سامي كليب:
ليس نجيب ميقاتي الذي كُلّف بتشكيل الحكومة اللبنانية أمس سياسياً انتحارياً، ولا هو من النوع الذي يهوى مغامرات “حافة الهاوية”، وليس وضعُ لبنان المُنهار حاليا من النوع الذي يُغري أي شخص بتولّي رئاسة حكومته، فما الذي استجدّ بين ليلة وضحاها لكي يقبل ميقاتي “كرةَ النار” هذه، ويتحدث بثقة عاليا ( في مقابلته مع الزميلة نايلة توني في النهار) عن ضمانات أميركية وفرنسية، وعن سعيه لرأب الصدع العربي للبنان والشروع في انقاذ الكهرباء ومشاريع أخرى؟
- ثمة من يتحدث عن اتصالات جرت مع واشنطن لسبرِ رأيها، وكان الجواب أنها بدأت الاهتمام بوضع لبنان وأنها تُؤيد تشكيل حكومة انقاذ. ويقال إن هذا الأمر سمعه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من الرئيس جو بايدن وهو الذي شجّع على المضي قدما في تشكيل الحكومة، وأن المصريين بهذه الأجواء.
- ثمة من يؤكد ان ميقاتي نفسه أجرى اتصالات بعيدة عن الأضواء مع عواصم خارجية لها علاقة مُباشرة بالوضع اللبناني وبينها باريس وواشنطن وعواصم خليجية والقاهرة، ولاقى تجاوبا كبيرا، ناهيك عن علاقته التي بقيت جيدة مع دمشق بعيدا عن الأضواء.
- ثمة من يتوقّع بأن تنقشع ضبابية العلاقات الأميركية الإيرانية الحالية قريبا، ويبدأ السير جدّيا صوب العودة الى الاتفاق النووي في أيلول/سبتمبر المقبل، وهذا يفترض عمليا، عدم الممانعة بقيام حكومة لبنان والشروع في ترميم ما تهدّم.
- وثمة من يُراهن على استمرار الحوار المتقطّع بين السعودية وإيران، للقول بأن ذلك سيُساهم في الاتفاق او غض الطرف عمّا يدور في لبنان من محاولات لتشكيل حكومة…
كل هذا وارد وقد يكون فيه بعض المغالاة، لكنه ليس الأهم في تليين مواقف الأطراف الداخلية. ربما الأهم حاليا هو ما جرى مؤخرا وما قد يجري في لبنان في الأسابيع القليلة المُقبلة، فهو فقط الذي دق ناقوس الخطر بوجه كل الأطراف وجعل ضرورة الإسراع بالتكليف حتمية، ومحاولة تذليل عقبات التأليف ممكنة، لا حتمية.
وأبرزها التالي:
- قضية التحقيقات بتفجير المرفأ بدأت تخرج عن الأطر المرسومة لها، وصارت تُهدّد أكثر من طرف وتتجه للتدويل ما يُعيد لبنان الى مخاطر مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري
- الذكرى الأولى للتفجير والمرتبطة بقلق البعض من احتمالات حصول انفجار في الشارع أو تطورات أمنية كبيرة تقلب المشهد، خصوصا ان لدى هذا البعض شكوكا بطوابير خامسة خارجية وداخلية قد تستغل مآسي الناس وغضبهم.
- التقدّم السريع في التفاهمات الأميركية الفرنسية الأوروبية لرفع الضغوط على المُعرقلين في لبنان والتي تُذكّر بما كان عليه الوضع في خلال الاعداد للقرار 1559 الذي ضغط لخروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية. فثمة مفاجآت كانت مُنتظرة في الأسابيع المقبلة على ضوء التهديد بالعقوبات.
- الانتخابات النيابية القريبة والتي سيكون من شبه المستحيل تأجيلها وسط الضغوط الدولية الكُبرى لإجرائها في موعدها، بحيث أن تأجيلها بالنسبة للمجتمع الدولي وخصوصا أميركا وفرنسا سيكون مشابها تماما للتمديد للرئيس السابق إميل لحود وما تبعه من خطة أميركة-فرنسية بين الرئيسين الأميركي والفرنسي جورج بوش الأبن وجاك شيراك ضد ” الهلال الشيعي والرئيس بشار الأسد”. والدور الدولي في هذه الانتخابات سيكون كبيرا لجهة الضغوط لإجرائها في موعدها، ولجهة دعم المجتمع المدني والمساهمة في التمويل.
كان من الصعب تركُ لُبنان ينهار، والضغط الدولي يزداد، والشارع يغلي، وذكرى تفجير المرفأ تمرّ بسلام، لو بقي الانسداد السياسي على حاله، ولم يجر الاتفاق سريعا على اسم جديد بدلا من الرئيس سعد الحريري. فاذا كان حملُ المرأة يتطلب 9 أشهر عادة للولادة، فإن الانسداد الذي استمر 9 أشهر بعد تكليف الحريري كان سينفجر حتماً بوجه الجميع.
معروفٌ عن الرئيس ميقاتي براعتُه في تدوير الزوايا، وأنه توفيقي، وبأنه يستطيع أن يزور واشنطن وباريس والرياض وطهران وحتى دمشق لو تطلب الأمر ذلك، وأنه لا يطلب زعامة كبرى خارج حدود الشمال، وهذا لا شك سيُساعد في المرحلة المقبلة، لكن السؤال الأبرز : هل اكتملت شروط التسويات الخارجية فعلا كي تنجح حكومة ميقاتي العتيدة في القفز فوق صراعات المحاور في الداخل؟ وهل سيحصُل دوليا وعربيا على ما حُرم منه الحريري قبل التسويات الكبرى الإقليمية والدولية؟
الأمر ما زال بالغ الصعوبة حتماً، وميقاتي يُراهنُ ليس فقط بسمعته ولكن أيضا بمستقبلة الانتخابي في الشمال، لذلك فهو إما يضمن النجاح قبل أن يبدأ، أو يتراجع في اللحظة المناسبة ويقلب الطاولة، خصوصا ان الحلول الاقتصادية والاجتماعية تدخل في نطاق المستحيلات بعد الانهيار المُريع للبلد. ولذلك هو قدّم امكانية حل مشكلة الكهرباء على غيرها، لادراكه بأن الشعارات السياسية الكُبرى ما عادت تنفع أمام حاجات الناس.
الأيام القليلة المقبلة ستوضح هل أن الأطراف جميعا خائفة من ذكرى 4 آب والتحقيق والانتخابات فتُسهّل، أم أننا ما زلنا في صراع المحاور، فتُعرقل. هنا بالضبط، وهنا فقط، يكمن مستقبل التأليف ونجاحه، وهذا سيبرز خصوصا من خلال مواقف الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني جبران باسيل ومن خلفهما حزب الله في الساعات المقبلة في قضية التأليف. لعل ميقاتي يُدرك جيدا حاجة الأطراف جميعها له في هذه اللحظة فيزيد الدلال.أما رئاسة الحكومة التي تولاّها مرتين قبل الآن فهي ليست هدفا بحد ذاتها، إن لم تخدم الوطن، وتخدم خصوصا شعبيه ميقاتي في الانتخابات المقبلة. يبقى أن كلامه عن ان المجتمع المدني لم يقدّم مشروعا، سيثير لا شك ضده قوى على الارض.