آخر خبرثقافة ومنوعات

لبنان يُهجّر أدمغته فتحصد جوائز نوبل

روزيت الفار- عمّان

أحد الأدمغة اللّبنانيّة المهاجرة لأمريكا بفعل الحرب؛ يفوز بجائزة نوبل للطّب لهذا العام مناصفة مع زميل أمريكيّ له.
اكتشاف أنواع خاصّة من المستقبلات المرتبطة بدرجات الحرارة المختلفة وأخرى خاصّة باللّمسTemperature and Touch Receptors كان سبب نيلهما الجائزة.

البروفيسور اللّبناني الأرمنيّ آرديم بتابوتيان -عالم الأحياء الجزيئيّة المتخصّص في “النّقل الحسّي” والأستاذ في قسم الأعصاب بمعهد سكريبس للأبحاث في كاليفورنيا- والعالم الفيزيولوجي الأمريكي ديفيد جوليوس من جامعة كاليفورنيا/سان فرانسيسكو؛ توصّلا لتحديد أنواع معيّنة من المستقبِلات تنشط عند تعرّضنا لدرجات الحرارة المختلفة؛ فنشعر إمّا بالألم الّذي تسبّبه هذه الحرارة حين تكون شديدة السّخونة أو البرودة -عند لمسنا جسماً ملتهباً أو قطعة ثلج مثلاً- أو بالسّعادة والدّفء عند معانقة واحتضان مَن نحب. كما واكتشفا مستقبلِات من نوع آخر تتفعّل عند عملية اللّمس والّتي نميّز من خلالها طبيعة الأسطح المختلفة؛ علماً بأنّ أطراف الأصابع هي الأكثر استشعاراً لتلك المؤثّرات من بين بقيّة أعضاء الجسم. واكتشف العالمان آرديم وديفيد أنّ هذه المستقبلات هي المسؤول الأساسي عن تفسير كل ما يحدث من ردّات فعل للجسم تجاه محيطه، وتبعاً لذلك فهي تعتبر أهم وسائل حمايتنا من الأخطار.

آليّة عمل تلك المستقبِلات:

لقد كنّا نعتقد بأنّ المسؤول الأوّل عن حاسّة اللّمس هو فقط الجلد والأعصاب الموجودة به، لكن ما أثبته العلماء أنّ لذاك منظومة معقّدة من الحواس تشمل حاسّة اللّمس نفسها وما يُعرف بالمجسّات الميكانيكيّة،Mechanical sensors  وأيضاً ما يسمّى بحاسّة استقبال “الحس العميق” Proprioception أي قدرة الجسم على إدراك اتجاهه وعمله وموقعه Action, Position and Movement إضافة إلى “حس الألم” الّذي يجعلنا نبتعد عن أي مثير يسبّب الأذى أو الضّرر للجسم سواء كان هذا المثير ذات طبيعة ميكانيكيّة أو كيماويّة أو حراريّة. وهكذا نرى الجسم يعمل دائماً على حماية نفسه كي يبقينا سالمين، وفقدان قدرته على ذلك قد يعني تهديداً للحياة.

استخدم آرديم الخلايا الحسّاسة للضّغط Pressure-sensitive cells لكي يكتشف فئة جديدة من المجسّات أو المنبّهات الّتي تستجيب للمؤثّرات الميكانيكيّة في الجلد وأعضاء الجسم الدّاخليّة، وكشف وزميله ديفيد جوليوس كيف يمكن للجسم أن يقوم بتحويل الأحاسيس الجسديّة إلى رسائل كهربائيّة داخل جهازنا العصبي وتوصيلها للدّماغ.

لقد استفاد جوليوس من المادّة اللّاذعة في الفلفل الحار (الكابسيسين) وآرديم من مادّة المنثول الباردة الموجودة بالنّعناع كلٌّ على حدا في التّعرّف على المنبّهات الموجودة بنهايات الأعصاب المنتشرة  بالجلد وبكامل الجسم. وقالا بأنّها تُشكّل قنوات تنشط وتستجيب للحرارة سواء كانت ساخنة أم باردة وأنّ هذه القنوات عبارة عن بروتينات -هي جزء من ال DNA مدمجة في جدران الخلايا العصبيّة تكون قادرة على التّفاعل مع مادّة الكابسيسين والمنثول وهي الّتي تشارك مباشرة في الاحساس بالحرارة أو البرودة الشّديدين والألم النّاتج عنهما، وتمّ تحديد بروتين TRPV1 المرتبط بالألم المزمن الّذي ينشط بفعل الحرارة الصّادرة عن مادّة الكابسيسين أو حرارة المحيط الخارجي و بكيفية تنظيم الجسم  لحرارته الدّاخليّة. وTRPM8 الّذي ينشط بدرجات الحرارة الباردة بتأثير المنثول أو اي برودة خارجيّة أخرى أمّا المستقبل المرتبط بالّطاقة الميكانيكيّة Piezo1 and Piezo2 فهما أساسيّان لعمليّة اللّمس وحساسّيّة الجسم لموقعه وتحرّكه إضافة لأدوارهما المتعدّدة في عمليّة التّعرّق والتّبوّل وبضغط الدّم.
كان ذلك الإنجاز حصيلة عمل مضنٍ وتجارب عديدة استخدم فيها هذان العالِمان عدّة أساليب ومنها اسلوب “التّجربة والخطأ” لحين  تمّ اكتشاف وتحديد تلك المستقبلات من بين جميع المجموعات المستخدمة.

 

لماذا اعتبر اكتشافهما لتلك المستقبلات مهمّاً؟

عند قيامها بتسليم الجائزتين؛ قالت اللّجنة المُنظِّمة بأنّ هذا العمل سمح لنا أن نفهم كيف يمكن لعناصر الحرارة والبرودة واللّمس والقوّة الميكانيكيّة تنشيط النّبضات العصبيّة بحيث نتمكّن من إدراك العالم من حولنا والتّكيّف معه، وهذه أمور جوهريّة وأساسيّة للمحافظة على بقائنا، واستطاع هذان العالِمان إيجاد الكثير من الحلقات المفقودة في عملية تعامل أجسامنا مع المحيط؛ وأضافت بأنّ هذه المعرفة ستساهم في تصنيع الأدوية لحالات مرضيّة كثيرة وخصوصاً للآلام المزمنة.

يذكر أنّ البروفيسور باباتوبيان ولد في لبنان عام 1967 ودرس فيه وقضى سنته الجامعيّة الأولى في الجامعة الأمريكيّة ببيروت، غير أنّ سنوات الحرب وتداعياتها كانت ترمي بثقلها على متابعة دراسته في وطنه فاضّطر للهجرة الى أمريكا سنة 1986 وأتمم دراسته بجامعاتها وحصل على العديد من الجوائز والألقاب نظراً لتميّزه كان آخرها جائزة نوبل للطّب لهذا العام.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button