
سامي كليب 
لو أحصينا كل التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، سُرعان ما نستنتج أن المطلوب بوضوح تام هو استكمال القضاء على حزب الله، ولو دققنا بتصريحات قادة حزب الله نستنتج أن الحزب الذي يعتمد ما يسمّيه بالصبر الاستراتيجي، لم يصل بعد إلى قناعة فعليّة بأنّه قادر على خوض حرب واسعة، وأنَّ اقصى ما يمكن عملُه حتى الساعة هو محاولة التصدي لو وقع عدوان إسرائيلي، مع إدراكه تمامًا بأن الخسائر هذه المرة قد تكون أكبر.
يقول وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر لنظيره الألماني الذي زار بيروت ويقوم بوساطة بين الجانبين: “إنّ إعادة تسليح حزب الله في لبنان ستكون له تداعياتٌ خطيرة على أمن إسرائيل ومستقبل لُبنان. لقد ترسّخ الإرهاب في غزة ولبنان واليمن على مدى العقود القليلة الماضية، واقتلاعُ هذا الإرهاب ( أي حماس وحزب الله والحوثيين) ضروري لاستقرار المنطقة”
وهذا وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يرفع مستوى التهديد اليوم قائلا:” إنَّ حزب الله يلعب بالنار، والسلطات تماطل وعلى الحكومة اللبنانية الوفاء بالتزاماتها ونزع سلاح الحزب وإخراجه من الجنوب. وإن إسرائيل لن تسمح بوجود أيّ تهديد على سكان الشمال وإنَّ القوات الإسرائيلية ستعمق تنفيذ الحد الأقصى من الإجراءات في لبنان.”
هذا بالضبط ما شرحه بنيامين نتنياهو للقيادة الروسية في الأيام الأولى للحرب على غزة ثم لُبنان، فهو قال:” أنا لا أريد أيَّ مفاوضات بل القضاء كليًّا على الأطراف المُسلّحة الإرهابية في المنطقة. نحن انسحبنا من لبنان في العام ٢٠٠٠ فانتعش حزب الله، وانسحبنا من غزة في العام ٢٠٠٥ فانتعشت حماس، وتردّدنا في ضرب إيران فاقتربت من القنبلة النووية وانتشرت في المنطقة، ولم نضغط بما يكفي على النظام السوري فاتسع طريق تمرير السلاح من إيران إلى الحزب”.
خطة نتنياهو الواضحة إذًا هي الاستمرار بالحرب ضد هذه الأطراف حتى القضاء عليها ثم الانتقال إلى المعركة الأكبر مع إيران. والحلّ الوحيد بالنسبة لنتنياهو لتجنب الحرب مع هذه الأطراف هو استسلامُها، وليس تقديم أي تنازل لها.
من هذا المنطلق جاءت أطراف أميركية وغربيّة وعربيّة تقول للدولة اللُبنانية، بضرورة أن يضرب الجيش بيد من حديد حزب الله إذا رفض تسليم السلاح، وذهب أحدُ هذه الأطراف إلى حد القول:” ولماذا لا يكون الرئيس جوزف عون مثل أحمد الشرع ويسيطر على كل لُبنان، فهذا الشرع استطاع قلب النظام حين توفّرت له وسائل التأييد والدعم الإقليمية ولم يُفكّر بماذا سيفعل النظام، والحزب حاليًّا في أكثر مراحله ضعفًا، وشعبيتُه تراجعت وامكانياتُه تقلّصت، ولن يجرؤ على اخراج أي سلاح ثقيل لأنَّ الطائرات الإسرائيلية ستكون بالمرصاد”.
يُدرك الرئيس عون من خلال خبرته العسكريّة الطويلة خصوصًا حين كان قائدًا للجيش، أنَّ مثل هذا الخيار محفوفٌ بمخاطر كبرى، أبرزها الغرق بنوع من الحرب الأهلية، وانقسام الجيش بحيث تخرج قيادات شيعية منه كما حصل في ثمانينيات القرن الماضي، ناهيك عن قدرة الحزب على حشد جمهور واسع قد ينتشر في الطرقات ويشلّ عمل الدولة.
والحزب الذي أصيب بنكسات كُبرى في الحرب الأخيرة، بحيث قضت إسرائيل على أبرز قادته بمن فيهم أمينه العام، يسعى منذ انتهاء الحرب إلى مراجعة الأخطاء التي وقع فيها، ويعمل على اكتشاف الجواسيس في داخله أو محيطه الذين قدّموا معلومات لإسرائيل، ويسعى كذلك لتفادي التقدم التكنولوجي الكبير الذي حسم المعركة لصالح إسرائيل. لكنّه لا يتحرّك وحده هذه المرّة، فالمعلومات التي بين أيدينا تقول إنّ خطّة المواجهة تُنسج بدقّة مع طهران وأطراف أخرى في المنطقة، ذلك أنَّ إيران التي أصابت بيئة الحزب بالخذلان والخيبة خصوصًا بعد نجاح إسرائيل بقتل أمين عام الحزب وخَلَفِه المُفترض ومعظم قادة الرضوان، تُدرك أنَّ القضاء الكامل على الحزب هذه المرّة يعني تسريع الوصول إليها، ولذلك فالاستعدادات العسكريّة قائمة على قدم وساق، وتعزيز التحالفات مع الصين وروسيا مستمرٌّ على أساس أنَّ الحرب المقبلة إذا وقعت، تعني تغيير كلّ وجه المنطقة والسيطرة على المعابر وطرق التجارة وتضييق الخناق على أيّ دور صيني روسي.
هل الحرب إذًا قدرٌ محتوم؟
هكذا تبدو الصورة الآن، لكن مع الرئيس ترامب كلُّ شيء وارد، بما في ذلك عقد صفقة كُبرى، غير أنَّ هذا الشرط يقتضي أولاً القضاء على كلّ السلاح المناهض لإسرائيل والمؤيد لإيران. وهنا تبدو العقدة الكأداء التي تجعل ترجيح توسع الحرب أكبر من احتمال الصفقة، فنحن أمام معادلة معقّدة، كل من يخسرها ينتهي إلى غير رجعة. هذا بالضبط ما يدفع دولاً عربية ودولية إلى التحرّك لمنع الانزلاق إلى ما لا تُحمد عقباه، ولا شكّ في أن زيارة رئيس المخابرات المصريّة إلى بيروت في الآونة الأخيرة وكذلك زيارة وزير الخارجية الألمانية جاءتا في سياق النصح لتفادي الأسوأ ومحاولة ربط خيوط تفاوض إسرائيلية لُبنانيّة، وفي الوقت نفسه تُبذلك جهود كبيرة وضغوط أكبر لدفع النظام السوري الحالي لعقد صفقة مع إسرائيل لكن مع القبول ببقاء الاحتلال في الجولان والجبهة الجنوبية، أي صفقة استسلام، كما هو مطلوب تمامًا مع لُبنان. هذا بالضبط ما يريده نتنياهو، وما لا يعترض عليه ترامب.
ومن يدري، لعل انضمام سوريا الى التحالف الدولي ضد الارهاب بعد زيارة احمد الشرع الى واشنطن، يعني أنها ستلعب دورًا ضد من تصفهم أميركا بالارهابيين




