افتتاحية

قمّة الحسم والأمل بين الرئيس والأمير

                               سامي كليب 

من بين كلِّ القمم واللقاءات التي عقدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية مع قادة العالم، بمَن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ستكون قمّتُه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 18  الجاري الأهم، ليس للعلاقة الشخصيّة والوديّة التي تربط الرجلين فحسب، بل لأنَّها تأتي في أوج زلزال زعزع أركان الشرق الأوسط، وتصدّرت الرياض المواجهة الدبلوماسيّة فيه، رابطةً أيّ انخراط في الاتفاقات الإبراهيمية بحل القضيّة الفلسطينية وإقامة الدولة التي طال انتظارُها منذ ٧٧ عامًا.

 ليست السعوديّة دولة عابرة أو هامشية، وهي بالتالي لن تكون رقمًا إضافيًّا في الاتفاقات الإبراهيميّة يُباهي به ترامب ومن خلفه بنيامين نتنياهو. فالدولة التي وضعت نفسها في مركز “خدمة الحرمين الشريفين”، تُدرك تمامًا حجم المسؤولية العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة الكُبرى المُلقاة عليها في قضيّة فلسطين. وهي إذا لعبت أدوارًا سياسيّة ودبلوماسيّة عقلانيّة في معظم مراحل الصراع، ولم تمانع بالقيام ببعض الخطوات الرمزيّة حيال إسرائيل قبل حرب الإبادة الأخيرة، إلاّ أنَّها حافظت على الخط البياني الواضح كقائد للعالم الإسلامي، الذي يربط أي تقدّم عربي صوب إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقيّة وحدودها العام 1967. هذا كان دأبُها من عهد الملك عبد العزيز، مرورًا بقمة بيروت العربية عام 2002 التي جاءت بمبادرة سعودية للسلام، وصولاً إلى الموقف الحالي الذي ذهب إلى حدّ عقد مؤتمر خاص في الأمم المتحدة لحلّ الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين.

ليس مُهمًّا ما قاله الرئيس ترامب في الساعات الماضية في طريقه إلى فلوريدا لإجازته الأسبوعية، من أنَّ “اتفاقيات أبراهام ستكون جُزءًا من مباحثاتنا، وآمُل في أن تُبرِمَ السعودية اتفاقياتِ أبراهام قريبا”، لكنَّ الأهم هو استعدادُ سيّد البيت الأبيض وفريقه لتقديم ما لم يقدّمه غيرُهم لفلسطين، ومستوى الضغط الذي سيمارسه ترامب على نتنياهو وفريقه المتطرّف للعودة إلى منطق السلام، بدلا من استكمال حرب الإبادة، وقضم ما بقي من الضفّة الغربيّة. فلا غرو في القول إن الموقف العربي بشكل عام الذي تصدّرته السعودية ومصر في الفترة الأخيرة مع دول عربية وإسلامية وأوروبيّة هو الذي دفع ترامب مستندًا إلى ضغوط الرأي العام، صوب وقف حرب غزّة والتخلي عن فكرة تأييد ضم الضفّة الغربيّة.

يذهب الأمير محمّد بن سلمان إلى البيت الأبيض، متسلّحًا بمجموعة عوامل إسناد يُضطر معها ترامب لجعل هذه القمّة استثنائيّة إذا ما أراد تحقيق إنجاز عالميّ حقيقيّ، وأبرزها التالي:

  • نتائج زيارة ترامب إلى السعوديّة والإمارات وقطر في أيار/ مايو الماضي، والتي حقّقت له فوائد اقتصادية هائلة كان يحتاجها في مستهلّ ولايته لإقناع ناسه بأنّه يحقق وعوده بجعل أميركا تنتعش اقتصاديًّا. وهو ما زال بحاجة لصفقات كُبرى يملك العديد من مفاتيحِها الأمير محمد في مجالات عديدة، وتحتاجها السعوديّة لاستكمال رؤية 2023 وفي مقدمها التكنولوجيا العالية، والذكاء الاصطناعي، وصفقة طائرات F35، والبرنامج النووي السلمي، وغيرها.  ولا ننسى أنّ الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة (سواء مباشرة أو عبر صناديق الاستثمار مثل صندوق الاستثمارات العامة) تتجاوز 100 مليار دولار في قطاعات متنوعة مثل التكنولوجيا (أوبر، وياندكس) والترفيه (ديزني) والطاقة وغيرها.
  • نجاح السعوديّة في جمع أكبر عدد ممن من الدول العربية والإسلامية والأوروبيّة لدعم الحل الفلسطينيّ ورفع مستوى الضغط على واشنطن لتعديل وجهة نظرها والقبول بوقف الحرب على غزة من جهة، والعودة إلى منطق السلام والتفاوض، ولم يكن من السهل في هذا السياق أن تترأس السعودية وفرنسا، مؤتمر نيويورك لحل الدولتين والذي لاقى ترحيبًا عالميًّا كبيرًا، ووسّع نطاق الدعم لدولة فلسطين الموعودة.
  • تحقيق السعودية قفزة دوليّة كُبرى في سياق البحث عن توازنات تفيد منها، حيث تخطّى تبادلُها التجاري مع الصين 116 مليار دولار سنويًّا، مقابل نحو 80 مليار مع اميركا . ولم يتردّد الأمير محمد في عهد الرئيس بايدن في التلويح بوجود بدائل للولايات المتحدة، والتذكير بأن النفط السعودي هو الذي ساهم في نهضة أميركا.
  • نجاح الرياض في عقد اتفاقيّة دفاعيّة مشتركة هامة واستراتيجية مع باكستان التي تملك السلاح النووي، مع كل ما تحمله من إشارات صوب تعزيز القدرات العسكريّة والدفاعيّة السعوديّة، ولكن أيضًا إشارات تحذير لإسرائيل، وربما، إشارات لواشنطن للقول إن ثمّة بدائل موجودة إن تمنّعت واشنطن من دعم الرياض في إقامة برنامج نووي سلميّ.
  • سحب السعوديّة فتيل التفجير مع إيران، أي سحب الورقة التي كانت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والغرب يلعبوها في سياق الابتزاز الدائم، بحيث كانت هذه الدول تقدّم نفسها حامية للمملكة ضد إيران، بينما لم تفعل شيئًا بالفعل حين هوجمت شركة “أرامكو” من قبل الحوثيين المتحالفين مع طهران. فالاتفاق السعودي الإيراني الذي تمّ توقيعُه في الصين وليس في أيّ دولة غربيّة، آخذ بالتقدم والتوسّع، تمامًا كما توسعت العلاقة مع تركيا.

كلُّ هذا في الواقع يقلق إسرائيل، ففيما كان نتنياهو يُباهي ويجاهر بأنَّ التطبيع مع السعودية بات مسألة أسابيع، صار اليوم مُحاصَرًا من قبل الدبلوماسيّة السعوديّة، ليس في الملف الفلسطينيّ فحسب، بل أيضًا في ملفّات أخرى، بينها سورية التي يُدرك تمامًا أنَّ الاحتضان السعودي لها حاليًّا يهدف إلى منع تقسيمها وإلى صدّ هجمات إسرائيل عليها، وإلى دفعها للتروّي في أيّ تطبيع. كذلك يرى نتنياهو بأم العين مدى النشاط السعودي المتجدّد في لُبنان بحثًا عن حلول لسحب سلاح حزب الله ومواكبة الإصلاحات وإعادة الاستثمارات، وهو يُدرك أنَّ تحقيق ذلك سيسحب من يد إسرائيل ورقة مهمّة في لُبنان الذي يفيدها حين يكون مقسّمًا ومدمّرًا أكثر مما يفيدها حين تستعيد الدولة فيه حضورها الكبير.

لم تخجل إسرائيل في التعبير عن امتعاضها وقلقها من زيارة الأمير محمد إلى واشنطن، فهذه صحيفة معاريف الإسرائيلية تقول إنَّ قلقًا كبيرًا يتنامى في إسرائيل بسبب استضافة الرئيس ترامب، ولى العهد السعودي في البيت الأبيض الثلاثاء المقبل. مضيفة:” أنَّ صفقة الأسلحة المحتملة لبيع طائرات «إف-35» للسعودية تثير مخاوف بشأن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة.

الواقع ليست صفقة الطائرات وحدها ما يقلق إسرائيل، بل دور الدبلوماسيّة السعوديّة المتنامي في عهد الأمير محمد بن سلمان، الذي وإن كان لا يرفض التطبيع كمبدأ، الاّ أنّه يُدرك تمامًا أنَّ التطرف الإسرائيلي الذي مارس كلَّ صنوف الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وجاهر بأطماعٍ توراتية في كلّ المنطقة، وهدّد مصرَ والأردن وصولاً إلى الخليج، وقصف قطر، ينبغي لجمُه.

آمالٌ عربيّة وإسلاميّة ومسيحيّة كبيرة مُعلّقة على هذا الموقف السعوديّ، الذي نجح في وساطات كثيرة في السنوات الماضية لوأد حروب وأزمات عديدة، وذلك لأنّه لو تنازلت السعودية فقد ينهار آخر سدّ دبلوماسيّ حقيقيّ ضد جنون نتنياهو وصحبه. وهي حتمًا لن تتنازل.

lo3bat elomam

Recent Posts

ما يجب معرفته عن لقاءِ ترامب والشّرع

المعهد الإيطاليّ للدراسات الدوليّة والسياسة ترجمة: مرح إبراهيم يُمثّلُ اللقاءُ التّاريخيُّ بين ترامب والشّرع في…

4 days ago

لو وقعت الحرب بين فنزويلا وواشنطن، ما هي قدرات الطرفين؟

على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب أشار إلى احتمال شن ضربات برية ضد مهربي…

4 days ago

L’oignon, joyau discret de la Mésopotamie

L’oignon, joyau discret de la Mésopotamie Nadine Sayegh-Paris Bien avant qu’il ne devienne un ingrédient…

4 days ago

زيارة الشرع إلى البيت الأبيض والذاكرة الغربيّة الانتقائيّة

راشيل بيطار في مشهدٍ يلخّص تناقضات الشرق الأوسط المعاصر، دخل أحمد الشرع البيت الأبيض لا…

4 days ago

الشرع لواشنطن بوست: نتفاوض مع إسرائيل وروسيا منزعجة من الأسد

اجرى المقابلة:  سوزانا جورج وتوبي راجي بعد زيارة تاريخية أولى إلى البيت الأبيض، أجرى الرئيس…

4 days ago

نهوض لبنان ممنوع قبل التطبيع

سامي كليب  كل ما يقال عن أسباب التصعيد واحتمال عودة الحرب الى #لبنان ، ما…

1 week ago