افتتاحية

قمّة شرم الشيخ تُنعش دول الاعتدال العربي وتكرّس قيادة ترامب

 سامي كليب

تفتحُ قمّة شرم الشيخ العربيّة الاقليميّة الدوليّة غدًا الاثنين في شرم الشيخ، صفحة مختلفة تمامًا في الشرق الأوسط عمّا سبق. فهي تعقب هزيمة ٣ أطراف أساسيّة في المنطقة، هم نتنياهو وفريقه المتطرّف حيث عجزوا عن انهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن بالقوّة أو تهجير أهل غزة بالقوّة بعد عامين من أشرس أنواع الحروب، ومحور إيران الذي أصيب بزلزال عسكري بفضل التكنولوجيا الإسرائيلية والغربيّة المتقدّمة، واستراتيجية السلاح التي أثبتت فشلها في تحقيق أي انتصار وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء. وبالتالي فإن قمة شرم الشيخ التي تقودها مصر والولايات المتحدة الأميركية، تعيد لدول الاعتدال العربي دورها المحوريّ في قيادة المرحلة المقبلة من مستقبل فلسطين، وتكرّس زعامة الولايات المتحدة الأميركية بقيادة دونالد ترامب في المنطقة، مستبعدة بذلك أي دور للصين أو روسيا، ومع إعطاء دورٍ رمزيّ لأوروبا سيقتصر على مرحلة مواكبة تنفيذ خطة ترامب ودفع الأموال. 

لقد قاتل الفلسطينيون ببسالةٍ اسطوريّة حتّى الرمق الأخير، لكن الفرق الشاسع في موازين القوى كان كبيرًا، ولا يسمح بانتظارٍ أفقٍ عسكريّ لحربٍ فاقت بضراوتها وإبادتها وانعدام أي أخلاق قتاليّة فيها من قبل المُحتل معظم حروب العالم، وسعى المحور بقيادة إيران عبر ” حرب الإسناد” و ” وحدة الساحات” لتحقيق إنجازٍ عسكريٍّ موعودٍ منذ سنوات طويلة، لكنّ التفوّق العسكري والتكنولوجي والاستخباري الإسرائيلي المدعوم من الغرب، حقّق الضربات القاضية ضدّه  بأسرع مما توقّع الجميع وفي الجولات الأولى من الحرب. 

لقد انتهى، ولزمن غير قصير حتمًا، أيُّ منطق للحرب العسكريّة، فعالمُ الذكاء الاصطناعي، بات قادرًا على معرفة أدق التفاصيل عن خصوم إسرائيل، ومن الصعب اللحاق به في فترة قريبة. ولا بُد بالتالي من البحث عن مخارج أخرى أكثر عقلانيّة للحفاظ على ما بقي من فلسطين، ولمنع توسّع الحريق مُجدَّدًا صوب دولٍ أخرى، وللضغط على إدارة ترامب والدول الغربيّة، بغية وضع حدٍ لجنون نتنياهو والعودة الى منطق المفاوضات والسلام. 

وهكذا، وبعد أن تصدّرت السعوديّة وفرنسا قبل أسابيع قليلة، معركة الدبلوماسيّة في مؤتمر حلّ الدولتين في الأمم المتحدة، ونجحتا مع المساندة العربيّة والأوروبيّة، ومع تقهقر صورة إسرائيل غربيًّا، في رفع عدد الدول المؤيدة لقيام دولةٍ فلسطينيّة، تستعيد القاهرة غدًا دورها المحوريّ في هذا المؤتمر العربي الإقليمي الدوليّ، وتمضي قُدُمًا في المرحلة القادمة صوب حواراتٍ على أرضها وبدعمٍ عربيّ ودوليّ مع الفلسطينيين والإسرائيليّين، أولاً لتوحيد الكلمة الفلسطينيّة، وثانيًّا لتعزيز فرص نجاح المراحل المُقبلة من الاتفاق. وقد لوحظ أن الإمارات العربيّة المتّحدة كانت في طليعة الدول التي نجحت في إيصال مساعدات إلى غزّة في خلال الحرب وذلك بفضل علاقاتها المتقدّمة مع إسرائيل. 

ستكون مسؤولية دول الاعتدال العربيّ إذًا كبيرةً جدًّا، أو ربما الأكبر في تاريخِها وذلك بعد ان انهارت دولٌ عربيّة عديدة كانت تدعم عسكريًّا وماليًّا الموقف الفلسطيني المتشدّد أو مواقف التنظيمات والأحزاب والميليشيات المسلّحة، وقُصفت دولٌ أخرى مثل قطر لمجرّد أنها مالت أكثر ممّا هو مقبول صوب حماس. 

هذه المسؤولية محفوفةٌ بكثير من المخاطر، ذلك أن القرار المركزيّ الإسرائيليّ هو منع قيام أيّ دولة فلسطينية ولن تتردّد إسرائيل الحاليّة في اختراع أزمات وحروبٍ جديدة لمنع تحقيق ذلك. ثم إنَّ الرغبة الضمنيّة لترامب تصبُّ في الخانة نفسها حتّى ولو أعلن عكس ذلك.  ولا ننسى مسالة مستقبل حركة حماس، والسلاح، والقيادة الفلسطينية المقبلة، وشكل وحدود وصلاحيات الدولة الفلسطينيّة الموعودة، كلّها أمورٌ معقّدة جدًّا، وتتطلب صبرًا كبيرًا، ودبلوماسيّة دقيقة، ومتابعة حثيثة، وأموالاً طائلة. 

بهذا المعنى، فإن عرب الاعتدال ومعهم دول أوروبيّة، يريدون من قمّة شرم الشيخ غدًا أن تكون فاتحةَ عصرٍ جديد، يعيد انتاج إسرائيل وفلسطين، بحيث يتغيّر الوجه المتطرّف للأولى، ويزداد الأمل بقيام الثانية (ولو منزوعة السلاح وكثير من الصلاحيات) قبل الشروع في الاتفاقات الابراهيمية العزيزة على قلب ترامب، بينما يريدُها ترامب انتصارًا شخصيًّا له، بحيث يقدّم نفسه في شرم الشيخ كصانع سلام، ثم يقدّم نفسه في إسرائيل، كحامي لها، والقول بأنَّ كلّ ما فعله هو لحمايتِها بعد ان تقهقرت صورتُها كثيرًا في الغرب. 

لا شك في أن الرابح الأكبر سيكون ترامب، بحيث سيسمع تصفيقًا كثيرًا له في قمّة شرم الشيخ، ويسمع تصفيقًا مضاعفًا في خلال إلقائه كلمته في الكنيست.  لكن هل ستربح فلسطين؟ هذه بالضبط المسؤولية الأكبر حاليًّا على دول الاعتدال العربي بعد أن انهارت كلّ الاستراتيجيات الأخرى.ولعلّ دعوة تركيا وإيران إلى جانب دول أوروبية الى هذه القمّة، لها رمزيتها الكبيرة في تغليب لغة الدبلوماسيّة على لغة السلاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى