افتتاحية

من ربح فعلاً؟

بعد الربيع،خريف الفقر

سامي كليب 

بعد أن انحسرت الموجة الأولى لما أطلق عليه اسم ” الربيع العربي” تاركة خلفها مئات آلاف القتلى وملايين المشرّدين وخسائر بأكثر من ألف  وخمسمئة مليار دولار، جاءت الموجة الثانية أكثر سلمية لتغيّر نظامين في الجزائر والسودان، بينما التقسيم والاقتتال ما زالا يفتكان بليبيا، والحرب الضروس تستمر في نهش الجسد السوري، واليمن يواصل العيش في ظل أسوا كارثة انسانية في القرن الحادي  العشرين وفق تصنيف الأمم المتحدة. وأما باقي الوطن العربي، فقلق وضائع وباحث عن تحالفات تحمل في داخلها المتفجّرات، او واقف على شفير علامة استفهام كبيرة.

لا شك أن رياحا كثيرة دخلت من الأبواب المخلّعة للوطن العربي، وأن أجهزة كثيرة تلاعبت بمشاعر الناس، لكن الصحيح أيضا أن العواصف ما كانت لتدخل لو أن علاقة الحكّام بشعوبهم كانت سليمة في دول كان من المفترض أن تحفظ العدالة وحسن توزيع الثروة وتحافظ على كرامة الفرد وحقوقه الأساسية وتقتل جائحة الفساد والاستعباد.

ليس كل من ثار خائنا، ولا كل من انتفض مرتهنا لأجهزة خارجية. فجزء كبير من هؤلاء أراد ببساطة ان يشعر بأنه انسان يستطيع ان يفكر ويأكل بحرية. وبعض الحُكّام الذين عابوا على المنتفضين ارتماءهم في احضان الغرب، كانوا هم أنفسهم في أحضان هذا الغرب او يأملون بذلك. لكن ليس كل من ثار وطنيّا ويريد الخير لشعبه. فبعض الثوار الذين حلموا بالاطاحة بأنظمة استبدادية، قدموا نموذجا أكثر استبدادا في ممارستهم وساهموا في الفتك بدولهم، وركلوا علمانيتهم على مذابح المذهبية والتطرف وحتى الارهاب.

بعد مليون ونصف مليون قتيل، واكثر من 14 مليون مُشرّد، وخسائر قاربت 1500 مليار دولار. يحق للشعوب أن تسأل في أواخر هذه العام المأساوي بامتياز: الى أين؟

تبيّن من خلال السنوات العشر الدموية، أن ما حصل في الوطن  العربي كان مزيجا من نقمة داخلية عميقة وحقيقية، وصراع محاور على أرض العرب. تبيّن كذلك أن المنتصر عسكريا او المهزوم، بحاجة الى اعادة قراءة دقيقة لما حصل. فالنصر العسكري حتى على عدو حقيقي لم يكن عبر كل تاريخ البشرية هدفا بحد ذاته، والدول التي نهضت بعد الحروب هي تلك التي أسست لمشاريع تعيد أولا توحيد الناس في داخلها، وتتعلم من اخطاء الماضي، وتمنح أملا للمستقبل، ولا تكتفي بالكلمات والخطابات، وانما تؤسس لعقد اجتماعي حقيقي جديد ولتنمية مستدامة وتضع خططا خمسية وعشرية، وتعمل على اغلاق أبواب الوطن ضد رياح التدخلات لكنها تفتح الأبواب لعلاقات جيدة مع الشرق والغرب .

حتى نهاية العام 2020.لمن نر ذلك لا من السلطات ولا من المعارضات. لا نرى الا أطرافا تعد أطرافا اخرى بهزيمة أكبر، ومتملقين يهللون لهذا وذاك، بينما الرابح الوحيد هم غير العرب.

إعلاميون لا أبواق

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button