آخر خبرافتتاحية

 هل القضاء على الحزب ممكنٌ فعلاً ؟

التقرير الاستراتيجي الاسبوعي

سامي كليب 

مشكلة لبنان الحالية هي التالية: حزب الله صار عسكريا وأمنيا وصاروخيا وتكنولوجيا وسياسيا أكبر من أن يحتمله خصومه داخليا وخارجيا، ذلك أنهم قلقون من تعاظم قدراته القتالية المتراكمة من جهة في مواجهة إسرائيل ومن سعيه لفرض واقع سياسي جديد في لبنان، ومقتنعون بأنه أحد أهم أذرع إيران في المنطقة من جهة ثانية. وأما حلفاؤه الحقيقيون أو الانتهازيون أو المضطرون لهذا التحالف، فهم حائرون بين مسايرته ودعمه في القرارات الكُبرى، ومحاولاتهم الدائمة لكسب ود المحور الآخر لتعزيز مصالحهم السياسية . ولو دقّقنا أكثر في الداخل سنجد أن معظم الخصوم تحالف أو توافق أكثر من مرة مع الحزب وتبادل معه رسائل ود كثيرة بقيت في الغرف المُغلقة.

من الطبيعي أن تكون دول كُبرى عالمية أو إقليمية راغبة في القضاء على الحزب، وخريطة الراغبين واسعة، من إسرائيل الى دول خليجية وعربية وصولا الى أميركا والدول الغربية أو اللاتينية الدائرة في فلكها. فهل القضاء على الحزب ممكنٌ فعلا؟  في بحثنا عن جواب لهذا السؤال حصلنا على بعض ما يدور في أروقة عربية ودولية منذ فترة غير قصيرة، وما يتعزز حاليا خصوصا بعد توسع شقة الخلاف بين لبنان والسعودية.

وفي هذا السياق يشرح دبلوماسيان عريقان الاحتمالات التالية:

  • الاحتمال الأول داخلي. وهنا  أقصى ما يُمكن الوصول اليه لو اتُخذ قرارٌ جدّي بالقضاء على الحزب بدعمٍ خارجي هو نصبُ فخاخ أمنية له لمشاغلته في اشتباكات متنوّعة من قبل الطوائف أو المذاهب الأخرى، وهذا ما بدأنا نراه منذ فترة، وقد يتصاعد في المرحلة المقبلة، أما الحربُ الواسعة داخليا فليس لها أي أفق حقيقي في ظل ترسانة السلاح الكبيرة عند الحزب، ونظراً لخبراته التي بدأت بمواجهة الجيش الإسرائيلي وتعزّزت كثيرا على المساحة الجغرافية السورية الواسعة في مواجهة قواتٍ عسكرية متطرّفة وراغبة بالقتال حتى الشهادة، مثل داعش والنصرة وغيرهما.
  • في هذا الاحتمال الداخلي: جرت محاولتان جادتان لضرب حزب الله عسكريا أو امنيا بدعم خارجي، أولهما حين قرّرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قطع الخطوط الهاتفية الأرضية للحزب وابعاد رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير عن عمله، فكانت النتيجة اجتياح من وُصفوا ب” القمصان السود” لبيروت في 7 أيار من العام 2008. وهنا يُمكن العودة الى كتاب ” الثقب الأسود” الذي يروي فيه رئيس مجلس النواب نبيه برّي للزميل نبيل هيثم ماذا جرى حين بدأ الحزب بالتحرك العسكري فيقول: ” المضحك المُبكي أنهم( أي قوى 14 آذار) حاولوا آنذاك مقايضتنا بشأن ملفّي المطار وشبكة الاتصالات بأن تبادر المعارضة الى فك الاعتصام وسط بيروت .. تمسّكنا بتحذيرنا أكثر … ووضعنا أمامنا ما قاله دافيد ولش عن الصيف الساخن، فكان لا بد من التحرّك وقلب الطاولة. … هنا لا بد أن أشير الى أن فريق 14 آذار صُدم بسرعة الانهيار الذي اصابه، وهو أمر صدم أيضا، السفارات الأجنبية والعربية التي كانت ترعى دولها هذا الفريق، والرئيس السنيورة قال امام بعض وزرائه ان الخطوة التي أقدم عليها كانت خاطئة وتهكّم على الانهيار السريع الذي أصاب فريقه خصوصا مجموعات ” السيكيوريتي” التي جمعها تيار المستقبل قبل أحداث 7 أيار والتي هربت وتركت سلاحا وراءها. ووليد جنبلاط اتصل بي آنذاك، طالبا تدخلي لتجنيب الجبل تمدد الصراع اليه وطلب مني أن ابلّغ السيد حسن نصر الله عن لسانه بأن الخصومة بيننا مؤقتة وتزول وان جبل لبنان سيكون سندا للمقاومة وستكون بيروت حاضنة للمقاومة ولا بد من الاجتماع والحوار لوأد الفتنة”

أما ثانية المحاولات فكانت حين بدأت التنظيمات التفكيرية بسلسلة تفجيرات في البيئة الشيعية واستهدفت أيضا السفارة الإيرانية، وذلك انتقاما من انخراط الحزب في الحرب السورية، فكانت النتيجة أن انخرط الحزب أكثر وساهم مساهمة فعّالة في القضاء على هذه التنظيمات على امتداد الجغرافيا السورية الواسعة. 

  • الاحتمال الثاني خارجي: وهو عبارة عن حرب واسعة وشرسة وتستخدم فيها كل أنواع الأسلحة تشنّها إسرائيل ضد الحزب وتدمّر فيها جزءا كبيرا من البنى التحتية اللبنانية، اعتقادا منها بأنها تُكرّر بذلك تجربة القضاء على التنظيمات الفلسطينية عام 1982. هذا الاحتمال ممكن وقد يحصل عاجلا أو آجلا، لكن نتائجه غير مضمونة ذلك أن القدرات الصاروخية الدقيقة عند الحزب قد تُحدث هي الأخرى دمارا كبيرا في إسرائيل وتمنعها من تحقيق أهدافها. ثم إن هكذا حربٌ واسعة بحاجة الى قرار مصيري إسرائيلي والى دعم واضح وكبير من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول اقليمية، ما يعني احتمال دخول إيران وأطراف أخرى في المحور على خط المواجهة التي قد تفلت من كل ضوابطها وقد تطال شراراتها دولا خليجية اذا ما انخرطت في تسهيل الحرب عبر أراضيها.
  • الاحتمال الثالث: اقناع سورية بلعب دور السد ضد توسع نفوذ حزب الله وإيران في لبنان مقابل صفقة كُبرى تضمنها أميركا وروسيا وبضوء أخضر إسرائيلي وتحصل سورية بنتيجتها على تمويل واسع لإعادة الاعمار وترسيخ حكم الرئيس بشّار الأسد وعودة السفارات الى دمشق، ويكون ذلك منطلقا لمشروع عربي مقابل النفوذين الإيراني والتركي. لكن هذا الاحتمال يبدو في الوقت الرهن أقرب الى الخيال منه الى الواقع، ذلك ان التحالف العضوي بين دمشق وحزب الله وطهران مصيري بالنسبة للأطراف الثلاثة، وأي فكاك لاحد أطراف هذا المثلث عن الآخرين يعني انتحاراً مهما بلغت الاغراءات الأخرى. لكنه على ما يبدو احتمال مطروح في دوائر غربية وعربية، ويجري البحث جديا عن دورين يسبقان ذلك، فإما حرب إسرائيلية تدميرية تفضي بعدها الى تسوية سياسية كبرى في المنطقة وتكون دمشق محور التسوية السياسية هذه، كما حصل بعد اجتياح 1982، وإمّا اغراق لبنان باشتباكات واغتيالات لفترة غير قصيرة، فيكفر الناس بالجميع وبالحزب ويصبح الدخول السوري مطلبا لمعظم الأطراف كما حصل بعد انتفاضة 6 شباط منتصف الثمانينيات وبعد الاشتباكات الكثيرة التي عاشتها بيروت بين أهل القضية الواحدة وبين الأحزاب آنذاك.
  • الاحتمال الرابع: صفقة كُبرى في المنطقة تنخرط فيها إيران ويتبعها حزب الله، ذلك انه في حال نجاح المفاوضات الإيرانية الأميركية، ونجاح ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وتحرير مزارع شبعا او تقاسمها بين لبنان وإسرائيل وسورية، يُصبح سلاح حزب الله بلا معنى أو هدف، فيصار الى إعادة القسم الأكبر منه الى إيران وتسليم قسم آخر الى الجيش اللبناني مقابل توسيع دور الشيعة في النظام السياسي اللبناني وانفتاح غربي كبير على إيران. هذا ممكن وفق ما يقول دبلوماسي عربي له خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي بين إيران وواشنطن، لكنه يفترض أن تتمسك طهران والحزب باشراك سورية في أي صفقة وطرح مسألة الجولان على بساط البحث، لان سورية كانت وستبقى حتى إشعار آخر معبرا لسلاح المحور وسندا له وبدونها تتقطع أوصاله، ولان أي تسوية كُبرى بين لبنان وإسرائيل بلا سورية ستكون فخاً للجميع.
  • الاحتمال الخامس: أن تفشل كل المفاوضات في المنطقة ( وهذا احتمال ضعيف نظرا لحاجة الجميع للنجاح) فتطور إيران قدراتها النووية، ويتصلب حزب الله أكثر ويفرض واقعا أمنيا وسياسيا في لبنان أكثر صلابة، ما يعني عزل لبنان أكثر والدخول في حقبة طويلة من الأزمات والخضات الأمنية والاجتماعية التي سيجد الحزب نفسه مُتهما بإثارتها.
  • الاحتمال السادس: طويل الأمد يتطلب تقوية خصوم الحزب انتخابيا، والعمل على حصول خلاف كبير بين الحزب وحركة أمل، ومحاولة احداث اختراقات داخل بيئة الحزب تحت عناوين مختلفة واغراء بعض الحلفاء المسيحيين للحزب للابتعاد عنه مقابل ثمن سياسي كبير. وهذا يجري العمل عليه منذ فترة طويلة غربيا وعربيا ولم ينجح حتى الآن، لكنه ممكن خصوصا ان كل سنوات التفاهم الضروري والمصلحي بين الحزب والحركة لم تُلغ التباينات الدفينة بينهما، وان التحالف الكبير بين الحزب والتيار الوطني يتعرّض لاهتزازات جديّة في الوقت الراهن رغم المساحيق التجميلية. ويمكن رصد المساعدات و المبالغ المالية الكبيرة التي تُدفع في لبنان حاليا في سياق المساهمة في قلب المشهد البرلماني، لكن المجتمع الدولي نفسه يُدرك أن ذلك يتطلب على الأقل دورتين برلمانيتين لكي يُصار الى تشكيل كتلة نيابية وازنة ومستقلة تماما.   

يبدو واضحا مما تقدّم، أن دفع خصوم الحزب في الداخل الى مواجهته عسكريا هو ضرب من الوهم وقد يكرّر تجربتي ليبيا واليمن ( وفق ما قال أكثر من مرة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري حين كان يبرر رفضه الانخراط في أي مواجهة)، ولذلك فإن الاحتمالات الأخرى جميعها مطروحة وهي قيد الدرس على أكثر من مستوى، ولعلّ أخطرها في الوقت الراهن هو الدفع باتجاه اشتباكات متقطعة واغتيالات ورفع مستوى التوتر خصوصا بين القوات اللبنانية والحزب من جهة وبين الحزب والجيش من جهة ثانية ناهيك عن العودة الى إثارة فتنة سنيّة شيعية بذرائع مختلفة، ويلي ذلك اعادة احياء النقاش حول القرار 1559 في مجلس الأمن والداعي الى حل الميلشيات ونزع سلاحها وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كل الاراضي اللبنانية كما يليه تسليط الضوء  قضائيا على علاقة الحزب بتفجير المرفأ ومحاولة تدويل الملف .  لذلك يتحدث كثيرون عن خطر أمني وشيك في لبنان، وهو خطر قد يتعاظم في الفترة الفاصلة بين صفقة كُبرى تلي المفاوضات الايرانية الاميركية أو حرب حتمية ولو بعد حين.   

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button