دراسة غربية صادمة:680 الف ضحية في غزة

عن دراسة بعنوان : تزييف التاريخ: السياسة البغيضة لإحصاء ضحايا غزة
ريتشارد هيل وجدعون بوليا*
Arena online
11 تمّوز/يوليو 2025
في إطار هذه الدراسة، يتطرّق المؤلفان إلى حصيلة الوفيّات الحقيقيّة الناتجة عن العنف من جهة وعن الحرمان الممنهج من جهةٍ أخرى.
ترجمة : مرح إبراهيم
وفقَ الأرقام الصّادرة عن وزارة الصّحة في أوائل مايو/أيّار 2025، تجاوزت حصيلة الضّحايا الرسميّة في غزة، منذ السابع من أكتوبر، الـ 55000 ضحيّة، أكثر من نصفهم نساء وأطفال. ومنذئذ، قُتل مئات الفلسطينيين، لاسيّما أثناء سعيهم للحصول على مساعدات غذائية من منظمةٍ مثيرةٍ للجدل، مدعومةٍ من الولايات المتحدة : مؤسسة غزة الإنسانية. بلغت هذه الأرقامُ أبرزَ وسائل الإعلام عبرَ العالم، إلّا أن السّلطات الإسرائيلية شككت فيها مرارًا وتكرارًا، زاعمةً أنها محلّ مغالاة.
رغم أنّ تقدير عدد الضحايا الفلسطينيين خلال الصراع يُعدّ موثوقًا إلى حدّ كبير، إلّا أنّ فريقًا دوليًّا من الباحثين في علوم الأوبئة شكّك في بيانات الوزارة أيضًا، إذ قدّر في شباط /فبراير 2025 عدد القتلى في غزة بـ 64260 ضحيّة. تم التوصل إلى هذا الرقم اعتمادًا على “مصادر بيانات متعدّدة لتقدير الوفيات الناجمة عن الصدمات في قطاع غزة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و30 يونيو/حزيران 2024”. تستندُ البيانات إلى قوائم مستشفيات وزارة الصحة، واستطلاع رأي إلكتروني أجرته الوزارة، وقوائم الوفيّات على مواقع التواصل الاجتماعي. استُخدمت “نماذج خطيّة معمّمة بديلة” لحساب “احتمالية الإدراج في القائمة”، ثُّم تم حساب متوسط هذه النسبة “لتقدير العدد الحقيقي للوفيّات في الفترة المدروسة” ومقارنتها ببيانات عام 2022.
بناءً على هذا النهج، برهنَ القائمون على هذه الدراسة أنّ “وزارة الصّحة الفلسطينية قد قلّلت تقدير حصيلة الوفيّات بنسبة 41% “. فمعدل الوفيات الخام السنوي بلغَ 39.3 لكلّ 1000 شخص (فاصل ثقة 95%: 35.7-49.4)، مما يمثل نسبة 14.0 (فاصل ثقة 95%: 12.8-17.6) مقارنةً بمعدل الوفيات الناتجة عن كافّة الأسباب في عام 2022، وذلك دون التطرق إلى معدّل الوفيات الزائدة غير الناجمة عن الإصابات. شكّلَ كلّ من النساء والأطفال وكبار السنّ ما يقارب 60% من إجمالي الوفيّات الذي بلغ 28,257 حالة، توفّرت عنها بيانات العمر والجنس. واستنتجت دراسة Lancet أن “النتائج تُظهر معدل وفيّات مرتفع بصورة استثنائية في قطاع غزة خلال الفترة المدروسة”. كما أشارَ الباحثون إلى أن عدد القتلى الفعلي يتجاوز على الأرجح هذا الرقمَ بكثير، نظرًا لعدم احتساب الوفيّات غير الناجمة عن الصدمات، أي عن تدمير مرافق الرعاية الصحية، وانعدام الأمن الغذائي، ونقص المياه والصّرف الصحي.
وفقَ نتائج دراسة Lancet للأشهر التسعة الأولى من مجزرة غزة، كان من المتوقع أن يبلغ إجمالي عدد القتلى 136 ألف قتيل نتيجة أعمال العنف بعد 15.5 شهرًا من القتل، بحلول 25 أبريل/نيسان 2025. بيدَ أنّ هذه الدراسة تبقى محدودة، إذ تحتاج صورة أشمل لعدد القتلى في غزة، منذ بداية الصّراع الحالي، إلى ضرورة تقدير عدد الوفيات غير الناتجة عن العنف، بل عن الحرمان الذي فرضته الحرب.
الحرمان الممنهج وحصيلة وفيّات غزة
عند احتساب الوفيات الناجمة عن الحرمان المتعمّد (الوفيّات غير المباشرة) في بيانات الوفيات، يتبيّن أنّ إجمالي هذه الوفيّات أعلى من تلك الناجمة عن العنف (الوفيّات المباشرة). وقد أشارت عالمة الأوبئة البارزة، البروفيسورة ديفي سريدهار (رئيسة قسم الصّحة العالمية في جامعة أدنبرة)، ضمنَ مقال لها في صحيفة الغارديان، إلى “تقدير متحفّظ يشير إلى أربع وفيّات غير مباشرة لكلّ حالة وفاة مباشرة”. ولو افترضنا أنّ عدد الوفيات الناجمة عن الحرمان يبلغ أربعة أضعاف عدد الوفيات الناجمة عن العنف، فإن 136,000 حالة وفاة ناجمة عن العنف بعد 15.5 شهرًا من القتل (حتى 25 نيسان/ أبريل 2025) تعني ضمنًا 544,000 حالة وفاة في غزة نتيجة الحرمان المتعمّد، وبالتالي فإن إجمالي عدد القتلى في غزة سيبلغ 136,000 حالة وفاة ناجمة عن العنف بالإضافة إلى 544,000 حالة وفاة ناجمة عن الحرمان المتعمّد، مما يؤدي إلى إجمالي صادم يبلغ 680,000 حالة وفاة، بحلول 25 أبريل 2025. معظم هؤلاء الضحايا، كما أشارت إحصاءات سابقة لوزارة الصحة، هم من النّساء والأطفال.
وإنّه لرقم مهول، قائم على حسابات تستند إلى صراعات أخرى حول العالم. أشارت قاعدة بيانات Reword Global Law and Policy التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن معدّل الوفيات غير المباشرة (الوفيات غير الناتجة عن العنف، أي الناجمة عن الحرمان المتعمّد) نسبةً إلى الوفيّات المباشرة (الوفيات الناتجة عن العنف) يتراوح بين حوالي 2 و16 في مختلف الحروب خلال العقود الأخيرة. في الواقع، تكشف تقديرات الوفيات الناجمة عن العنف و عن الحرمان، والقائمة على بيانات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة، عن عدد الوفيّات المباشرة في حرب العراق (2003-2011) الذي بلغ 1.5 مليون حالة وفاة، 1.2 مليون للوفيّات غير المباشرة ، ليصل إجمالي الوفيات إلى حوالي 2.7 مليون حالة، بنسبة 1.5:1.2. كما تُقدر نسبة الوفيات المباشرة/الوفيات غير المباشرة في حرب أفغانستان (2001-2021) بنحو 0.4 مليون حالة وفاة/6.4 مليون حالة وفاة، أي أن عدد الوفيات الناجمة عن الحرمان يفوق عدد الوفيات الناتجة عن العنف بستة عشر ضعفًا.
وبالتالي، فإن تقدير عدد الوفيات في غزة، البالغ 680 ألفًا، يفوقُ بنحو 12 إلى 14 مرة العدد الذي تتناقلهُ حاليًا جميع وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تقريبًا، والذي يتراوح بين 50 و55 ألفًا.
يعدّ الأطفال من بين الأشخاص الأكثر “عرضة للخطر” في النزاعات العنيفة – وغزة ليست استثناءً. يكشف تحليلٌ شاملٌ للوفيات القابلة للتجنّب بسبب الحرمان، في جميع البلدان منذ عام 1950، أن وفيات الرُّضّع دون سنّ الخامسة تُمثّل حوالي 70% من إجمالي الوفيات التي كان من الممكن تجنبها في البلدان الفقيرة. (في أوائل مايو/أيّار 2024، أفادت دراسة مشتركة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن معدل الفقر في غزة – المزمن أصلًا – قد ارتفع إلى 58.4% منذ 7 أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، ساءت الأوضاع إلى حدٍّ كبير). حتى الـ25 من نيسان/أبريل ( يوم أنزاك *2025 )، بلغ عدد وفيات غزة، جرّاء العنف والحرمان المتعمّد، 544,000 حالة وفاة، منهم حوالي 380,000 طفلًا دون سنّ الخامسة.
أمّا الأطفال الرضّع، فهم معرّضون إلى خطرٍ كبير، إذ تشكّل الرضاعة الطبيعية، مثلًا، مشكلةً بالغة لأمّهات غزة اللاتي تعرّضنَ لصدمات نفسية شديدة، حيث حُرمن من الماء والغذاء والمأوى ووسائل النظافة وزجاجات الرضاعة وحليب الأطفال والكهرباء والصّرف الصحيّ وغيرها من مستلزمات الحياة الضّرورية التي تُطالَب بها القوّة المحتلّة، بموجب المادتين 55 و56 من اتفاقية جنيف الرابعة.
إذًا لو افترضنا أن 33% من الوفيات الناجمة عن العنف في غزة كانت من الأطفال، و21% من النساء، و46% من الرجال (وفقاً لرصد حقوق الإنسان الأورومتوسطي)، وأن نفس النسب تنطبق على الوفيات الناجمة عن الحرمان بين الأطفال غير الرضّع والنساء والرجال، فإن 680 ألف شخص في غزة قد قتلوا بسبب العنف والحرمان المتعمّد بحلول 25 أبريل نيسان2025، بينهم حوالي 380 ألف طفل دون سنّ الخامسة، و479 ألف طفل إجمالًا، 63 ألف امرأة، و138 ألف رجل.
*نبذة عن المؤلفين
الدكتور ريتشارد هيل
أستاذ مساعد في كلية الخدمات الإنسانية والعمل الاجتماعي في جامعة جريفيث، جولد كوست، وأستاذ مساعد في جامعة ساوثرن كروس، ومنسق معهد نغارا. ألّف العديد من الكتب، آخرها كتاب “نهب الفلوجة: تاريخ شعب” (بالتعاون مع روس كابوتي ودونا مولهرن).
الدكتور جيديون بولي
عالم كيمياء حيوية، درّس العلوم في جامعة لا تروب على مدى أربعة عقود. ركّزت أبحاثه بشكل كبير على نقل الإشارات في النبات. كما ألّف العديد من المقالات العلمية، ومؤلفًا ضخمًا في علم الأدوية الكيميائية الحيوية بعنوان “الأهداف الكيميائية الحيوية للمركبات النشطة بيولوجيًا في النباتات “. بصفته ناشطًا إنسانيًا معنيًا برصد الوفيات التي يمكن تجنبها بسبب الحرمان والحرب، نشر كتابي “إحصاء الجثث: الوفيات العالمية القابلة للتجنّب منذ عام ١٩٥٠” و”جين أوستن والثقب الأسود في التاريخ البريطاني”.
*يوم أنزاك : يوم وطني يحتفل فيه جميع الأستراليين والنيوزيلنديين تخليدًا لذكرى تضحيات قوات الدفاع الأوستراليّة والنيوزيلنديّة في الحرب جميّة الأولى