مقال اليوم

الصراع مع إسرائيل: ميزان المعنى والقوة!

الصراع مع إسرائيل: ميزان المعنى والقوة!

عقيل سعيد محفوض

قريباً، سوف ينتهي ما يحدث بين حركة حماس وإسرائيل إلى “تسوية”، لابد أن تكون “مؤقتة”، وبالطبع “غير عادلة”. مؤقتة لأن ما يجري لن يكون نهاية الصراع، وليس في مدارك الأطراف أي تقدير عن نهاية قريبة له. و”غير عادلة”، لأن التسويات غالباً ما تعكس ميزان القوة وليس ميزان الحق.

يُعوِّلُ الإسرائيليون على القوة في فرض ما يدَّعُون أنه حق، وتثبيت الأمر الواقع، وزيادة الاختلال في ميزان الصراع، وتعظيم المكاسب، وتطبيع العلاقات مع الإقليم، وبالطبع تحويل الفلسطينيين إما إلى خانعين ومُذَلين مُهانين، وإما إلى “إرهابيين”. فيما يُعوِّل الفلسطينيون على الحق في “تأكيد الذات”، وخلق “قوة مقاومة”، وليس “قوة حسم نهائي” للمواجهة. وبالطبع هم لا يريدون رد اليهود من حيث أتوا. هم ضد المشروع الاحتلالي الصهيوني وليسوا ضد اليهود بالتمام. وسبق أن قبلوا اليهود بينهم.

ماذا يحدث إذاً؟ وهل ان الصراع في غزة وغلافها الذي اندلع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وامتد إلى مناطق أخرى في فلسطين، ويهدد بمواجهة إقليمية، هو مجرد جولة في صراع ممتد؟

ما يحدث، وهذا تقدير أولي، هو تعبير عن أن الواقع لا يمكن أن يستمر، وان لدى العرب القوة والإرادة التعبير عن أنفسهم، وتأكيد قضيتهم، والمطالبة بحقوقهم. فعلوا ذلك بوسائل غير تقليدية، وصنعوا “حدثاً”، بكل ما للكلمة من معنى، وسوف يبقى طويلاً في ذاكرة الصراع. ما حدث مَثَّلَ “حداً فاصلاً” في الصراع مع إسرائيل، باعتبار تطوراته حتى الان، وبالتالي فإن ما بعده يختلف عما قبله، وخاصة مع هول الصدمة والمفاجئة، والتكتيكات الميدانية والعملية المستخدمة فيه، وما أثاره من ردود فعل واستجابات.

كسر العرب النمط في الصراع مع إسرائيل، و”فتحوا باب الإمكان” و”أعادوا إنتاج” أو “إحياء” تقديرات ومسارات، ثمة من اعتقد أنها انقضت ولم تعد ممكنة، ومن ذلك مثلاً: أن قوة صغيرة ولكن مدربة جيداً، يمكنها أن تحقق اختراقات مهمة ضد كيان هو أشبه بـ”قاعدة عسكرية” منه بـ”دولة”، بالمعنى الذي نعرفه.

ما حدث فاق قدرة إسرائيل على توقعه، وكشف عن فشل كبير لديها في الإمكانات والتقديرات العسكرية والأمنية والاستخباراتية. بل انه أثار مدارك تهديد كبرى، ربما تجاوزت –في جانب منها- ما حدث في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، باعتبار الظروف والإمكانات اليوم، وثمة من شبَّهَ ما جرى بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، بتعبير مارتن إنديك السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل (فورين أفيرز، 7-10-2023).

ومن التقديرات والتعميمات التي تجاوزها الحدث، ان إسرائيل قوية لدرجة يصعب معها التأثير في موقفها، وأن امكانات الفلسطينيين ضعيفة ومن الصعب أن تحقق مكاسب سياسية أو استراتيجية مهمة، وان فارق القوة يعطي القوي الحق في أن يفعل ما يشاء.

لكن، في أي أفق تندرج معارك المقاومة ضد إسرائيل، هل هو أفق “تحرير” أم أفق “تحريك” في الصراع؟ وهل يمكن للمقاومة اليوم، وباعتبار الواقع الفلسطيني نفسه، بكل هشاشته وانقساماته واصطفافاته والاختراقات الحاصلة فيه؛ وبالطبع الواقع الإسرائيلي، بكل توتراته وانقساماته وصدوعه، والواقع الإقليمي والعالمي، بكل المنافسات والاختلالات الحاصلة فيه؛ أن تكسر ميزان المعنى والقوة في الصراع؟

لا بد من التأكيد على أن ميزان التقدير ومنطلق السؤال هنا، ليس ميزان القوة فحسب، وإنما ميزان الحق أيضاً، وربما أولاً، إذ ان للفلسطينيين والعرب الحق في أن يقاوموا ويدافعوا عن حقوقهم. والقضية ليست محض فلسطينية أو لبنانية أو سورية الخ كما أنها ليست محض إسرائيلية. ان الحديث هو عن قضيتنا نحن، عن أرواحنا ودمائنا نحن، قضية وجودنا في هذا العالم، مثلما أنها قضية الغرب وحلفاء إسرائيل في المنطقة والعالم. وبالتالي، لا نغفل عن ميزان القوة، بما هو ميزان للموارد والإمكانات والتحالفات والاصطفافات الخ

هل يعني ذلك الركون لإكراهات القوة في ميزان الصراع، وفي النظام العالمي اليوم، أم مقاومتها بالتمام؟ يتعلق الأمر باعتبارين رئيسين: الأول، أن الركون لتقديرات القوة يعني المزيد من التخلي وربما الانحناء أمام الإكراهات، وبالتالي الخضوع لما تريده إسرائيل، وبالتالي استمرار معاناة الفلسطينيين من حصار وتجويع وتهجير وإذلال. الثاني، ان مقاومة تلك الإكراهات يعني المزيد من المواجهات والعنف والتدمير.

والان: هل ثمة “نقطة توازن” في ميزان التقدير بين الاعتبارين المذكورين؟ ليس ثمة إجابات يسيرة على هذا السؤال، في ظل وجود فواعل كثيرة، قل: لاعبين كثر في الصراع. وعند الحديث عن أزمة كبرى، ويبدو أننا نكرر هنا، قد لا يصح النظر إليها باعتبار موازين القوة فقط، الصحيح هو النظر إليها باعتبار قوة الحق وقوة الانتماء أيضاً، وقوة الاعتزاز بـ”الأنا” و”الهوية” الفلسطينية، وإرادة الحياة والعيش بكرامة، أيضاً وأيضاً.

المهم أن يكون فواعل المقاومة قادرين على “تدبير” الموقف، وفق منطق التهديد-الفرصة، وحشد الموارد المادية والمعنوية، ما أمكن منها، بما في ذلك وجود توافق وطني وشرعية وطنية، وإلا فقد يكون من الصعب تحقيق مكاسب قابلة للاستمرار والاستقرار.

هل يقرأ فواعل السياسة الواقع جيداً، بما في ذلك إكراهاته وإمكاناته، وبالطبع ما يمثل تهديداً ما يمثل فرصة فيه؟ من المؤمل أن يفعلوا، وإلا فإن ما يحدث لن يكون أكثر من “إعادة إنتاج” للكارثة!

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button