّا هو الأمير يزيد الذي كما بارّاك يهتم عميقا بملف لُبنان ويساهم في إزاله العقبات من طريق العلاقات السورية اللُبنانية، إضافة طبعا إلى الجهود الدبلوماسية الدقيقة والمكثّفة التي يبذلها السفير السعودي في لُبنان د. وليد البخاري ونظيره في سورية.
- رابعًا: من تابَع عن قرب الجولة الهامة التي قام بها الأمير يزيد إلى لُبنان، يُدرك أنّ ما قاله اليوم توم بارّاك في بعبدا، كانت سبقته إليه السعودية بعناوينه العريضة، وهو ما يُشير إلى مستوى التنسيق بين البلدين، فالرسالة التي حملها الأمير السعودي قبل أيام هو أنَّ ثمة فرصة، وثمة تفاؤل، وأن المعركة الحاليّة ستكون بين هذا التفاؤل وبين أن يبقى الوضع على حاله ويزداد سوءًا، وأنَّ على الدولة اللُبنانية نفسها اتخاذ القرارات المناسبة والتي بات الجميع يُدركها تماما من قضية السلاح وترسيم الحدود الى تسريع عجلة الإصلاحات.
لذلك فأن يقول بارّاك اليوم إن لبنان يمر ب ” مرحلة مثيرة ومهمّة، وأن ثمّة فرصة سانحة اليوم أمام الجميع لإنهاء النزاع مع إسرائيل والتوجّه نحو مرحلة جديدة من السلام والاستقرار”، يعني أن الولايات المتحدة والسعودية ضامنتان للمرحلة المُقبلة التي يُراد منها انسحاباً اسرائيليًّا من الأراضي اللُبنانية، وضغطًا أميركيًّا على إسرائيل للالتزام بذلك، وترسيمًا للحدود مع إسرائيل وسورية، مقابل حصر السلاح بيد الدولة اللُبنانيّة على كل الأراضي اللُبنانية.
بين الموجبات المطلوبة من لُبنان والمحفّزات الأمنية والاقتصادية المعروضة عليه، ينتقل الكلام الدولي والعربي من مجال النُصح إلى ما يُشبه الإنذار بلغة النصح، بمعنى: ” أنّ على لُبنان انتهاز هذه الفُرصة التي لن تتكرّر أو يبقى على قارعة الطريق ويتحمّل تبعات عدم اتخاذ القرارات المناسبة للتحولات الكُبرى في المنطقة”.
هذا ما نُقل عن الموفد السعودي المعروف بفعاليّة تحركّاته وقلّة تصريحاته، وهو ما قاله صراحة اليوم توم بارّاك. فهل يوجد إنذار أكثر وضوحًا من قوله : ” “لا نملي على لبنان كيف يجب أن يتعامل مع ملف سلاح حزب الله، هذا قرار لبنانيّ داخليّ، لكنّنا نودّ أن نرى معالجة مسؤولة لهذا الملف، لأن المنطقة تتغير بسرعة، وكلّ من يتخلف عن التغيير سيتكبّد الخسائر”.
المؤشرات الأولى تبدو إيجابية للُبنان، فبارّاك أشار الى ” رضى وامتنان” حيال رد الدولة اللُبنانية على الورقة الأميركية، وأكد الاستمرار بالوساطة لتعميق تفاصيل الورقة والوصول الى تسوية شاملة، وهو إذ تعمّد ذكر الاهتمام الشخصي للرئيس ترامب بالملف اللُبناني، أضاف :” نحن الآن في صدد صياغة خطة للمستقبل بشأن لبنان، وهذا يتطلب حواراً معمّقاً، وشراكة حقيقية، فالتغيير بيد اللبنانيين، ونحن سنكون إلى جانبهم إن قرروا السير فيه”.
ما قاله المبعوث الأميركي بهذا الصدد، هو نفسه الذي تُفكّر به السعودية، حيث يسمع زائرُها كلامًا إيجابيًّا عن الرئيس جوزف عون، وكذلك عن الخطوات ” الجريئة ” التي يُقدم عليها رئيس الحكومة نوّاف سلام، مع تنويه طبعًا باستراتيجية تدوير الزوايا التي تدفع الريس نبيه برّي الى تفهّم موجبات المرحلة والضغط على حزب الله لعدم إعاقة خطوات الدولة حيال الورقة الأميركية.
وقال بارّاك “الجميع تعب من الفوضى والنزاعات، وحان الوقت لاغتنام هذه اللحظة التاريخية لإحداث تحوّل فعلي نحو الاستقرار، نحن نشعر بالأمل، ونؤمن بأن أمام لبنان فرصة حقيقية للمضي قدماً، ونحن ملتزمون بدعمه في هذه المسيرة”.
إنّه إذا خلاصة التفكير الأميركي السعودي بأن لبنان يمرّ بلحظة الخيار بين ” التفاؤل واغتنام الفُرصة” وبين الركود الذي سيكون قاتلاً، خصوصًا إذا غرق لُبنان بالصراع بين المُغالين بطلب سحب السلاح، والمُغالين برفض تسليمه. فالوضع الحسَّاس الذي تمرّ به المنطقة ولُبنان، يتطلّب خطوات عاقلة وسريعة لكن غير متسرّعة، للاتفاق على هذه الخطّة بغية ضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللُبنانية، وترسيم الحدود الجنوبية والشرقية، وتسريع وتيرة الإصلاحات، والمباشرة بوضع لُبنان على سكة الخلاص…. خصوصًا بعد أن رسمت الحربُ الأخيرة خطوطًا حُمر وحدود القوّة بين المحورين. (فلم يكن من قبيل الصُدفة أن بارّاك يناقش السياسة في بعبدا ومسيّرات إسرائيل تجوب سماء لُبنان).
أما إذا فشلت الدولة في ذلك، فالخيارات الأخرى تكاد تنحصر بواحد، وهو أن نتنياهو سيرفع مستوى الحرب ويحصل على غطاء كامل من ترامب.
هذه باختصار خلاصة التفكير الأميركي-السعودي حاليًّا، ومن خلفهما الكثير من الدول الغربية والعربيّة، والمهم أن يعرف لُبنان كيف يحسّن شروط التفاوض، ويحصل على الضمانات المطلوبة، ويكسب ثقة الدول الراعية، فهذا وحده كفيل بتحسين شروط الفرصة المُتاحة، وسحب البساط من تحت أقدام نتنياهو وحكومته المتطرّفة.