آخر خبر

كتابٌ فرنسي: محمد بن سلمان السيّد الجديد للشرق الأوسط

                               كتابٌ فرنسي: محمد بن سلمان السيّد الجديد للشرق الأوسط

سامي كليب sami Kleib:

بعضُ الذين قرأوا عنوان الكتاب الفرنسي ” محمّد بن سلمان-سرّي، تحقيقٌ حول السيّد الجديد للشرق الأوسط”، سارعوا إلى الظنّ بأنَّ مؤلّفَيه كريستيان شينو وجورج مالبرونو يحابيان وليّ العهد، ويمتدحان خصاله، طمعًا بمكرُمةٍ.  وهذه للأسف عادةٌ دائمة عند بعض العرب، بحيث إمّا يقرؤون العناوين دون التفاصيل، أو يربطون كلّ ظاهرة ببُعدٍ تآمُري. لكنّ الواقع عكس ذلك تمامًا، فالكتاب الذي صدر اليوم في 4 نيسان/إبريل، يسير على درب الموضوعيّة والتحقيق والتدقيق الذي انتهجَه الكاتبان الشهيران منذ مؤلفاتِهما الأولى حول قضايا الشرق الأوسط وقطر وسورية  والمياه وغيرها ، ويستند إلى شهادات ومراجع وعشرات المقابلات ، وإلى تحليل بنيويّ عميق حول شخص وليّ العهد السعوديّ من مؤثرات الطفولة والتربية، مرورًا بكيفية وصوله إلى منصبه ومَن هم الرجل المحيطون به في ديوانه ومشاريعه الحاليّة والمستقبليّة، وصولاً الى رؤيته المستقبلية وعلاقاتِه الاقليميّة والدوليّة، دون إغفال محطّات كادت تؤثر سلبًا على مسيرته وبينها اقصاءُ العديد من الأمراء، وعملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعوديّة في تُركيا.

يطرح الكاتبان في المقدّمة إشكالية بحثِهما الذي استمر سنوات، مختصرةً بالسؤال التالي: من هو محمد بن سلمان؟ أهوَ الأمير الشاب والمُعاصِر الذي يُحدث ثورة في السعودية أو هو طاغيةٌ مُتهوّر لا يتحمَّل أيَّ معارَضة في مملكته؟ الواقع أنّه لا يمكن الاستهانة بأنّ هذه الشخصية المثيرةَ للجدل للرجل القوي الجديد في السعودية، والمولود في العام ١٩٨٥، تكتنفها طبقة من الغموض، فهو مصدرُ افتنان وإعجابٍ للبعض، ومثار نفورٍ لآخرين، وفقَ الكاتبيَن.

ثم يقولان إنّه في خلال بضعِ سنواتٍ، تغيّر وجه السُعودية على نحو كبير، انقلبت الحياةُ اليوميّة رأسًا على عقِب. باتت السُعوديّاتُ قادراتٍ على قيادة السيارة. ما عُدنّ يتعرّضنَ لقمع المطاوعين في الشوارع، أي لرجال الشرطة الدينيّة التي كانت تسهرُ على فرض الالتزام الدقيق بالشريعة الإسلاميّة، عاكسةً صورةً عن المملكة تُشبه القرون الوسطى. والفضلُ في كلّ هذا هو لمحمّد بن سلمان، الذي قطع الالتزام بالقاعدة الذهبية المتعلقّة بالتفاهم لحُكم المملكة. ومنذ اشتداد المرض على والده، الملكِ سلمان بنِ عبد العزيز، فإنَّ الأمير محمّد، حاضرٌ أيضًا وبقوّة على مسرح الأحداث الدوليّة، بما في ذلك لعبُه دورَ الوساطة بين موسكو وكييف لتبادل السجناء وحضورُه في قمّة العشرين وقمة الهند وكباشُه مع قادة العالم من منطلق القوة لا الضعف.

يعترف الكاتبان بصعوبة الحصول على المعلومات من السعوديّة نفسها، ويقولان :” لقد استنتجنا أن السعوديّين يخشون الكلام في الداخل، خلافًا لحالهم في الخارج، ولذلك فإن معظم الشهادات التي استقيناها، كان أصحابُها يُفضّلون عدمَ ذكر أسمائهم، ففي سُعودية محمّد بن سلمان للحيطان آذانٌ تسمع”.

لعلّ القسم الأوَّل من الكتاب هو الأكثرُ متعةً وفائدةً لقراءة شخصية ولي العهد من طفولتِه ومراهقتِه، فتحت عنوان ” طفولة الأمير”، يقول مالبرونو وشينو:” إنّ طفولة محمّد بن سلمان أحجية. فهو قلّما يتحدّث عن هذا الأمر، وهو لم يكن أكثرَ من أمير بين 10 آلاف أمير في العرش الملكي السعودي. كان أهلُه أكثرَ حزمًا معه نظرًا لغضبه السريع وميلِه للقتال، ومنذ أن بلغ الخامسة عشر من العمر وحتى الثامنة عشرة منه، كان محمّد بن سلمان يُمضي مع عائلته في باريس أسابيع عديدة، حيث اشترت له أمُّه سيارةَ فيراري يجوب بها الشانزيليزه، ويقول أحدُ موظّفي فندق البلازا في باريس، إنّه كان خجولاً وليس مهتمًا كثيرا بالفتيات، وكان يُفضل تمضيةَ وقتٍ طويل خلفَ ألعاب الفيديو “، او اللعب بكرة القدم عند الساحل الفرنسي، لا بل أنّ أحد أكبر فنادق الساحل  اضطر في إحدى المرّات للبحث طويلاً  في مدينة نيس عن شاشة أكبر من شاشة الفندق الذي كان مقرًّا للعائلة السعودية الكبيرة ( كانت تحجز فيه 180 غرفةً) ، كي يتسنّى للشاب محمد بن سلمان التمتُّع بلعبته المفضّلة.  وينقل الكاتبان عن شهودٍ عيان في مدينة “كان” الفرنسيّة الساحليّة إجماعَهم على  :”أنّ محمد بن سلمان لم يكن من محبّي الحفلات الصاخبة والليليّة، خلافًا لأشقائه” كما يؤكدان نقلاً عن شهود آخرين أنَّ الأمير الشاب كان دائمَ الخلاف مع عدد من أفراد عائلته واشقائه، وكان يفضل الماكدونالد على الموائد العامرة المعروفة.

يتوقّف الكاتبان عند الشخصية القويّة والصعبة لوالدة الأمير محمد، الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان  آل حثيلين الزوجة الثانية للملك والتي كان والدُها زعيمَ قبيلة العجمان القريبة من العائلة المالكة، ويقولان أنَّ تأثيرَها كان كبيرا على وليّ العهد في طفولته، بينما والدُه أثر عليه خصوصًا في فترة المراهقة، وهو بقي إلى جانبه ولم يدرس خارج المملكة خلافًا أيضًا للكثير من اخوته واشقائه. وهكذا تعلّم اسرار وكواليس الحُكم في المملكة، وكيفية التعامل مع القبائل ورجال الدين، أي الدعائم التي كانت المملكة تقوم عليها، وكان يسافر مع والده في كلّ مناطق المملكة، ويبقى إلى جانبه طيلة الوقت، وهو ما يُفسّر هذا الشغفَ الكبير بالعمل. وقد درس القانون في جامعة الملك سعود في الرياض، وتخرّج في العام 2007 رابعًا بين زملائه، وهو مُذّاك صار يتحدّث عن فضيلة التربية كأحد أعمدة سياستِه الراهنة.

ينقل الكاتبان عن إحدى السعوديّات قولَها:” إنّ محمّد بن سلمان كان يشعرُ بالغضب حَيالَ فساد النظام والحياة المنحلّة للأمراء الذين كان يعاشرُهم، ومن هُنا وُلدت، دون أدنى شك، رغبتُه بالانتقام منهم”.

يفرِد الكتاب مساحةً جيّدة لكيفيّة وصولِ الأمير محمّد بن سلمان الى مناصِبه الحاليّة، ولطريقةِ اقصائه كلّ خصومه ومنافسيه، فيتوقّف شينو ومالبرونو عند إقصاء محمد بن نايف بالقوّة عن ولاية العهد، وكذلك الأمير الوليد بن طلال وكيف دفع 6 مليارات دولار لإطلاق سراحه بعد ان تعرّض للتعذيب وتم تغطيسُ رأسه بالماء في فندق الريتز الشهير الذي حُشر فيه كلّ المُتّهمين بالفساد.

ووفق الكاتبين فإن أحد الدبلوماسيّين الفرنسيّين والذي كان يتواصل مع الأمير محمد بن سلمان عبر الواتساب، قال له  في حينه:” يا سمو الأمير، لدي انطباعٌ بأنك ستحوّل المؤسسة السعودية ضدّك، وانت تُخاطر” كان جوابُه ” ربما لديك الحق من جهة، لكن يجب أن يعرفَ كلُّ هؤلاء من هو القائد من اليوم فصاعِدًا”.

لعملية قتل الصحفي جمال خاشقجي مكانٌ مُهم في الكتاب، خصوصًا أنّ أحد المُتّهمين الجنرال أحمد العسيري الرجل الثاني في الاستخبارات السُعودية متخرّجٌ من الكلية الفرنسية العسكرية الشهيرة Saint-Cyr وكان رجلَ الفرنسيين في مفاوضات بيع قمر صناعي للمراقبة العسكرية للرياض”. وإذا كان ما يقوله الكاتبان مجرّد سردٍ لوقائع كثيرة باتت معروفة حول هذه القضيّة، فإنَّ الأهم هو في كيفيّة خروج الأمير محمّد بن سلمان منها، وعودتِه الى الساحة الدولية. وهُنا سنقرأ الكثير عن كيفية الانبطاح الغربيّ أمام السعودية، وعن صلابة الأمير محمد التي كادت في مراحل عديدة تُحقّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكذلك الرئيسَ الأميركي جو بايدن.

 فحين ذهب ماكرون  مثلاً إلى السعوديّة للقاء الأمير محمد بعد فترة على اغتيال خاشُقجي، حاول أن يلعب هذه الورقة بقوله للأمير ” أنت مُدينٌ لي بشيءٍ”، فكان جوابُ بن سلمان:” لستُ مُدينًا لك بأيّ شيء، وفي جميع الأحوال، إن لم تتبعني، فلديّ الصينُ وآسيا إلى جانبي”، وهذا ما قاله أيضًا وبطُرُقٍ مُختلفة للأميركيّين. لا بل حين زار الأمير فرنسا في إحدى المرّات طلب أن تكون السجادةُ الحمراء في قصر الاليزة أطولَ من المُعتاد، وأن تكون زيارتَه رسميّة منعًا للملاحقة بسبب قضية خاشقجي، وهذا ما خضعت له باريس، وجاء متأخّرًا أكثر من نصف ساعة على العشاء.  

في العلاقة مع باريس، مرورٌ على قضية إجبار رئيس حكومة لُبنان السابق سعد الحريري على الاستقالة من قلب الرياض، وكيف ساهم ماكرون بإخراجه من السعودية وكيف شتم السعوديّين حين وصل إلى باريس، وفيه قصةُ رفضِ الأمير طلبَ ماكرون استقبالَ رئيس حكومة لُبنان نجيب ميقاتي قائلا:” حين يبيع أحد يخوتِه الراسية في جدّة أقوم بالباقي”، وذلك في إشارة وفق الكاتبين إلى فساد الطبقة السياسيّة في لُبنان وضرورةِ إصلاحِ نفسِها أولاً.

كذلك في الكتاب تأكيد على أن ملكَ السعوديّة سلمان بن عبد العزيز، لم يوافق على مسيرة التطبيع الابراهيمية، وهو الذي طلب من الأمير تركي الفيصل كتابة مقالة تؤكد على ضرورة الحصول على ثمنٍ من إسرائيل لصالح دولةٍ فلسطينيّة قبل القيام بأي خطوة من هذا القبيل. ويقول دبلوماسي فرنسي:” إنّ سلمان لا يريد أن يُسجّل اسمُه في التاريخ على أنَّه الملك الذي باع فلسطين، لأنّه بذلك يكون قد رمى عرض الحائط كلَّ معاركه السابقة لصالح هذه القضيّة”.

وهُنا يُحسن الكاتبان بنشر استطلاعٍ للرأي أجري في شهر كانون الثاني، يناير من العام الحالي يؤكّد أن 96 بالمائة من السعوديّين الذين تم سبرُ آرائهم، يطالبون الدولَ العربيّة بقطع علاقاتها مع إسرائيل. ويقولان إنّه بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإنّ تهميشَ الفلسطينيين ما عاد مُمكنًا بعد 7 أكتوبر، لانّ ذلك سيؤثر سلبًا على استقرار المنطقة، وعلى مشاريع التنمية الاقتصاديّة التي ينشدها الأمير في كل المجالات.

العلاقة معقّدة مع بن زايد ومتوازنة عالميًّا.

وفي هذا السياق لا بُد من التوقّف طويلاً وعميقًا عند القسم الذي خصّصه الكاتبان لتطور العلاقة بين الأمير السعودي وشريكِه وصديقه السابق رئيس الإمارات محمّد بن زايد، فهما يغوصان في شرح عمق التقارب في لحظة مُعيّنة وحجم رعاية بن زايد لبن سلمان، ثم ينتقلان الى مرحلة الحذر الكبير والتنافس منذ خروج الامارات من حرب اليمن.

 

وفي هذا السياق أيضًا شرحٌ مُفصّل لنظرة بن سلمان للعلاقة مع إسرائيل، فهي إذ عرفت اختراقات عديدة في السنوات الماضية، الاّ أن حرب غزّة كبحت الفرامل.

يتوقّف الكاتبان الفرنسيّان عن الوزن المتزايد للسُعودية على الساحة الدوليّة، وعند شعار الأمير ” السعوديّة أولاً” بحيث لا يهمه من يغضب ومن يرضى من الدول الكُبرى، بل يهتم بما يخدم مشاريعَه لدولتِه، ولذلك فهو:” ومع إدراكه بأن الأمر سيُزعج الولايات المتحدة الأميركية، عدّل دبلوماسيَتَه الخارجية 360 درجة مع الدول المناهضة للغرب، وفي مقدمها الصين وروسيا في طريق الموازنة مع التأثير الأميركي”، وقد كان التطبيعُ مع إيران في الصين صفعةً حقيقية لواشنطن.

بعد ان يشرح الكاتبان تعاظم تأثير بن سلمان بين شباب السعودية، ولكن أيضًا في الكويت المجاورة ودولٍ عديدة، وبعد أن أهان بايدن بقصة النفط بعد حرب أوكرانيا، فهما يقولان إنّه :” الاّ اذا تعرّض الأمير محمد للاغتيال من قبل أحد أبناء أعمامه الناقمين على تشليحهم أموالَهم أو اقصائهم عن السُلطة، فإنَّه سيتمتع بعشرات السنوات المُقبلة لإعادة صياغة المملكة وربما الشرق الأوسط بمجمله، هذا يبدو قدرُه، حتّى أنَّ أكثر المتردّدين في الغرب يعترفون بذلك”. هي ورشة هائلة لنقل السعودية من وهّابية القرون الوسطى إلى التحديث والرقمنة.

يبدو الكاتبان جازمَين بأنّه عاجلاً أم آجلاً، فإنّ السعوديّة وخصوصًا بعد ان استعادَت علاقاتِها الدبلوماسيّة مع إيران، فإنّها ستُطبّع  العلاقةَ مع إسرائيل، ويعتبران إنّ على الأمير أن يستجيب لمطالب حريّة التعبير والتحرّر السياسيّة في بلاده.

تبدو السعودية وفق شينو ومالبرونو بلدًا في عزّ الشباب، تتحرّك هرموناتُه بسرعة، ويزداد حجمُ العضلات في جسده، وقد ضاق السعوديون ذرعًا من الدول التي تُعطيهم دروسًا من الخارج، والأمير مقتنع بأنّه كي يُنجح ثورتَه، فعليه أن يقبض على السلطة بيد من حديد حتى لو نُظر إليه كمُستبد، وليس هدفُه تحويلَ بلادِه إلى ديمقراطيّة ليبراليّة، ففي عصر آخر، نجح القائد التركي كمال أتاتورك بتحديث بلاده دون اقنعة.

ويختم الكاتبان مؤلَفَهُما ناقلين عن أحد موظّفي مشروع نيوم قولَه : إنّ محمد بن سلمان يبني طائرة هي بالأصل قيدَ التحليق، وهذا يختصر كلّ جُرأة الأمير، وهو القائد الوحيد في غرفة القيادة، ولذلك فإنه يُمارس سُلطة ما زالت وهِنة وأحادية القيادة، وبالتالي فإنّ كلّ شيء يستند إليه، وهو ما يعني أنّ احتمال سقوط الطائرة غيرُ مُستبعد، ذلك أنَّ لديه كثيرًا من الأعداء الذي لم يهضموا ما تعرّضوا له من إهانة وسيحاولون الانقضاضَ على حُكمه، أو ضربَ رَهانه على تحديث بلده العجوز بالقوّة.

كتاب الزميلين كريستيان شينو وجورج مالبرونو هذا، مُفيدٌ جدًا لكلّ من يريد أن يعرف السعوديّة اليوم، وشخصية ومشاريع ولي العهد وأركانَ حُكمه وعلاقاتِه الإقليمّية والدوليّة، وهو إذ افتقر الى وثائقَ وأسرارٍ نظرًا لعدم رغبة السعوديّين بالكلام او الكشف عن وثائق، الاّ أنّه يُقدّم عرضًا موضوعيًّا ومفيدًا ومهمًّل لقارئ أجنبي، ولكن أيضا لقارئ عربي، بغيةَ الخروج من الأوهام ومعرفةِ السعوديّة على حقيقتِها، بعيدا عن المدح أو القدح،  لذلك من المهم ترجمتُه الى العربيّة، لأنّه باعتقادي أولُ كتابٍ  شامل وغير منحاز حول الأمير والمملكة.

الكتاب صادر عن دار Michel Lafon  الفرنسي العريق ، ومن الرابع من الشهر الحالي بات متوّفرًا في المكتبات الفرنسيّة وعبر Amazon

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button