الموسيقى ضرورية لبقاء الانسان وفق العلماء.
روزيت الفار-عمّان
الموسيقى تخادع العقل وتجعله يحبُّها وينطق بلغتها؟ فكيف يتفاعل العقل معها ويجعلنا نحبُّها مثله؟ وهل بمقدورها أيضاً تطويع العلم لتجعله لاحقاً يعتبرها من أساسيّات البقاء؟ ربما.
نكاد نجمع على أنّه حين نستمع للموسيقى تُخلق لدينا مشاعر مختلفة عن تلك الّتي نمرُّ بها في الحالات العاديّة؛ من بينها مشاعر الفرح والسّعادة. لماذا؟
من بين تعريفاتها المتعدّدة؛ تعتبر الموسيقى إيقاعات موزونة ومنتظمة في مجموعات متوالية تأتي إمّا متوافقة مع ما هو موجود لدينا فتحدث انسجاماً مع أدمغتنا ونستمر بسماعها، أو متنافرة معه فتخلق لدينا مللاً ونتوقّف عن ذلك. وبمنظور آخر هي لغة فنّيّة مجرّدة تثير مشاعر متناغمة في دواخلنا.
طالما أنّها مفهوم مجرّد؛ فكيف لها إذاً أن تؤثّر بمشاعرنا؟
يجيب عالما الأعصاب روبرت زاتور وفاليري ساليمبور -من جامعة ماكجيل مونتريال/كندا على هذا التّساؤل من خلال نتائج تجاربهما الّتي استخدما فيها أسلوب التّصوير المقطعي PET scan ثمّ بعدها صور الرّنين المغناطيسي MRI لأشخاص مختلفين لمراقبة مراكز اللّذة بالدّماغ ولتحديد علاقتها بأجزاء أخرى منه مرتبطة بالعاطفة والتّعلّم والذّاكرة وأماكن صنع القرار فيه. وأظهرت قراءة وتحليل هذه الصّور بأنّ نشاط الدّماغ بإفرازه للمادّة الكيماويّة المرتبطة باللّذة (الدّوبامين) يصل أقصاه حين تصل المقطوعة الموسيقيّة ذروتها فيشعر حينها المستمع بالقشعريرة نتيجة لذلك، ولاحظا أنّ هذا الإفراز يزداد أثناء عمليّة التّرقّب للإيقاعات المقبلة.
كيف طوّر الدّماغ هذا السّلوك؟
يطلق الدّماغ الدّوبامين عادة عند الشّعور باللّذة أثناء سلوك أساسيّ وضروريّ للبقاء كالجنس والأكل من أجل التّكاثر واستمرار الحياة؛ كمكافأة منه لنفسه كي يقوم بتكرار ذلك السّلوك ويدمن عليه.
لكن هل الاستماع للموسيقى من ضروريّات البقاء؟
يشير زاتور بأنّ الموسيقى -حتّى وإن كانت غير أساسيّة بيولوجيّاً للبقاء- تعمل على توظيف نفس نظام المكافأة الّذي يستخدمه سلوك الأكل والجنس داخل الدّماغ؛ فقد يكون ذلك بسبب أنّها عمل يشكّل نمطاً ونحن البشر خلِقنا نحبُّ الأنماط كمهارة تهدف بنهايتها للبقاء. ففي الأنماط ترقّب وتوقّع بما قد يحصل، وبيّن أنّ جميع مشاعرنا ترتبط بهذه التّوقّعات. الأمر الّذي يشعرنا إمّا بحالات الخوف والتّوجّس من مخاطر تهدّد بقاءَنا.
فمثلاً عند سماع صوت خشخشة أو دعسات بالغابة؛ نتوقّع قدوم حيوان مفترس سوف يهاجمنا، أو عند استنشاق رائحة دخّان؛ فذاك يعني حريقاً يقترب؛ فنترك بكلتا الحالتين المكان لننجو بأرواحنا، أو أن تشعرنا بالسّعادة والنّشوة؛ كما الحال عند الاستماع للموسيقى لجعل الحياة تبدو أجمل فنتمسّك بها.
يضيف زاتور بأننّا نكوّن تلك الأنماط من تجارب وخبرات كنّا بنيناها على مدى سنين العمر السّابقة تأثّرت بالبيئة وبعادات وثقافة المجتمع ولغته ممّا قد يفسّر شعور البهجة والفرح الجماعي الّذي يظهر بالحفلات حيث الأنماط الموسيقيّة تكون مألوفة للجميع، فهي ألحان متجانسة وإيقاعات منتظمة تجعل الحاضرين يترقّبون ويتوقّعون ما سيسمعونه لاحقاً؛ ما يؤمّن لهم نيل رغبتهم بجرعات متلاحقة من الدّوبامين يمدّهم بها الدّماغ فيشعرون بالنّشوة. هذا يعطي معنىً لعدم حدوث ردود فعل أو مشاعر عند سماع لحن جديد؛ حيث لا يلبّي مشاعر السّعادة في بدايته لدينا، فهو يحتاج مرّات عديدة لسماعه حتّى نعتاد عليه ويصبح من الألحان الّتي ننسجم معها.أو قد يكون غير مناسب لأذواقنا فنتوقّف عن سماعه. ويعطي زاتور مثلاً على هذه الحالة في موسيقى الجاز حيث ليس هناك أساس لدى غير المُلِمّين بها للتنبّؤ بأنماطها.
وللموسيقى أيضاً قدرة على خداع العقل وجعله ينطق بلغتها. ففي حال كانت سريعة النّغمة أو مرتفعة الصّوت نجد أنّ ذلك ينعكس على الدّماغ الّذي بدوره يشير للقلب والرّئتين بزيادة الضّربات والتّنفس؛ مما يرفع من حماس المستمع ويزيد من نشاطه ويساهم بتحسين أدائه. مثال ذلك الموسيقى الّتى تستخدم بصالات الرّياضة. وعكس ذلك عند الحاجة للهدوء والاسترخاء؛ نلجأ للاستماع لنوع كلاسيكي هادىء.
وكما تنعكس نبرة صوت المتكلّم على مشاعر المستمع؛ فنفرح حين تكون عالية وسريعة، ونحزن حين تكون منخفضة وبطيئة؛ كذلك هي الحال بالنّسبة للموسيقى بل بتأثير أكبر بكثير من نبرة الصّوت لأنّ باستطاعة اللآلة الموسيقيّة (البيانو أو الكمان أو البوق) أن تنتج مدى أوسع من النّوتات يفوق مئة ضعف ممّا ينتجه صوت الشّخص.
بعد كلّ هذا التّأثير المهم للموسيقى، هل سيعتبرها العلم في المستقبل من ضروريّات البقاء؟