إيمانويل أداماكيس، الذي مثّل طويلاً الكنيسة الأرثوذكسية، هو اليوم متروبوليت خلقيدونية، أحد أقدم الكراسي الأسقفية في المسيحية. يتولى ملف العلاقات الدولية في بطريركية القسطنطينية، وهو بذلك أحد أقرب المتعاونين مع البطريرك برثلماوس، الذي سيستقبل هذا الجمعة في إزنيق، بتركيا، البابا ليون الرابع عشر للاحتفال بالذكرى الـ1700 لمجمع نيقية. أصدر هذا العام كتاب «أبناء الله الأحرار» الذي يروي مسيرته الروحية الدولية (منشورات “سرف”)، ويتحدث المتروبوليت إيمانويل في هذا الحوار مع لو فيغارو عن رهانات هذه الزيارة البابوية.
لو فيغارو: في أول رحلة له خارج إيطاليا، اختار البابا أن يتوجّه إلى تركيا بمناسبة الذكرى الـ1700 لمجمع نيقية. كيف تصفون هذا الحدث؟ أهو جيوسياسي أولاً، أم بين ديني، أم مسكوني؟
لا أرى ضرورة لمعارضة هذه الأبعاد بعضها ببعض. بهذا السفر الافتتاحي، يحقّق البابا ليون الرابع عشر الوصية الأخيرة للبابا فرنسيس، الذي كان يرغب أن يتوجّه، برفقة البطريرك برثلماوس، إلى نيقية في تركيا، ليحييا بصوت واحد ذكرى الإعلان المجمعي لقانون الإيمان. وكما كان منتظراً، التقى البابا يوم الخميس في أنقرة الرئيس أردوغان. وسيزور أيضاً في إسطنبول جامع السلطان أحمد، مؤكِّداً بذلك الدعوة المتعددة القرون للبوسفور ليكون جسراً بين الغرب والشرق، من أجل تعزيز الحوار. كما سيزور الجماعات الكاثوليكية الشرقية الصغيرة ولكن الغيورة، ليشدّد على أن حضوراً كهذا، وإن كان أقلّيّاً، يغذّي انفتاح المجتمع على التعدديّة. ولكن يجب التأكيد على أن الحجّ الذي يرغب البابا والبطريرك في القيام به معاً إلى ينابيع الإيمان، يبرهن إلى أي حدّ أن العلاقة بين الكرسيين الأولين في روما والقسطنطينية هي علاقة حاسمة لمستقبل المسيحية.
ما هو رهان الاحتفالات المشتركة في إزنيق، وكذلك في إسطنبول في القصر البطريركي في الفانار، في حين أن قانون الإيمان هو علامة وحدة الإيمان، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى الانقسامات العقائدية بين المسيحيين؟
سيتم توقيع إعلان مشترك في الفانار يعيد التأكيد على التزامنا المتضامن في المسيرة المسكونية. فهذه السنة 2025 تمثّل أيضاً الذكرى الستين لرفع الحرم المتبادل لعام 1054، الذي أقره البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس الأول سنة 1965. لقاؤهما التاريخي في القدس قبل ذلك بقليل فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس: صفحة البحث عن الشركة التي ينبغي أن نستعيدها، وفقاً لصلاة المسيح وبصورة الثالوث. ومنذ ذلك الحين، نحن مرتبطون بمسؤولية مشتركة تجاه حقيقة الإيمان. بالنسبة إلى جيلي، وهو أيضاً جيل ليون الرابع عشر، فإن العلاقات الأخوية التي نسجها البطريرك برثلماوس بالتتابع مع البابوات يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر وفرنسيس، تشكّل في الوقت نفسه أيقونة لهذا الحوار ودعوة لمواصلته، مع البقاء متنبهين للروح القدس، الذي هو المعلّم الحقيقي الوحيد فيه.
أصدر ليون الرابع عشر رسالة رسولية عن مجمع نيقية يدعو فيها إلى تجاوز «الخلافات اللاهوتية» التي مزّقت المسيحيين. كيف تنظرون إلى هذا النداء؟
إن العمل الهائل، اللاهوتي بالتحديد، الذي أُنجز منذ القرن الماضي على المستوى الثنائي، سمح برفع الكثير من سوء الفهم. لكن يبقى أن الوعي بالعقيدة أمر حاسم لفهم الخلاص. يقول لنا أثناسيوس الإسكندري: «الكلمة صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً». فباعترافهم بتجسّد الكلمة، عبّر آباء نيقية عقائدياً عن الجِدّة الجذرية للإنجيل، وهي جدّة لا تزال كاملة بعد ألفي عام من إعلانها. إذا كان ينبغي تجاوز الجدل غير المبرَّر، فإن استقامة الإيمان يجب الدفاع عنها. لأنها هي التي تؤسِّس الشركة، لا العكس. وفهم هذه الأولوية أمر حاسم أكثر من أي وقت مضى في هذه الأزمنة التي يتفاقم فيها التوتر الديني، على مستوى العالم. قناعة البابا ليون الرابع عشر في هذا الشأن، كما قناعة البطريرك برثلماوس، لا شك فيها.
من بين القضايا المطروحة، هناك مسألة تثبيت تاريخ مشترك لعيد الفصح: هل ترون مخرجاً إيجابياً؟
البابا فرنسيس هو من أعاد إحياء هذا الرجاء، مع البطريرك برثلماوس، وهو ما كان قد عبّر عنه قبلهما بولس السادس وأثيناغوراس الأول. نعم، يجب أن يحتفل المسيحيون بقيامة الرب في اليوم نفسه. كلا، لا يمكن أن يتمّ هذا الفعل من دون تفكير الخبراء ومن دون إعداد المؤمنين. هنا كما في غيره، سوف نكتشف الطريق ونحن نسير معاً.
ألا تتعلق مسألة الوحدة أولاً بالكنيسة الأرثوذكسية داخل ذاتها؟ ففي كتابكم تروون كيف أن بطريركية موسكو قوّضت المجمع الكبير الذي كان مقرّراً عقده في كريت سنة 2016…
بعكس الروحانية الرائعة والتراث الليتورجي الغني اللذين يشكّلان كنزاً كونيّاً، اختارت المؤسسة المَسْكوفية بعد 1989 التحالف مع الجهاز السياسي للدولة. وبلغ الأمر حدَّ تبنّيها، ابتداء من 2014، عدوان الكرملين على كييف باسم أيديولوجيا «العالم الروسي»، وهو أمر لا معنى كنسيّ له وانحراف فاضح. هذا المسار جرى تغذيته بنوع من التنافس المحاكاتي تجاه بطريركية القسطنطينية ورغبة في انتزاع الأوّلية منها. غير أن مشروعاً كهذا محكوم عليه بالفشل. والكرسي المسكوني يردّ عليه بحزم وصبر وطول أناة. لكن ما يقلقنا، قبل كل شيء، هو الأثر الكارثي الذي يخلّفه هذا “الضدّ-شهادة” في روسيا نفسها وما بعدها.
هل يزعجكم أن يحاول الكرسي الرسولي، رغم أزمة أوكرانيا، الحفاظ على الاتصال مع بطريركية موسكو؟
لا، ما دام الأمر يتعلّق بجهد دبلوماسي. ولكن مع حذرين أساسيين. من جهة، لا ينبغي المبالغة في تقدير تأثير البطريرك كيريل على الرئيس بوتين. ومن جهة أخرى، لا يمكن إحلال السلام على حساب العدالة، أي على حساب أوكرانيا، ووحدة أراضيها، وأمنها، وحريتها.
أنتم شخصياً، مع ما تملكون من خبرة دولية واسعة، كيف تتلقّون كثرة الاتهامات الموجّهة إلى التسلسلات الهرمية الأرثوذكسية بأنها قريبة جداً من السلطات المدنية؟
هذا يرتبط بالشكل الذي اتخذته العلمانية، منذ القرن التاسع عشر، في العالم الأرثوذكسي. لكن البطاركة الشرقيين المجتمعين في القسطنطينية عام 1872 أدانوا نبوياً «القومية الكنسية» (الإثنوفيلية)، أي الخلط بين الدين والسياسة، بين الشعب والعقيدة، بين الدولة والكنيسة، واعتبروها «الهرطقة الحديثة بامتياز».
البعض يرى أن للكنيسة الأرثوذكسية نوعاً من الرسالة في قلب «غرب منحطّ». كيف تستقبلون هذه الرؤية؟
الأرثوذكس مدعوون إلى الشهادة للتقليد الذي أوكل إليهم حمله على الرغم من نقائصهم. فهم أمناء متواضعون عليه، لا مالكون متكبّرون له. وانتشارهم في جميع القارات أكّد لهم أنهم هم أيضاً لديهم الكثير ليتعلّموه من الآخرين. إن محاولة توظيف الأرثوذكسية عبر إخضاعها لمشروع دنيوي تشكّل ذلك «التجديف على الروح» الذي يدينه الإنجيل. الرغبة في إعادة الجذور، التي يثيرها القلق الهويّاتي المعاصر، مفهومة. لكن الإيمان لا يمكن اختزاله في هويّة مقفلة. فالمرء يأتي إلى الكنيسة ليجد الخلاص، لا ليخلّص الكنيسة! إنها ذلك المكان الفريد الذي تلتقي فيه حرية الإنسان بحرية الله.
نُشرت المقابلة في صحيفة لوفيغارو الفرنسية
أدّى سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024 إلى تغيّر جذري في طبيعة الوجود…
جان ماري غينو – موفد خاص لصحيفة لوفيغارو إلى أنقرة ذكّر البابا، أمام الرئيس التركي…
Le privilège du blanc. Rituel d’élégance et de diplomatie dans l’ombre du Vatican Nadine Sayegh-Paris…
Les « Pyramides » d’Idlib. Héritage oublié de la Syrie byzantine ! Nadine Sayegh-Paris Au cœur…
المعهد الإيطاليّ للدراسات الدوليّة والسياسة ترجمة: مرح إبراهيم يُمثّلُ اللقاءُ التّاريخيُّ بين ترامب والشّرع في…