سامي كليب
ثمة مؤتمراتٌ تدفع إلى الملل من لحظاتِها الأولى، وأخرى تُنعش القلب وتحفّز الذاكرة حتّى لحظاتِها الأخيرة. كان المؤتمر السنوي الأول للإعلام في مدينة بنغازي الليبيّة من الصُنف الثاني، ليس لدقة التنظيم وحسن اختيار الزملاء فحسب، بل للمناخ العام الذي خيّم طيلة الأيام الثلاثة، كنسمةِ صباحٍ في يومٍ ربيعي.
منذ صباح اليوم الأول، وحول الفطور الصباحي الغني، تجمّع الزملاء الذين كنتُ أعرف بعضَهم عن قرب، وأكثرَهم عبر الشاشة، يُعربون عن مفاجأتهم بالمدينة ومحبّة أهلها، ويلقون خلف ظهورهم كلَّ ما سمعوه عن مشاكل ليبيا وخطورة المجيء إليها. فها هي بنغازي تستقبل معنا شمس صباحِها الدافئ، بزرقة سمائها ولمعة المياه في بحرها المتوسطي الشاسع، وبكثير من الأمل والحيوية والمشاريع الناهضة من تحت ركام المباني المُدمّرة بفعل الإرهاب.
سُرعان ما تتحلّق حول الطاولات، وجوهٌ أحببناها عبر الشاشة، أو رافقناها في مسيرة الإعلام الطويلة، فهذه فاديا الطويل ونيكول تنوّري القادمتان من تجربة عريقة وناجحة جدًا في الإعلام تُصبحان رفيقتي الرحلة الى ضريح الثائر العظيم وشهيد الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي عُمر المختار، فينساب الحديث معهما عن ليبيا وعن هموم وطننا العربي ومشاكل المهنة والحياة وآمال النهوض من الكبوات الكثيرة.
وهذا الزميل المصري العريق والراقي محمود سعد يذهب لنقل تجربة الناس من على أرضهم الطيّبة محفوفًا بالحبّ وشغف الاكتشاف، وهذا سيبويه التلفزات محمد أبو عبيد يستنبط الطُرفة من كلّ حديث يُرفدها ببيتٍ من الشعر وخفّة دمٍ لافتة، وبينهم الراقي ودمث الأخلاق والرفيق الأنيس سامي القاسمي الذي صعد نجمه سريعًا في الإعلام الخليجي مذ جاءه من الجزائر قبل سنوات.
وسرعان ما تنضم إلى الصباح الزميلة الدكتورة هالة سرحان المتربعّة على عرش مئات المقابلات والبرامج التلفزيونية والمقالات الناجحة، ترافقها الصديقة الدائمة بوسي شلبي التي لا تترك تفصيلاً يهرب من كاميرتها، وإن نسينا شيئًا من قصصهما، فالزميل والصديق المخضرم جورج قرداحي يروي بصوته الجهوري وروح النكتة بعضًا من المآثر التلفزيونية الجريئة لهالة سرحان.
يبدأ الصباح في بنغازي مع الزميلات والزملاء مُنعشًا إلى اقصى حد، وعميقًا حتّى خلايا القلب، تُضفي عليه الصديقة نغم عامر التي أشرفت على تنظيم المؤتمر من على رأس شركتها الرائدة “ wite and Black events” شيئًا يُشبه اهتمام الأم بأبنائها، رغم أنّها على الأرجح أصغرنا، وتُغنيه الصديقة الإعلامية والشاعرة الاستثنائية سهام الشعشاع بكثير من الاهتمام بأدق التفاصيل، خصوصًا أنّها كانت أبرز المشرفين على ترشيح الزملاء الذين شاركوا في هذا المؤتمر الهام.
وفي قاعات المؤتمر التي امتلأت بكثير من الزملاء والمفكّرين والمثقّفين والإعلاميين وأساتذة الجامعات الليبيّين، ستجاور فدوى المرابط الإعلامية المغربية الغنيّة فكرًا وثقافةً ومحبّة، وإلى جانبها الزميل النقابي العريق محمد الطالبي.
وها هو لُبنان يحضر بالكثير من نجماته ونجومه، من الإعلامية ذات التاريخ العريق بالسياسة ماغي فرح رغم أن حاضرها لمع أكثر بكتب الأبراج، إلى الشهيدة الحيّة والإعلاميّة ذات الباع الطويل في الإعلام والتدريب مي شدياق، إلى الزميل والصديق نيشان الذي لم يترك فنّانًا كبيرًا في طول الوطن العربي وعرضه إلا وحاوره، وصولاً إلى الزميل إيل أنداري المسافر في عالم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة والسوشال ميديا يرفع بها مستوى منصّة بلينكس الرائدة في الإمارات. والزميل أيلي نخلة صاحب الباع الطويل والتجربة المتنوّعة والغنيّة في الإعلام.
كانت المحاضرات والندوات تتوالى في خلال النهار الطويل، لكنّ القاعة تبقى زاخرة بالحضور، والكاميرات الليبية جاهزة خارج القاعة لكثير من الحوارات، وكأنما الجانبان الليبي والعربي يتوقان للتحاور والعناق بعد فراق واشتياق.
وفي السهرات الجميلة واللطيفة والزاخرة بالنقاشات العامة بعيدًا عن السياسة وتعقيداتها، تُطل النجمة الجميلة شكلاً وفنًّا وإعلامًا ذات الأصول اليمنية المصريّة أروى لتُطلقَ مفاتيح الحوارات الليلية بكثير من خفّة الدم وإشعاع الذكاء، وتحضر الزميلة البدوية، الأنيقة الكلام والمظهر والعميقة التعابير، وأصيلة اللغة والتراث، هند خليفات، ثم يصدح صوت الزميلة رولا الطراونة بشِعرِها البدوي الساحر حول الحبّ والكرامة، إلى جانب صاحبة الصوت المميز والتاريخ المُشرق على الشاشات الزميلة منتهى الرمحي، وتُسمع من البعيد قهقهات الزميلة المشاغبة دائمًا وصاحبة النكتة الحاضرة وسرعة البديهة رزان المغربي..
هذه السهرات الجميلة واللطيفة والمنعشة كانت تعكس فرح اللقاء من جهة، ودهشة اللقاء ببنغازي الهادئة والقائمة من تحت أنقاض الحروب من جهة ثانية، وكأنّما أريد لهذا الفرح أن يكون عنوانًا لمستقبل واعد في مدينة التاريخ والعراقة التي تعاقبت على أرضها حضاراتٌ واحتلالاتٌ عديدة من اليونانية والرومانية إلى الإسلامية والعثمانيّة فالإيطاليّة، لكنّها عرفت دائمًا كيف تحافظ على آثار الحضارات، وتركل الغزاة.
كان لحضور الزميل سمير عُمر الذي انتقل من العمل مُراسلاً لفضائيات عربيّة كبيرة إلى إدارة الشركة المُتّحدة في مصر والتي تضم كبريات التلفزات والمؤسسات الإعلاميّة، نكهةً خاصة حملت رسائل كثيرة من مصر التي يُكنّ لها أهلُ بنغازي عِرفانًا خاصًا لوقوفها إلى جانبهم في أصعب الأوقات، وكان من مصر أيضًا حضور مميّز للزميلة إيمان عزّام، كما كان لحضور الخليج وزنه من خلال الزميلتين العريقتين أميرة الفضل ذات التاريخ الاستثنائي بجرأتها كأولى صحفيات السعودية في تقديم برامج خرجت عن نطاق المألوف وكسرت مُحرّمات عديدة، ود بروين حبيب البحرينية الجنسيّة والتي عرفت كيف تُقرن مهنة الإعلام بعذوبة الشعر. ومن الإمارات حضر كلُّ من منى بوسمرة الصحفية التي جمعت كثيرًا من أطراف المجد في هذه المهنة، فكانت رئيسة التحرير المسؤول لصحيفة البيان ورئيسة تحرير صحيفة الإمارات اليوم ومديرة نادي دبي للصحافة وحالياً مديرة أكاديمية دبي للإعلام، ومعها الزميل الإعلامي ذو الصوت الدافئ والاحتراف المهني عامر بن جساس.
بهذه الوجوه الإعلامية الاستثنائية والتي جاءت بكثير من القلق إلى ليبيا، وغادرت بعميق الاطمئنان وبأطنان من الحبّ وحسن الاستقبال الذي أشرف عليه خصوصًا مسؤولو شركة الراية الليبية لللاعلام، وكرم الضيافة وتواضع أهل الأرض الطيّبة، ازداد المؤتمر عُمقًا وألقًا، فكانت محاضراتٌ قيّمة شارك فيها كثير من الزملاء والمثقّفين، ولم تترك مجالاً في الإعلام القديم والحديث إلاّ وتناولته، وكان للزميل الدكتور والمثقف الموسوعي باسم الجمل إطلالته المميزة بعمقها وجرأتها، ولعاصم جلال بصمته الخاصة والمهمّة في شرح خفايا ومستقبل الذكاء الاصطناعي، وكذلك الحال مع الإعلامية الراقية وخفيفة الظل وكاتبة القصة القصيرة والسناريست لانا الجندي. وكان ولديانا فاخوري قدرتها اللافتة في إدارة الحوارات وطرح الأسئلة، ولهبة الحيدري حضورها الجميل بحثًا عن حلقة مقبلة من برامجها المميزة في استضافة الإعلاميين، ولصاحبة الصوت المميز عفاف الغربي بصمتها الإذاعية الراسخة، ناهيك عن الوجوه اللامعة والمحترفة من الجيل الجديد، ومنهم الزميلة اللافتة بأسئلتها وصوتها ولغتها آسيا هشام ، والإعلامية والدكتورة الجامعية المحترفة دعاء خطّاب ، والإعلامية التي تسلّقت سُلم مجد المهنة سريعًا في ليبيا وخارجها إيمان الوحيشي، وصانعة المحتوى التي يكبر جمهورها يومًا بعد آخر يارا عزيز، والإعلامي والممثل السوري نور الدين اليوسف. والإعلامي التونسي المعروف الهادي الزعيم.
La pompe de terre : une invention qui fit jaillir l’eau de l’histoire Nadine Sayegh-Paris…
سامي كليب مشكورة الدول التي اعترفت وتعترف بالدولة الفلسطينية، فهذا حقٌ فلسطيني طال انتظاره، وأن…
بقلم : بيار جاكمان في مجلّة Politis منذ الهجوم البري الذي شُنّ غداة عملية حماس…
Le sang, cette mosaïque invisible qui coule dans nos veines ! Nadine Sayegh-Paris De l’Antiquité aux…
عن دراسة بعنوان : تزييف التاريخ: السياسة البغيضة لإحصاء ضحايا غزة ريتشارد هيل وجدعون بوليا*…
نجاي ديوب-داكار سجّلت القارة الأفريقية خلال النصف الأول من عام 2025 أسرع معدل نمو في…