قبيلة صينية فيها النساء قوّامات على الرجال.
روزيت الفار-عّمان
هناك بين الجبال النّائية المختبئة في جنوب غربي الصّين وعلى الحدود مع التّبت وفي وادي يونّان Yunnan بالذّات؛ تعيش قبيلة صغيرة من قدماء أهل الهضبة البوذييّن لا يتجاوز عددهم الأربعمائة الف تُدعى ال موسو Mosuo يتوزّعون داخل سلسلة من القرى لم يجرؤ التّاريخ على تغييرها بشكل كبير. تكون النّساء فيها “القوّامون على الرّجال”. يسمّى هذا النّظام “الحكم الأمومي“ Matriarchy الّذي فيه تتولّى الأمّ أو الجدّة الكبرى القيادة ودفّة الحكم وليس للرجل بعد أيٌّ من تلك المراكز؛ وتعتبر آخر المجتمعات الّتي تطبّق هذا النّظام على الأرض. خلافاً للنّظام الأبوي Patriarchy الّذي يكون فيه الحكم للأب أو الجدّ الأكبر.
ليس هناك من عقود زواج رسميّة فلا حاجة لأيّ رجل دين أو قاضٍ ليتمّم الزّواج. يكفي للفتاة أن تختار من ترضى عنه من الشّباب الّذين يأتون إلى غرفتها الخاصّة المنعزلة، والّتي تخصّصها لها العائلة حين بلوغها الثّالثة عشرة، ليلاً وتقضي بقيّة اللّيل معه في حال نجح بكسب رضاها واستلطفته. فلها أن تعاشر مَن تشاء ومتى تشاء من الرّجال بعد بلوغها ذلك السِّن دون أن يشوبها عار أو تقع عليها لائمة. يُسمّى هذا النّوع من الزّواج “بالزّواج السّائر Walking Marriage“؛ ربّما لكثرة الدّاخلين والخارجين من تلك الحجرة اللّيليّة مع الحفاظ على خصوصيّة “الزّوجين” من اقتحام أيّ شاب آخر الغرفة أثناء وجود الفتاة مع شاب آخر وذلك بجعله يضع قبّعته على خارج الباب.
وفي حال نتج عن أيّ من تلك العلاقات حمل وأطفال فلا مسؤوليّة على الأب على الإطلاق حيث يحمل المولود اسم ولقب أمّه وهي الّتي تتولّى وأخوتها والجدّة مهمّة تربيته وتنشئته بالكامل. فوظيفة الرّجل هنا فقط الإنجاب.
المحاميّة Choo Waihong الآتية من سينغافورة زارت المكان -وطن أجدادها- بعد أن قرأت عنه وأُخذت بجمال موقعه وطبيعته حيث كانت قراه تترامى على جبل وبحيرة لوغو ومكثت به على مدى سبع سنوات بعد أن عملت بكندا وأمريكا ولندن كناشطة حقوقيّة ناجحة لغاية 2006. وهي لخّصت تجربتها عن الحياة هناك من خلال استثمار ذكائها وسرعة بديهتها وثقافتها في خلق صداقات ساهمت باندماجها بمجتمعهم فعرفتهم عن قُرب؛ الأمر الّذي كان غير ممكن لغيرها من السّائحين والّذين كانوا بأغلبهم من مدن الصّين أيضاً.
اعتبرت المحامية المكان ملهماً لشغفها ومتنفسّاً لها عن حياة استبداد حكم الرّجل في المجتمع الّذي ولدت ونشأت فيه ممّا جعل منها ناشطة منحازة للمرأة. تقول الكاتبة: بالرّغم من تولّي المرأة إدارة مناحي الحياة وأخذ القرارات؛ إلاّ أنّها لا تُشعِر الرّجل بالدونيّة فهي بالنّسبة له تمثّل “النّور والحياة” ونظامهم هذا جاء بكامل رغبته ورضاه ويظهر ذلك بأسلوب حياتهم وتفاعلاتهم الاجتماعيّة كأنداد متساويين. ففي حين تقوم المرأة بجميع الأعمال المنزليّة وتربية الأبناء وزراعة البذار وجني المحاصيل، يقوم الرّجل بالأعمال الّتي تتطلّب جهداً بدنيّاً من حرث وبناء وذبح الحيوانات و تدبيرشؤون الموتى في المجتمع الزّراعي الّذي يميّز مجتمعهم والّذي يفتقر لوجود المراكز التّعليميّة حيث توجد مدرسة واحدة للمرحلة الاعداديّة أمّا الثّانويّة فكانت أيضاً وحيدة وبعيدة ليس باستطاعة الكثير الوصول اليها.
ما أرادت الكاتبة أن توصله للقارىء هو أنّ الألم الّذي تتساوى فيه حقوق الجنسين ليس فقط عالماً ممكناً بل واقعاً وحقيقة يعيشه أهل يوهان وينمو ويزدهر عندهم.
غير أن تعرّض المجتمع للنّشاط السّياحي المتنامي وإدخال واعتماد التّكنولوجيا الحديثة بدأ ذلك يؤثّر في استدراج المجتمع لتغيير ثقافته وممارساته وقِيَمِهِ شيئاً فشيئاً نحو العولمة والانفتاح، فهل سيلتحق بالنّهاية بغالبيّة الأنظمة العالميّة ويتحوّل لمجتمع ذكوريّ لا يعترف بمساواة المرأة وأهليتها للقيادة؟ الواقع أنه في الكثير من الأمكنة التي دخلتها المدنية الحديثة والتكنولوجية، خربت المجتمعات وضاعت الثقافات. فهل تبقى هذه البقعة الوحيدة من العالم، فيها المرأة قوّامة على الرجل وليس العكس؟