ثقافة ومنوعاتشباب 20

النرجسي خطير،هذه صفاته وهكذا يُمكن تفاديه

النرجسي خطير، وهكذا يُمكن تفاديه

روزيت الفار-عمان 

تعود التّسمية لأحد شخصيّات الأساطير الإغريقيّة؛ نرسيسسNarcissus ، الشّاب الوسيم الّذي وقع في حبِّ نفسه واختال تيهاً بها؛ بعد أن أبهره جمال صورته المنعكسة من بركة ماء كان يجلس طويلاً بمحاذاتها؛ يتأمّل فيها، إلى أن تلاشى بعيداً وتحوّل الى زهرة تحمل اسمه نرسيس أو “النّرجس”. كما وكان يُدعى أحياناً بإله التّجبّر والغرور.

بين القرنين 16-17، أدّت قصّة نرسيس دوراً كبيراً في قصائد شكسبير الشّعريّة، حيث كان المصطلح المستخدم فيها، “حبّ الذّات”. كما واستخدم الّلورد “فرانسيس بيكون” بالفترة ذاتها، التّعبير قائلاً: إنّها طبيعة المُتطرّفين في “عشق الذّات”. غير أنَّ الّلورد “جورج بايرون” -وبين القرنين 18-19- وصف كيف يتسلّل حبّ الذّات إلى النّفس كالأفعى لادغاً أيّ شيء يعترضه. علماً بأنّ شكسبير وبيكون وبايرون من أشهر الأدباء والشّعراء والفلاسفة الإنجليز.

تمّت صياغة مصطلح “النّرجسيّة” وأصبح مُستخدماً بصورة رسميّة نهاية القرن ال19. حدّد القرن ال20 المفهوم إلى حدٍّ بعيد من النّاحية النّفسيّة وتفرّع عنه ما يسمّى بِ”اضطّراب الشّخصيّة النّرجسيّة” NPD Narcissistic Personality Disorder وهي حالة نفسيّة يوصف أصحابها بوهم العظمة والتّفوّق، والحاجة المفرطة لتلقّي الاهتمام والإعجاب، وبعدم إمكانيّة التّعاطف مع الآخرين وبالإنكار الشّديد لأخطائهم.

يُضخّم الّذين يعانون من اضطّراب الشّخصيّة النّرجسيّة -وهم يختلفون عن النّرجسيين بمستوى أعلى من الشّدّة والتّحيّز نحو أنفسهم- صورة مثاليّة عن أنفسهم ويعشقونها؛ دفعاً للمشاعر الّتي تسببها الحالة. كمشاعر عدم الأمان والفراغ الدّاخلي والعار وحتّى مشاعر الخوف والتّهديد من الأشخاص الّذين يمتلكون أموراً يفتقدونها. لكنَّ إبقاء وهم العظمة قائماً؛ يتطلّب منهم عملاً مضنياً، وهنا تبرز المواقف والسّلوكيّات المختلّة.

قد تظهر مثل هذه الشّخصيّات الّتي تقاوم بشدّة تغيير السّلوك وتضع الّلوم دائماً على الآخرين، في شتّى العلاقات. فقد نجدها داخل الأسرة الواحدة وداخل محيط العمل، وبين الأصدقاء أو بأيّ مكان آخر.

من أبرز مميّزات هذه الشّخصيّات؛ استغلال الآخرين دون أيِّ خجل أو شعور بالذّنب، فهم يؤمنون بأنّ ما يريدون؛ يجب أن يحصلوا عليه ويتوقّعون أن يمتثل جميع مَن حولهم تلقائيّاً لتلبية رغباتهم ونزواتهم، إذ يعتبرون أنفسهم مميّزين وفوق الآخرين ويتوقّعون دائماً معاملة تفضيليّة لهم من باب الواجب لا الخيار. وإن كان لديك الجرأة لتحدّي إرادتهم فجهّز نفسك لتلقّي غضبهم والانفجار بوجهك وإيذائك بالشّكل الّذي يرغبون.

آليّة دفاعهم هي التّحقير والإهانة وتسفيه الأشخاص والتّقليل من أهميّتهم وقيمتهم. فهذا بنظرهم يشكّل الطّريقة الوحيدة لتحييد التّهديد ودعم الغرور. 

أهمّ التّقنيّات الّتي يستخدمها النّرجسي:

  1. تقنيّة التّثليث(الثّالوث)؛ بمعنى إدخال طرف ثالث على العلاقة وإقحام الضّحيّة بعلاقة عداوة أو منافسة معه دون وعي أو رغبة منه. قد يكون الطّرف الثّالث شخصاً أو أمراً يشكّل اهتماماً لدى النّرجسي كالعمل أو الطّموح أو المال، ما يجعل الضّحيّة تستمر في تقديم التّنازلات للفوز برضى النّرجسي، ويقوم الأخير بتقديم الدّعم والاهتمام المفرط للطّرف الثّالث بغية تحريك مشاعر الغضب لدى الضّحيّة وجعله يفقد الأمان والثّقة بالنّفس وصولاً لتدميره والسّيطرة عليه.

يقف النّرجسي يراقب هذا الصّراع المُحتدّ بين الفريقين متلذّذاً بما يشاهد، وكيف لا؟ وكُّل طرفٍ يسعى لكسب شخصيّته لصالحه أو لتحسين صورته لديه، ما يشعره هذا التّنافس بأهميّته وقيمته عند الطّرفين. وبكلّ خبث؛ يقوم حيناً بمكافأة أحدهما على حساب الآخر ثمّ لا يلبث أن يفعل العكس كي يزيد من حدّة الصّراع دون أيِّ اعتبار للنّتائج. فهدفه الأوّل والأخير هو إحكام السّيطرة والفوز.

  1. الصّمت العقابي؛يستخدمه النّرجسي إن تعرّضت شخصيّته لأيّ مساس بها أو شعر بتهديد لعظمتِهِ الوهميّة.
  2. تقنيّة الغموض؛ كأن يمدحك النّرجسي حيناً ويذمّك حيناً آخر فالسّلوك المتأرجح بين التّعظيم والتّحقير يؤدّي لخلق نوع من الاهتزاز بشخصيّة الضّحيّة وزعزعة ثقته بنفسه كي يسهل تدميره.
  3. يلجأ النّرجسي في بعض تكتيكاته، إلى تشوية سمعة ضحيّتهإ إذا ما عافَهُ وتخلّى عنه، مستخدماً في ذلك الكذب والافتراء واصفاً إيّاه بالأخرق الّذي لا يسمو لتطلّعاته.

لا يتخلّى النّرجسي عن ضحيّته بسهولة، فهو إن وضعك برأسه سيبقى يعمل كلّ ما بوسعه حتّى يتمكّن منك سعياً وراء إثبات ذاته وتفوّقه، حيث يعتبر النّرجسي ضحيّتَه مخزناً لطاقته الّذي تتغذّى عليه “الأنا” الّتي بداخله حتّى وإن اقتضى الحال توظيف أطراف خارجيّة لإيذائك، علماً بأنَّ هؤلاء غير مستبعدين من تلقّي نصيبهم من الإهانة أو المدح المزيّف.

ماذا نفعل إذاً لنتفادى خطر النّرجسي؟

لا شكّ بأنّ النّرجسي شخصٌ ذكيٌّ ولديه مستوى عالٍ من الكاريزما المبطّنة بالخبث، يستخدمهم بحرفيّة في إيقاع ضحيّته، ممّا يصعّب على الآخر الانتصار عليه. لكنّه ومَن يعانون من اضطّرابات تلك الشّخصيّة، يشكّلون آفة خطِرة في كافّة العلاقات الاجتماعيّة، وخصوصاً المرتبطة بالأسرة أوّ الزّملاء بالعمل، حيث لا خيار في الابتعاد. وهنا تقع الكارثة.

يُنصح هنا بالصّمت والتّجاهل وتجنّب المواجهة. ثمّ القيام برسم حدود والابتعاد ما أمكن. العمل على تثقيف الذّات ورفع مستوى الثّقة بالنّفس والإيمان بأنّك لست الشّخص المُلام.

للأسف هناك بعض الضّحايا يصل بهم الضّرر إلى حدّ الانتحار إن لم تتمّ معالجة الوضع في الوقت والطّريقة المناسبة. 

لا بدّ من تثقيف الأجيال الصّاعدة وتعريفهم بهذه الظّاهرة وإدخال هكذا مواضيع ضمن المناهج التّعليميّة،  ففهم هذه الظّاهرة يفيد في تجنيبهم الوقوع كضحايا، ويرشدهم لكيفيّة التّعامل مع الوضع عند حدوثه.

في النّهاية، هل يتصرّف النّرجسي بهذا الشّكل عن وعي وإدراك أم لا؟

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button