تايوان، حكاية جزيرة تُحاكي أوكرانيا
لجين سليمان-الصين
“تايوان” أو كما يسميها الغرب بـ “فرموزا” وهي ما تعني بالبرتغالية “الجزيرة الجميلة” وفقا لما ذكره كتاب “زيارة رسيمة لتايوان” تقع على بعد 100 ميل من السواحل الصينية . تعرّضت “تايوان” طوال تاريخها إلى غزوات مستمرة، ولنبدأ بعام 1624 عندما غزتها هولندا وتحوّلت إلى مستعمرة هولندية مدة سبعة وثلاثين عاما إلى أن تحرّرت بعد أن أطاحت أقليّة “المانشو” بسلالة الأباطرة “مينغ” في البر الرئيسي في الصين، فانسحبت القوات الموالية لـ “مينغ” إلى تايوان عام 1662 وطردوا الهولنديين وأقاموا سيطرة صينية على الجزيرة (تايوان).
خلال الحرب الصينية الفرنسية (1884-1885) ، هزمت القوات الصينية الجيوش الفرنسية في المعارك الواقعة شمال شرق تايوان. و في عام 1885 ، صنّفت إمبراطورية “تشينغ” (آخر مماليك الصين انتهى حكمها عام 1912) تايوان كمقاطعة صينية رقم22.
وعندما خسرت الصين حربها مع اليابان في الحرب الصينية اليابانية الأولى والتي امتدت من (1984-1895) تمّ التنازل عن تايوان إلى اليابان بموجب معاهدة “”شيمونوسيكي” لتستمرّ اليابان باحتلالها لتايوان من 1895 إلى 1945، إلا أن الاحتلال الياباني لم يستمر بعد ذلك فبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية اضطرت للتنازل عن تايوان، فحكمها حزب “الكومنتانغ” بقيادة الجنرال “تشانج كاي شيك”.
أما بعد الحرب التي دارت بين حزبي “الكومنتانغ” و “الحزب الشيوعي الصيني” والتي انتهت بانتصار “الحزب الشيوعي” تراجع “الكومنتانغ” إلى تايوان.
في عام 1949 بدأت حكومة جمهورية الصين الشعبية الجديدة فى البر الرئيسى بزعامة ” ماو تسى تونج“ الاستعدادات “لتحرير” تايوان بالقوة العسكرية، إلا أنّ اندلاع الحرب الكورية عام 1950 وإرسال الولايات المتحدة الأمريكية قواتها في محاولة للحد من انتشار الشيوعية في آسيا دفع “ماو” إلى تأجيل خطته. عمل الجنرال “تشانج” على تكوين قوات في الأراضي التابعة له قبالة سواحل الصين وقد أدى هجوم شنته القوات الشيوعية إلى توقيع الولايات المتحدة على معاهدة دفاع متبادل مع حكومة “تشانج”.
واستمر “تشيانغ كاي شيك”في مناهضة الشيوعية إلى أن توفي عام 1975 واستلم ابنه “تشيانغ تشينغ كو” قيادة تايوان. في هذه الأثناء ، بدأ الحزب الشيوعي في البر الرئيسي للصين فترة “الإصلاح والانفتاح” بقيادة “دنغ شياو بينغ” عام 1978، تلك الاستراتيجية التي نفّذت السياسة الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهو العام ذاته الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة أنها ستعترف رسميا بجمهورية الصين الشعبية، بعد أن كانت قد واصلت الاعتراف بجمهورية الصين تحت حكم حزب “الكومنتانغ” منذ عام 1949. وقد تبع الاعتراف الأمريكي اعتراف دول أخرى الأمر الذي جعل تايوان تعيش في عزلة دولية.
على الرغم من سحب الاعتراف الدبلوماسي بتايوان، إلا أن الولايات المتحدة أصدرت عام 1979 قرارا ينص على أنه يجب مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، وبذلك استمرت أمريكا ببيع الأسلحة لتايوان.
عمل “تشيانغ تشينغ كو” على تطبيق سياسية ثلاثية تقوم على المبادئ التالي: “عدم الاتصال ، عدم التفاوض، عدم المساومة” تجاه الحزب الشيوعي في بكين. وفي عام 1987 وقبل وفاته أنهى “كو” العمل بالقانون العرفي في تايوان الذي استمر تطبيقه (1949-1987) تلك الفترة التي تسمّى بالرعب الأبيض، إذ تخللها إعدامات عديدة لناشطين مطالبين بالديمقراطية، كما سُمح للناس في تايوان بزيارة أقاربهم في البر الرئيسي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية، ويقال أن هذا الامر قد حدث تحت ضغط ومقاومة شعبية.
في عام 1996 ، شهدت الجزيرة أول انتخابات رئاسية مباشرة ، فاز بها الرئيس “لي تنغ هوي” من حزب الكومينتانغ والذي يعرف بـ “أبي الديمقراطية” في تايوان، تلك الديمقراطية التي قادت إلى نتخاب “تشن شوي بيان”، أول رئيس من خارج حزب الكومينتانغ في الجزيرة عام 2000. وفي عام 2008 جاء ” ما يينغ جيو” استمرّ حتى عام 2016 إلى أن جاءت الرئيسة الحالية ” تساي إنغ ون” والتي فازت بولاية ثانية عام 2020 وتنتمي إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي ينادي بالانفصال عن الصين، والذي يخالف موقف حزب “الكومنتانغ” والذي يرى أنه لا بدّ من إعادة التوحيد في نهاية المطاف.
لمحة عن السكان
ينتمي 98% من التايوانيين إلى عرقية “هان” والتي هي إثنية أصيلة في الصين، وما يقارب 70% من السكان هم من “هوكلو” أي ينحدرون من المهاجرين الصينيين من جنوب مقاطعة “فوجيان” و 15% هم من “هاكا” وهم مهاجرون من وسط الصين ومقاطعة “غوانغدونغ”. بالإضافة إلى موجتي “هوكلو” و”هاكا” وصلت مجموعة ثالثة من البر الصيني الرئيسي إلى تايوان بعد أن خسر حزب “الكومينتانغ” القومي الحرب مع الحزب الشيوعي الصني، وهي الموجة التي يطلق على أحفادها ، اسم “وايشنغرن” وتشكل 12٪ من مجموع سكان تايوان.
أما سكان تايوان الأصليين فلا يشكلون أكثر من 2% من السكان الأصليين، ويوزعون على 13 مجموعة عرقية رئيسية هي “آمي ، أتالاي ، بونون ، كافالان ، بيوان ، بويوما ، روكاي ، سايسيات ، ساكيزايا ، تاو (أو يامي) ، ثاو ، وتروكو”.
أهمية تايوان بالنسبة للصين
بالنظر إلى تاريخ “تايوان” الوارد ذكره في الأعلى يمكن للقارئ استنتاج حجم الاضطرابات التي شهدتها الجزيرة منذ اكتشافها وحتى اليوم، ويمكن في الوقت ذاته أيضا استنتاج موقف الصين الثابت حيال تلك القضية، فقد أشار الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” مرار أن تايوان هي جزء من العائلة الصينية، وأن المطالب التي تنادي باستقلال تايوان هي ليست أكثر من تيارات معاكسة للتاريخ ولا مستقبل أمامها.
تكمن الأهمية الاقتصادية لتايوان في سيطرتها على أشباه المواصلات الحيوية في العالم، تلك الصناعة التي تنفق الصين مليارات الدولارات لتطويرها. هذا فضلا عن رغبة الصين بحماية حدودها جيوسياسيا خاصة وأن تايوان كانت تُتخذ في السابق كقاعدة عسكرية لشن هجوم على الصين، ولذلك لم تتلكّأ بكين بالتلويح باستخدام القوة لمواجهة واشنطن. ولعلّ تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الأخير عندما قال “إذا حاول الجانب الأمريكي ترهيب الصين أو الضغط عليها من خلال إظهار الدعم، فإننا نودّ تحذير الولاايات المتحدة من أن أي ردع عسكري سيكون ضعيفا مثل خردة حديد أمام سور الولاذ العظيم الذي يشكله 1.4 مليار صيني” يشكّل تهديدا دبلوماسيا في حال رغبت واشنطن بالتقرّب من تايوان.
يذكر أنّ حديث الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” عام 2016 مع رئيسة تايوان الحالية “تساي” خرقا للقرار الأمريكي الصادر عن الكونغرس عام 1979، والذي اعترف بجمهورية الصين الشعبية وقطع العلاقات الرسمية مع “تايوان” هذا بالإضافة إلى إلغاء القيود المفروضة على التواصل مع “تايوان” في العام الماضي من قبل الخارجية الأمريكية.
وقد كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث حول استرجاع “تايوان” لا سيما بعد الحرب الأوكرانية الأخيرة، إلا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية “هوا تشو ينغ” أكدت أن المقارنة بين تايوان وأوكرانية غير مناسبة، لأن سيادة الدولة الصينية ووحدة أراضيها لم ولن يتم تقسيمها، مشيرة إلى مبدأ “الصين الواحدة” والذي هو حتى اليوم من المعايير المقبولة في العلااقات الدولية، لكن ربما تحذير رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” بأن ما حدث في أوكرانيا سيسمع أصداءه في تايوان، كان الأشد وقعا على الساحة الدولية لا سيما بعد توتر العلااقات الصينية الأمريكية.
تايوان الصينية هي تجسيد لمبدأ سياسة الصين الواحدة الذي لم تتخلّ عنه بكين أثناء صعودها الاقتصادي، وبالطبع لن تتخلّى عنه اليوم بعد وصولها إلى ما هي عليه. فهل يحاول الغرب الأطلسي تحريك هذا الملف بعدما تحرّك ملف أوكرانيا على أبواب الحرب الباردة؟