مقال اليوم

ريم الاطرش: اليس من طريق ثالثة في سورية بين الموالاة والمعارضة؟

لماذا الخيار دوماً بين: “إما / أو”؟ أليس ثمة طريق ثالثة ؟ ( سورية)

د. ريم منصور سلطان الأطرش

 في هذه الأيام الخطيرة، والتي أستشعر فيها خطراً على وطني، هو أكبر بكثير من الخطر في كل ما مضى من المحنة السورية. وفي الوقت الذيتزيد فيه الضغوط على سورية والسوريين، بالحصار الاقتصادي الغربي وبنهب ثرواتهم، وفي ظلّ تردّي الأوضاع المعيشية للمواطن السوري والتي فاقمتْ نتائجَها على الشعب القرارات الحكومية المتتالية، والتي أقلّ ما يُقال عنها إنها عشوائية وخاطئة وغير مدروسة، ولا تأخذ بعين الاعتبارمصالح المواطن وعيشه بكرامة، كما لا تأخذ الصالح العام بالحسبان؛

وفي ظلّ تراكم القرارات الحكومية الخاطئة من دون أي مراجعة واقعية، ومن دون أي تعاطٍ معها يجعل المواطن السوري يرى بصيصاً من أمل في وطنه؛

وفي ظلّ تنامي الهجرة، أو في هذه الحالة، التهجير، وفقدان سورية لشبابها وشاباتها المبدعين الذين نرى جميعاً إنجازاتهم في الخارج، حين تتهيّأ لهم الظروف الملائمة؛

وفي ظلّ تمسّك معظم الناس في بلدي بالتصانيف ذاتها التي تمّ إقناعهم بها منذ دزينة من السنوات الماضية:

إما موالاة أو معارضة؛ إما مع النظام أو ضدّ النظام؛ إما مع الشعب أو ضد الشعب؛ إما مع إرادة الناس أو مع الشيطان… إلخ من تلك التصنيفات التي لم تودي بنا إلا إلى خراب الوطن والنفوس، وإلى انقسام عمودي في المجتمع السوري، والمجتمع العربي بشكل عام… (أرجو لمن لم ينتبه بعدُ، أن يتنبّه إلى أنّ المستَهدَف هو الشعب العربي بأسره على اختلاف أقطاره)؛

وتالياً، في ظلّ قراءة بعض الناس لما يكتبه من لا يسعى إلى اقتسام قطعة الكيك” مع أحد، من خلال ما هو موجود من تصانيف ترسّخت في عقولهم على مدى أكثر من عقد من الزمن، من دون التمعّن فعلاً في المعنى المُراد من المكتوب والهادف إلى حماية الوطن من خطر التشرذم والتفكّك

في ظلّ هذه المخاطر المُحدِقة بنا، تُرى، ألا يمكن أن نختار طريقاً ثالثة؟!

شخصياً، منذ أوائل المحنة، اخترتُ الشخصية الاعتبارية التي أعشقها، والتي لا يمكنني الابتعاد عنها. عرفتموها بالتأكيد: هي سورية، وطني وحُبّي: “إني اخترتُكَ يا وطني حُبّاً وطواعية / إني اخترتُكَ يا وطني سرّاً وعلانية”ً.

فالتصنيفات الواردة أعلاه والمترسّخة في أذهان الكثير من الناس، إلى اليوم، رغم المآسي التي حلّتْ بنا وبالوطن، تزيد من الأحقاد وتشعل نارها بين أبناء الوطن الواحد، ولن تكون نهايتها إلا ندماً وتجزئة وخراباً.

لكنْ، ثمة طريق ثالثة جامعة لا مُفرِّقة، وإصلاحية لا تخريبية، وبانية لا تهديمية، للحجر والشجر والبشر

كيف يمكننا تلمّس تلك الطريق رغم التصنيفات والانقسامات؟!

أظنّ يمكننا ذلك بوضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار شخصي، والجلوس معاً، كسوريين، إلى طاولة حوار مستديرة، نعترف فيها، بعضنا ببعضنا الآخر، ونتفق عبرها على مناقشة كلّ همومنا ومشاكلنا، من دون خجل أو وجَل، لنلتزم جميعاً في نهاية المطاف بمخرجات هذا الحوار!

وقبل مشاركتنا في هذا الحوار، فنحن السوريين، الحريصين على عدم تفتيت سورية وعلى وطن لجميع أبنائه المخلصين، والحامين للدولة من السقوط، بدعمهامنذ بدء المحنة في العام 2011، نستطيع التجمّع على برنامج وطني واضح نتفق عليه، بعيداً عن الأيديولوجيات والأحزاب والأديان والطوائف والمذاهب والإثنيات وبعيداً عن رجال الدين أيضاً، فشعبنا راشد ورشيد ولا يحتاج إلى وصاية من أحد، سوى إلى وصاية ضميره الوطني الحريص على حياة الوطن ومواطنيه، والمُنادي بـِشعار:

“الدين لله والوطن للجميع”!

في النهاية، أرجو من المهتمّين قراءة هذه الأفكار بتروٍّ، ومن دون أحكام مسبقة تصف المقترح بالرومانسية أو الخيالية… فنحن السوريين إلى اليوم لم نجرّب القيام بهذا التجمّع المدني وتحديد برنامج وطني لنا لنعمل على أساسه ونتحاور مع السوريين الآخرين حوله (نشرتُ بعض أفكاره في رسالتي إلى أهل بلدي على موقع لعبة الأمم للدكتور سامي كليب، في الأسبوع الماضي)… فالحوار يكون بين المختلفين لا بين المتفقين… لأن الحوار بين المتفقين لا يعدوكونه القيام بهزّ الرأس والموافقة، أما الحوار بين المختلفين، فيقوم على اجتراح حلول جديدة نتيجة العصف الذهني سويّاً!

ولتكن غايتنا، ما كتبه جبران خليل جبران يوماً: “على أنقاض ماضينا نبني مجد آتينا”!

د. ريم منصور الأطرش، كاتبة وأديبة لها مؤلفات عديدة بالسياسة ووثائق سُلطان ومنصور الأطرش وتاريخ وحاضر سورية

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button